يستغرق تصنيف تطبيق "آيفون" ثانية واحدة، ربما ثانيتين. ثم تجد أمامك هذا السؤال: "هل تستمتع "بسكايب"؟"، ثم تنقر على تقييم من خمس نجوم، بأرقام من واحد إلى خمسة. يستجيب ملايين الأشخاص لهذه الطلبات، دون إمعان الفكر في نزواتهم العابرة.

لكن وراء الكواليس صناعة بأكملها أمضت ساعات وأسطرا لا تحصى من التعليمات البرمجية لصياغة هذه اللحظة. السؤال الذي يظهر أمامك على الفور، الذي يبدو عشوائيا، يمكن ترتيبه بحيث يصل إلى شاشتك المتوهجة فقط في الأوقات التي تكون فيها من المرجح تماما أن تترك مراجعة بتقييم خمس نجوم.

ستطلب تطبيقات الألعاب منك تقييما فور وصولك إلى درجة عالية. ستسألك ​التطبيقات​ المصرفية عندما ت​علم​ أنه يوم الدفع. تطبيقات المقامرة ستحث المستخدمين بعد أن يتسلموا ​بطاقات​ لعب مثالية في لعبة "البلاك جاك". سيظهر لك التطبيق الرياضي سؤالا فقط عندما يفوز الفريق الذي تشجعه.

فرضت شركة "أبل" على مدى عقد من الزمان قيودا على "مزارع التصنيف" و"برامج التنزيل" التي تستخدمها الشركات من أجل أن تحصل بشكل احتيالي على تقييم من فئة خمس نجوم والتلاعب في تصنيفات متجر التطبيقات في "أبل". وقد حققت بعض النجاح، لكن هذه أدوات فجة تحاول خداع النظام في انتهاك واضح لقواعد "أبل". الأساليب الأكثر تعقيدا وتطورا تظل ضمن القواعد، لكنها تعتمد على علم النفس السلوكي لفهم حالتك المزاجية وعواطفك وسلوكك - فهي لا تخترق النظام، بل هي تخترق دماغك.

يقول سعود خليفة، الرئيس التنفيذي لـ "فايكسبوت" Fakespot، وهي خدمة لتحليل موثوقية المراجعات على الويب: "الخوارزميات المستخدمة سرية للغاية، يمكنهم استهدافك عندما تكون مبتهجا، وعندما يكون لديك كثير من الدوبامين. يمكنهم استخدام التعلم الآلي لتحديد متى سيكون المستخدم أكثر ميلا لترك تعليقات إيجابية".

على العكس من ذلك، يعرف المطورون متى لا يسألون: تطبيق الأخبار لن يطلب مراجعات من شخص يقرأ قصة عن الموت والدمار. والشخص الذي يخطئ باستمرار في كلمة المرور لن يسأل بالتأكيد. هذا يساعد على منع ظهور النتائج السلبية ليراها الجمهور، ما يرفع المعدل العام.

يقول ​مايكل​ ​سيكورسكي​، الرئيس التنفيذي لشركة "روبوتس آند بينسلز" Robots and Pencils، التي تساعد الشركات في ​اقتصاد​ ​الأجهزة المحمولة​: "نسميها استشعار القيمة الكامنة. عندما تعتقد أنك أمسكت بشخص ما في ​زاوية​ مظلمة من التطبيق، فهذا ليس الوقت المناسب لطلب مراجعة".

مثل هذه التكتيكات - المخفية عن الجمهور، لكنها سر مكشوف بين ​المطورين​ - أثارت تضخما واسعا في التصنيفات وأصبحت منتشرة جدا لدرجة أنه "بين الشركات الكبرى، من الصعب العثور على شركة لا تفعل ذلك"، كما يقول بريان ليفاين، نائب رئيس الاستراتيجية والتحليلات في شركة "موبيكوتي" Mobiquity، وهي شركة استشارية.

يضيف أنه حتى الذين يترددون، أصبحوا يدركون أن هذه هي تكلفة الدخول إلى سوق أبل الخاضعة للمراقبة والإشراف. "وما يحدث هو أن تقييمات متجر "أبل" تصبح الآن بلا معنى للعملاء".

تداعيات ​التضخم​ بعيدة المدى. تستخدم ملايين الشركات نوعا من تطبيقات الأجهزة المحمولة للوصول إلى ما يقارب مليار مستخدم لشركة "أبل". توسعت التجارة على متجر "أبل" إلى أكثر من 500 مليار دولار العام الماضي - أكثر من ​الناتج المحلي​ الإجمالي لمعظم الدول.

المستخدم العادي، على مستوى العالم، يقضي 27% من ساعات استيقاظه اليومية على ​جهاز محمول​، وفقا لـ "App Annie"، مزودة بيانات وتحليلات ​الهاتف المحمول​. تواجه "أبل" انتقادات - ودعوى قضائية من شركة "فورتنايت"، الشركة المطورة للعبة الفيديو "Epic Games" – من أجل الرسوم البالغة 30% التي تفرضها على الإيرادات المتولدة من متجر التطبيقات. لكن هذا لا ينطبق إلا على 16% من التطبيقات التي تفرض رسوما، بينما يؤثر تضخم التصنيفات في كل تطبيق.

المنافسة بين التطبيقات شديدة، لذا فإن الحصول على درجة عالية في التصنيف أمر بالغ الأهمية. "آبتنتيف" Apptentive، مجموعة تختص في إدارة شؤون السمعة، تسمي التقييمات "شريان الحياة لعالم تطبيقات الأجهزة المحمولة". تشير أبحاثها إلى أن القفز من نجمتين إلى ثلاث نجوم يمكن أن يزيد التنزيلات بنسبة 306%، في حين أن القفزة من ثلاث نجوم إلى أربع توفر دفعة بنسبة 92%. تقول شركة "جميكيوب" Gummicube، التي تساعد الشركات في الوصول إلى مرتبة عليا في متجر التطبيقات، إن أربعة أخماس المستخدمين لا يثقون بتطبيق له تقييمات أقل من أربع نجوم.

يقول خليفة: "يتم تحفيز الجميع لرسم هذا العالم الإيجابي. يحصل المطور على مزيد من عمليات التثبيت، وتحصل "أبل" على مزيد من العمولات - إنه تأثير كرة الثلج حيث تحصل على مزيد ومزيد من الإيجابية". يضيف: "المشكلة هي أن الحقيقة تتحول إلى طوفان ينهمر على التطبيقات".

السؤال داخل التطبيق

كان الدافع وراء هذا التضخم هو تحديث "أبل" الذي بدا غير ضار، لتعزيز انخراط المستهلكين في أيلول 2017. لم يعد المستخدمون مضطرون للذهاب بشكل استباقي إلى متجر التطبيقات لتقييم تطبيق معين - وهو نظام غالبا ما يجذب المستخدمين المحبطين فقط.

بدلا من ذلك، مع إدخال نظام التشغيل iOS 11، "أبل" منحت المطورين القدرة على تقديم "تحفيز السؤال داخل التطبيق". كانت فضيلة هذه المحفزات أنها ولدت المشاركة، ويمكن القول إنها تغلبت على "تحيز المستجيب" الذي أعطى مكبرا للصوت للأصوات السلبية. كان المقصود من استهداف شريحة أكبر من الناس هو زيادة الدقة.

من ناحية، كان ذلك نجاحا كبيرا. ارتفعت معدلات الانخراط. انتقل متوسط التطبيق من تلقي 19 ألف تقييم في 2017 إلى أكثر من 100 ألف في 2019، وفقا لـ"آبتنتيف". في المقابل، ارتفعت التقييمات في متجر "​غوغل بلاي​" - الذي لم يقدم تقييمات داخل التطبيق في هذه الفترة - من 33 ألفا إلى 43 ألفا فقط.

لكن يقول النقاد إن الطريقة التي صممت بها "أبل" النظام سمحت للمطورين باستغلال عديد من الثغرات وتوجيه المستهلكين لتضخيم تصنيفاتهم. من خلال السماح للمطورين بطلب تحفيز السؤال داخل التطبيق في الوقت الذي يختارونه، يمكن للمطورين تحقيق "عينة من التحيز" من خلال التركيز على معجبيهم وتجنب سؤال المستخدمين الذين يعدون مخاطرة.

تطلب "أبل" من المطورين استخدام واجهة بينية قياسية تطلب تصنيفا من واحد إلى خمس نجوم، تقول إنه مصمم لجمع تعليقات صادقة. مع ذلك، يمكن للمطورين إدخال "تحيز التأطير". إذا حثوا المستخدمين بملاحظة إيجابية - مثل "تهانينا على تحقيق درجة عالية!" - ثم طلبوا منهم إعطاء تصنيف بعد ذلك مباشرة، تتحسن فرص الحصول على تصنيف خمس نجوم.

عملاقة التكنولوجيا تمنع المطورين من مطالبة المستخدمين برسالة تقول "كيف تقيم هذا التطبيق؟"، ورؤية الإجابة، ثم طلب تقييم متجر التطبيقات الرسمي. مع ذلك، لا يزال بإمكان المطورين "إعداد وتوجيه" المستهلكين من خلال تعديل السؤال. يمكن أن تسأل تطبيقات مؤتمرات الفيديو "كيف كانت جودة مكالمتك؟" لاستجلاء الردود ذات الخمس نجوم - وبعد ذلك فقط تطلب من "أبل" المطالبة بالتقييمات الرسمية.

منصات أخرى واجهت مشكلات من التصنيفات المتضخمة. تحقق "أمازون" في أكثر المراجعين غزارة على موقعها في ​بريطانيا​ بعد أن وجد تحقيق أجرته "​فاينانشيال تايمز​" دليلا على أنهم يستفيدون من نشر آلاف التقييمات من فئة الخمس نجوم.

يسمح لمستخدمي "أبل" بالتوقف عن تلقي أسئلة التحفيز داخل التطبيق. علاوة على ذلك، يمكنهم، في أي وقت، الانتقال إلى متجر "أبل" وكتابة مراجعة سلبية، ولا تسمح "أبل" للمطورين بحظرهم. لكنها تسمح فعلا لصانعي التطبيقات "بإعادة تعيين" تقييماتهم، ولأن أسئلة التحفيز داخل التطبيق فعالة جدا في جذب المستخدمين العاديين إلى النقر على خمس نجوم، يمكن إغراق المشاعر السلبية. يستشهد "سيكورسكي" بعميل واحد حصل تطبيقه على 1090 تقييما بنجمة واحدة، ولكن في غضون أسابيع من تغيير ​آلية​ التعليقات، تلقى التطبيق أكثر من 35 ألف تقييم – كانت نسبة 90% منها بدرجة خمس نجوم.

تقول وِندي جوهانسون، مصممة تجربة المستخدم في Publicis Sapient، وهي شركة استشارية: "هذه العملية تم التلاعب بها بشكل متعمد إلى درجة كبيرة جدا".

حاولت "أبل" منع المطورين من حث المستخدمين على إعطاء تصنيف أعلى وهددت بحظر المطورين الذين ينتهكون القواعد. ردا على أسئلة من "فاينانشيال تايمز"، قالت "أبل" إنها أزالت بعض التطبيقات من متجر "أبل" والمطورين من برنامج مطوري "أبل" لخرقهم قواعدها.

أضافت "أبل": "توضح إرشادات مراجعة متجر "أبل" لدينا أن أي مطور يحاول خداع النظام، مثل التلاعب بالتقييمات أو كيفية ظهور التطبيق في نتائج البحث، قد يتم حذف تطبيقه ويمكن إزالته من برنامج مطوري أبل".

مع ذلك، هناك أدلة على أن المطورين وجدوا طرقا عديدة للتلاعب بالنظام، دون انتهاك قواعد "أبل". عندما يسأل المطورون عن تكتيكاتهم، يشيرون إلى الإرشادات التي وضعتها "أبل" نفسها بشأن تحفيز السؤال داخل التطبيق، التي تنص على ما يلي: "تقدم بالطلب عندما يكون من المرجح أن يشعر المستخدمون بالرضا عن تطبيقك، مثلا عندما يكملون إجراء، أو مستوى، أو مهمة".