...وقالها أديب: "أتوجه بالإعتذار الصادق من الشعب ال​لبنان​ي عن عدم تمكني من تحقيق ما يطمح إليه". قالها لتظهر أزمة جديدة على الساحة اللبنانية، المثقلة أساسا بالمصائب والصعوبات، والغارقة منذ أشهر، في مأزق اقتصادي خطير، في ظل تراجع سعر صرف الليرة مقابل ​الدولار​، والقيود المصرفية الصارمة، و​التضخم​ المفرط في الأسعار، و​البطالة​ المتزايدة.

من صدمة الى صدمة، يتنقل الشعب اللبناني، علما أن مشهد الاعتذار كان متوقعا لكثيرين، بفعل التعقيدات المتعددة التي كان تلحق بعملية التشكيل.

فماذا ينتظرنا بعد اعتذار مصطفى أديب؟ كيف سيتأثر سعر الصرف؟ وأين تكمن أهمية المهلة الجديدة التي أعطاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟

كان لموقع "الاقتصاد"، مقابلة حصرية مع عضو هيئة مكتب ​المجلس الاقتصادي​ والاجتماعي والأستاذ الجامعي، د. ​أنيس بو دياب​، للإجابة على الكثير من التساؤلات المطروحة اليوم.

- يتساءل جميع اللبنانيين عن ما ينتظرنا بعد اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب؟ كيف سيتأثر سعر صرف الليرة؟ ما هي تداعيات هذا الاعتذار على الوضعين الاقتصادي والمالي؟ وكيف سيؤثر على الكارثة الاجتماعية التي باتت تهدد أكثر من نصف الشعب؟

فور اعتذار الرئيس المكلف، بدأ سعر الدولار بالارتفاع، كما أخذت قيمة العملة الوطنية بالتراجع؛ وهذا الأمر طبيعي ومتوقع.

لكنّ تمسك القوى المتنازعة بالمبادرة الفرنسية، منع حدوث انهيار شديد في سعر الصرف. ورغم الكلام القاسي للرئيس ماكرون بحق كامل الأطراف السياسية والمنظومة الحاكمة في لبنان، إلا أنه أكد تمسكه بالمبادرة، وكشف عن إعادة تجديدها وإطلاقها لمدة أربعة الى ستة أسابيع. وهذا ما دفع بسعر الصرف، للتماسك، الى حد ما.

ومن الممكن أن نشهد على هذا الارتفاع الطفيف، بشكل مستمر، بسبب هذه المبادرة المعلقة؛ حيث أن وجودها يحمي نوعا ما سعر الصرف.

أما من الناحية الاجتماعية، فلقد شهدنا تلقائيا على شح في تسليم ​المشتقات النفطية​، وبالتالي، سوف يتكرر مشهد الازدحام أمام محطات ​الوقود​، حتى تشكيل الحكومة، على ما أعتقد. وفي حال طالت هذه المدة، فسوف نشهد على انقطاع لهذه المواد وغيرها. وبالتالي، لهذا الأمر انعكاسات كبيرة ناتجة أيضا عن تراجع شديد في احتياطي العملات الأجنبية في المصرف المركزي، والكلام الجدي عن رفع الكامل للدعم عن السلع الأساسية والسلع المدعومة.

وتجدر الاشارة الى أن أسعار الأدولة و​القمح​ والمشتقات النفطية ما زالت مدعومة، ورغم ذلك، نرى زحمة على المحطات، وذلك بسبب التأخر في فتح الاعتمادات، خاصة في ظل شح الدولار.

بو دياب: من الممكن الوصول بالدعم الى أوائل شهر شباط 2021​​​​

هذه العوامل تسيء الى الطبقات الاجتماعية المختلفة، وحكما فإن تراجع سعر الصرف سيؤدي الى زيادة الطلب على السلع، بسبب تخوف الناس المبرر من الآتي. ومن هنا، سوف ترتفع الأسعار بوتيرة سريعة، ما يدفع الى زيادة شريحة الفقر من جهة، والى تباطؤ الانتاج من جهة أخرى، وبالتالي زيادة البطالة.

فقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي بشكل شديد، الى 20 مليار دولار، من نحو 56 مليار دولار عام 2018.

- الأولوية اليوم هي لتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن. على هذا هو السبيل الوحيد للخروج من ​الأزمة الاقتصادية​ الخطيرة التي تخيم على لبنان؟

السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، لكن وتيرة التحسن في السياسة ربما تكون أسرع من وتيرة التحسن في الاقتصاد؛ اذ أن مرونة الاقتصاد صعودا بطيئة، وهبوطا سريعة، حيث نشهد فورا على تراجع بنسبة النمو، وارتفاع في الأسعار، وانهيار بسعر الصرف، في حين أن التراجع السياسي قد لا يحدث بهذه السرعة.

وفي الوقت ذاته، عندما نشهد على تحسن في السياسة، لا نشعر على الفور بالتحسن الاقتصادي، بل على العكس، هذا الأمر يتطلب المزيد من الوقت.

وبالتالي، فإن تشكيل الحكومة مرتبط حكما بالوضع الاقتصادي، ولكن ليس أي حكومة؛ فتلك التي تلاقي إجماعا وطنيا، وتحظى ببعض الثقة المحلية والأجنبية، ستؤدي حتما الى نوع من تحسن. ولكن بسبب الانهيار الأكبر للاقتصاد، أصبحنا بحاجة الى حكومة مستقلة فعليا، سريعة التعاطي مع الأزمات، متناسقة مع بعضها البعض، متجانسة مع رئيسها، وتتحلى بثقة دولية كبيرة، لأننا بحاجة ماسة الى ​المجتمع الدولي​، ولا نستطيع الاستمرار بدون صندوق النقد أو "سيدر"، أو بدون المؤتمرات التي كان الرئيس ماكرون قد وعدنا بها في تشرين الأول. نحن بحاجة ماسة للعملات الأجنبية، ما يتطلب تشكيل حكومة مقبولة دوليا ومحليا أيضا، أي بعيدة عن المنظومة السياسية. ولا يمكن الخروج من هذه الحفرة الكبيرة، إلا من خلال حكومة من هذا النوع، وإلا فسيكون الخروج من الأزمة مستحيل، وستفتح أبواب هجرة ​الشباب​ والخريجين والمبدعين أكثر فأكثر. كيف سيكون حينها مستقبل لبنان بدون إبداعه البشري؟ واذا تخلى عن هذا المورد، ماذا سيتبقى له؟

- يحكى عن احتمال خفض الاحتياطي الإلزامي لمصرف لبنان؟ ما هي دقة هذا الكلام؟ وهل هو قابل للتحقيق؟ وفي حال تم ما هي تأثيراته؟

بسبب تراجع حجم الودائع بالعملات الأجنبية في لبنان، من المفترض أن يكون حجم الاحتياطي الإلزامي أقل من 17.5 مليار دولار. لكن مجلس الحاكمية هو من يتخذ هذا النوع من القرارات، في ظل وجود حكومة و​وزارة المالية​. هل ممكن أن نذهب الى هذا الأمر؟ أتمنى العكس.

في الواقع، لدينا إمكانية عدم رفع الدعم عن السلع الأساسية لفترة شهرين، وأعتقد أنه من الممكن الوصول بالدعم الى أوائل شهر شباط 2021. وحتى ذلك الوقت، من الممكن أن تكون الفرصة التي أعطاها بالأمس الرئيس الفرنسي، قد أثمرت، لنكون بالتالي، قادرين على تجاوز هذه المحنة.

لكن الرشد الوطني مطلوب من السياسيين، إضافة الى وقف الارتهان الى الخارج، بهدف التركيز على مؤسساتنا الداخلية.

أما في حال تم خفض الاحتياطي الإلزامي، فسيكون هذا الإجراء بمثابة استكمال لمصادرة أموال المودعين، وبالتالي اذا كانت بارقة الأمل في حصول المودعين على أموالهم موجود، بسبب وجود الاحتياطي الذي من الممكن أن يعيد تحريك عجلة الودائع، فسوف تكون عملية الخفض بمثابة ضرب المسمار الأخير بنعش القطاع المصرفي.