خلال اقل من شهر من اليوم سيدخل حجز ​المصارف​ لاموال المودعين عامه الاول دون ان يتم اقرار اي ​صيغ​ قانونية تبرّر هذا التصرّف الذي يفضي الى ثابتة واحدة مغذاها ان المصارف صرفت اموال المودعين لدى ​مصرف لبنان​ وهو بدوره موّل الدولة العاجزة والفاشلة بها ليتم استخدامها في مجالات مختلفة، ربما كان معظمها انفاقا غير مجد.

وثمة من يرى ان المصارف استعملت أموال المودعين وبدل أن تستثمرها في الاقتصاد الفعلي المنتِج قامت بتوظيفها في ​سندات الخزينة​ بمصرف لبنان طمعاً بالفوائد العالية، وهنا كانت المشكلة الجوهرية التي أوصلتنا إلى هذا الوضع.

وهناك رأي يخالف هذه النظرية مؤيدا قيام المصارف ومصرف لبنان بتمويل الدولة من منطلق واجب وطني خصوصا وان القطاع جنى ارباحا عالية بنتيجة هذا الدين بفعل الفوائد المرتفعة التي واكبت مراحل الاستدانة سمحت له بدعم الاقتصاد.

وفي غضون ذلك، لقد حقق كبار المودعين في المصارف ارباحا غير متوقعة في المرحلة الماضية، فيما اطمأن المتوسطون منهم على مصير جنى العمر لأن اموالهم محفوظة في فروع القطاع، وهي الضمانة الاكيدة التي تلبي الحاجات الحياتية.

ولكن ​الرياح​ لم تجري كما تشتهي السفن، اذ ان الودائع لم تعد محفوظة لا بل مصروفة في اماكن ربما هي غير معلومة، والتقارير الاقتصادية وخطة التعافي الاقتصادي المعدة من قبل حكومة الرئيس ​حسان دياب​ لحظت ضبابية مصيرها.

هل هذا يعني ان المودعين سيخسرون اموالهم لاسيما التي هي ب​الدولار​ بعدما اصبح العملة النادرة في السوق اللبناني؟ ام ما تزال هناك امكانية للافراج عنها من قبل المصارف؟ وكيف سيكون ذلك؟

ما هي اجواء المحادثات التي اجراها وفد ​جمعية المصارف​ في ​فرنسا​ في ضوء تسرّب معلومات عن تلميح فرنسي بان ​المصارف اللبنانية​ ستخسّر المودعين اموالهم؟

البعض تحدث عن حل لاستعادة الثقة ب​القطاع المصرفي​ يقضي بدخول مصارف اجنبية الى السوق اللبناني، ولكن هل المناخ الاستثماري مؤات لجذب هذه المصارف؟

قزي

يقول الخبير المالي والمصرفي الدكتور دان قزي لـ"الاقتصاد"، ان قيمة الودائع بالعملات وصلت في المصارف منذ سنة ونصف الى ما يناهز ال 180 مليار دولار . وقد تم توظيف ما نسبته 30% في الاقتصاد الحقيقي، من خلال ​قروض​ مختلفة توّزعت على الاسكان، ​السيارات​، ​بطاقات​ الاعتماد وغير ذلك... اما القسم الباقي فتم توظيفه وفق التالي:

-حوالي 110 مليار دولار استدانها مصرف لبنان من المصارف. ومن بينها 75مليار دولار والباقي بالليرة. وما نسبة 25% قام " المركزي" باستعمالها لشراء الفيول اويل للكهرباء، ولتسديد فوائد على استحقاقات اليوروبوندز ، علما اننا لغاية تاريخه لانعرف تحديدا حقيقة ما تم صرفه في هذا المجال بانتظار انتهاء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان.

-حوالي 15 مليار دولار كدين للدولة من خلال سندات اليوروبوندز.

اما الباقي، وفق تقديري فقد جرى استعماله لدعم سعر صرف ​الليرة اللبنانية​. وهنا يدخل كل ما تم شراؤه بالدولار وفق سعر صرف الليرة على سعر 1507 للدولار.

هناك حوالي ما بين 5و25% ذهبت كفوائد دفعت وفق ما يعرف فوائد على "البونزي" التي هي نتيجة الهندسات المالية التي طبقت منذ عام 2016. اي من كان معه 10 ملايين دولار اصبح يملك 20 مليون دولار في الخارج بموجب هذه الهندسات. وهنا، ايضا لا نستطيع تحديد حجم هذه الاموال التي خرجت من لبنان بانتظار التدقيق الجنائي.

وعن امكانية استرداد المودعين لاموالهم يشير قزي الى انه وفق ​حاكم مصرف لبنان​ هناك 20 مليار دولار في "المركزي". وثمة ودائع بالدولار تناهز 115 مليار دولار مقابل ​ديون​ بالدولار تناهز 25 مليار دولار. اي 90 مليار دولار مقابل 20 مليار دولار.

ويقول: "بالطبع، نحن لا نتحدث هنا عن اعادة هيكلة لسندات اليوروبوندز، لانها اذا حصلت بنسبة الثلث اي 10 مليارات دولار من اصل 30 مليار دولار، فهذا يعني ان معظم الاموال ستطير، وبالتالي من الصعوبة استردادها الا في حال دخلت العملات من الخارج، مع العلم انه ما من جهة دولية سترفد المودعين بالاموال من الخارج، خصوصا ان ثمة 6 الآف شخص يملكون اكثر من نصف هذه الودائع التي هي بملايين الدولارات، وقد تقاضوا عليها فوائد مرتفعة تفوق نسبتها ما تحصل عليه الدول المانحة التي تحدد مساعداتها للبلدان من اجل بناء الجسور، انشاء البنى التحتية وغيرها من ​المشاريع الاستثمارية​...".

وعن اجواء محادثات جمعية المصارف الاخيرة في فرنسا يقول قزي: " انه في الفترة القليلة الماضية، حاولت المصارف ممارسة نوع من الضغط مع الاعلام ومجلس النواب من اجل رفض خطة الحكومة الاقتصادية القديمة التي وافق عليها ​صندوق النقد الدولي​ ، وقد نجحت في ذلك. لقد كان الهدف الاحتفاظ بال​اسهم​، سيما وان خطة الحكومة ترّكز على الاعتماد على اجراء الـ"bail-in" الذي يقضي بتحويل اسهم المصارف الى المودعين الكبار الذين خسروا اموالهم في المصرف في اطار التعويض عليهم بعد ابعاد اصحاب المصارف عن السوق.

وبغض النظر عن هوية الحكومة، اكتشف اصحاب المصارف ان صندوق النقد الدولي والدول المانحة التي هي عضو في الصندوق قرروا عدم الذهاب الى خطة جديدة بعيدة عن خطة الحكومة السابقة، لذلك كانت الزيارة الى باريس، في اطار "lobbying" لايجاد خطة بديلة عن خطة الحكومة تراعي وضع المساهمين الحاليين في المصارف اللبنانية . ولكن ما سمعه هؤلاء من الفرنسيين لم يكن مطمئنا ويلبي رغباتهم، لأنهم ابلغوا بأنه ستكون هناك خسارة لاصحاب الأسهم في القطاع اسوة بكبار المودعين".

ويعتبر قزي ان ثمة حل وسط يقضي بالحفاظ على نسبة 25% من الأسهم مقابل ضخ اموال جديدة "Fresh ​money​" من الخارج في السوق اللبناني ما يساعد على الامساك بنسبة 25% من ​الاسهم​، فيما ان النسبة الباقية تطبق عليها الـ"bail-in".

وعن امكانية دخول مصارف اجنبية الى السوق لدعم القطاع المصرفي يقول قزي ان هذه المصارف لا تتحمّس كثيرا لهذا الموضوع لاسباب عدة، خصوصا وان هذا مرتبط بعامل الثقة بالقطاع، وبالعقوبات التي تعرقل الاستثمار وكل الاعمال في لبنان التي تحقق الارباح وليس ابدا بالمعادلة الاقتصادية.

ومن المعلوم ان الارباح في لبنان اقتصرت في لبنان في السنوات الأخيرة على قطاع ​العقارات​ والهندسات المالية التي استفادت منها المصارف، علما انه يحظّر على المصارف الاجنبية الانخراط فيها. اضف الى ذلك، فان هذه المصارف لاتؤيد ابدا فكرة انتقال كل الشكاوى والدعاوى المرفوعة ضد اي ​مصرف لبناني​ في حال تملكت اسهمه.

"الهيركات" السيف المسلّط

لقد اكد في مناسبات عدة رئيس جمعية المصارف سليم صفير انه "طالما ليس هناك استقرار سياسي، فلن يكون هناك استقرار نقدي".

وهو يعتبر "ان الطريقة التي تتعاطى بها الدولة مع القطاع المصرفي، كَرسَحَت عملية "خلق الأموال" التي توفّرها المصارف، وأصبحت الوضعيّة حالياً برسم التصفية. فلو سنحت الحكومة للمصارف أن تكمل دورها وتشتري الدولار بشكل طبيعي وكما يجب، لما كانت العجلة الاقتصادية توقفت، ولم يكن ​القطاع الخاص​ قد عانى من الجمود".

وابعد من ذلك، ترى المصارف في اجراء "الهير كات" سيفا مُصلتاً على رقابها و رقاب المودعين، وبالتالي فان اعادة تكوين رساميلها ودعوة المستثمرين الى المساهمة تصبح مهمة مستحيلة.

ولكن رغم ذلك، يبقى السؤال كيف سيسترد المودعون اموالهم، وفق اي ​آلية​؟ ومتى؟