يُقال: "إذا كان الأمس ضاع، فبين يديك اليوم. لا تحزن على الأمس، فهو لن يعود. احلم بشمس مضيئة، في غد جميل". فالأمل هو النافذة التي تفتح آفاقاً واسعة في الحياة، وتبعث النور في القلوب، مبشرة ببداية جديدة لغد أفضل.

تحت شعار "Revive Mar Mikhael"، أطلق ​رولان بيطار​ مبادرة اجتماعية – إنسانية، مهمتها رسم الابتسامة، ومسح الدمعة، ومحو ​اليأس​. فلنتعرف أكثر الى أبرز أهدافها ومشاريعها، في هذه المقابلة الحصرية لبيطار مع موقع "الاقتصاد":

- من هو رولان بيطار؟

تخصصت في الهندسة الكهروميكانيكية، وبنيت مسيرة مهنية في هذا المجال، كما انخرطت في عالم ​الطاقة المتجددة​.

ومنذ حوالي أربع سنوات، شاركت في تأسيس الشركة الناشئة "Local Host"، الموجودة عبر منصة "Airbnb"، التي تتيح تأجير واستئجار أماكن السكن في مختلف دول العالم. ومهمة شركتنا تتمثل في الحصول على الشقق والوحدات السكنية الجديدة، أو الشقق القديمة والعمل على إصلاحها وترميمها، ومن ثم تأجيرها للسياح والمغتربين لدى قدومهم الى ​لبنان​.

لدينا حوالي 80 وحدة، بين شقق صغيرة وكبيرة في منطقة بيروت، و80% منها موجودة في منطقة مار مخايل، وقد تدمرت بالكامل من جراء انفجار ​مرفأ بيروت​.

فقبل الانفجار، كان الوضع صعبا للغاية، بسبب التراجع الحاد في عدد ​السياح​ القادمين الى البلاد، لكننا واظبنا على العمل وأصرينا على الاستمرار ومواصلة مسيرتنا. ولكن بعد أن تدمرت وحداتنا السكنية، قررنا إطلاق مبادرة "Revive Mar Mikhael"، من أجل المساعدة على إعادة الشارع الى سابق عهده.

حيث أن جوهر مار مخايل، يتمثل في الطابع القديم الذي حافظت عليه طوال السنوات الماضية. كما أن المنطقة التي تدمرت، تضم تراثا غنيا، من المنازل التاريخية، والمطاعم والحانات، وسكة الحديد، والأشخاص المسنين الذين شهدوا على مراحل عدة من تاريخ لبنان،... ولهذه الأسباب، كانت تستقطب عددا هائلا من السياح الأجانب واللبنانيين أيضا.

ومن هنا، جاءت مبادرتنا من أجل الحفاظ على إرث مار مخايل من جهة، وبهدف رفع معنويات الأشخاص المتضررين، من جهة أخرى. فاليأس والإحباط والتعاسة، تخيم على نفوس السكان وأصحاب المؤسسات، اذ أنهم فقدوا الأمل بعد الفاجعة الحاصلة، حتى ولو عمدت جهات عدة الى إعادة بناء الحجر الذي تدمر.

لكن اليوم، هو الوقت المناسب لكي تكون المعنويات بأعلى مستوياتها، وذلك لأننا نواجه تحديا هائلا، يكمن في القدرة على إعادة بيروت الى ما كانت عليه قبل الانفجار - وحتى أفضل  - على الأصعدة كافة. وبالتالي، اذا تركنا اليأس يتحكم بنا، فلن تعود بيروت أبدا، وسنخسر منطقة كانت من أهم المناطق الجاذبة للسياح في العاصمة.

- من هم الأفراد الذين يشكلون فريق العمل في "Revive Mar Mikhael"؟

تتألف مبادرتنا من مجموعة من الأشخاص المتضررين من جراء الانفجار والأصدقاء والمغتربين، إضافة الى أصحاب مؤسسات صغيرة ومتوسطة موجودة في المنطقة، ومعظهم من المتطوعين.

فمنطقة مار مخايل تشبه قرية صغيرة، تضم تنوعا ثقافيا واجتماعيا واسعا، وتنال اهتمام المغتربين اللبنانيين، والسياح الأميركيين والأوروبيين والأستراليين، وعندما وقع الانفجار، تدمر كل شيء بلحظة واحدة. ومن هنا، ندعو الجميع الى التطوع معنا، للمساعدة في مختلف المشاريع والمبادرات التي ننظمها.

- ما هي أهم المشاريع التي تعملون على تنفيذها في الوقت الحاضر؟

قررنا التعويض عن الصدمة السلبية الناتجة عن الانفجار، بأخرى إيجابية. وانطلاقا من هذا الواقع، نتواجد معظم الأحيان على الأرض وبين الناس، من أجل مفاجأتهم بمبادرات مفيدة ماديا ومعنويا أيضا.

فعلى سبيل المثال، قمنا بزيارة مصفف شعر في مار مخايل، تدمر محله بالكامل، وكان يشعر بالإحباط التام. فعمدنا جميعا الى قص شعرنا عنده، ومن ثم قدمنا له مبلغا من المال.

فهناك العديد من الجمعيات والأفراد الذين يقصدون الأماكن والأشخاص المتضررين، من أجل التقييم والتصوير وجمع المعلومات، لكنهم لا يعودون لتقديم المساعدة الفعلية. وبالتالي، لا يحصل قسم كبير على الدعم المطلوب، خاصة لأن هذه الأمور تتطلب بالعادة وقتا طويلا.

كما أن الوعود الفارغة التي يحصل عليها سكان مار مخايل، في بعض الأحيان، تزيد من نسبة اليأس لديهم. ولذلك، نحن نقصد الشخص ونقدم له الدعم المعنوي، كما نعطيه مبلغا صغيرا من المال بشكل فوري، لكي نؤكد له أننا نقف الى جانبه.

ومن خلال الفيديوهات التي ننشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يحصل الأشخاص المتضررين على المزيد من ​المساعدات​، التي من شأنها إعادة ترميم منازلهم أو محلاتهم. وبهذه الطريقة، ننشر الأمل والطاقة الإيجابية.

وتجدر الاشارة الى شراكتنا مع قناة "The World Sucks"، التي تهتم بكل ما له علاقة بالتصوير، والتي كانت تتمحور مهمتها قبل الانفجار، على تصوير الفيديوهات الهادفة الى إسعاد الناس.

- من أين تحصلون على التمويل اللازم لتقديم المساعدة والاستمرار بالعمل؟

النسبة الأكبر من التمويل تأتي من المغتربين اللبنانيين، بالإضافة طبعا الى المقيمين، وذلك عبر صفحة "GoFundMe". ونحن بدورنا، نستخدم هذه الأموال من أجل تنظيم مبادراتنا المختلفة على الأرض.

ومع الوقت، ستتطور هذه المبادرات، بهدف إعادة مار مخايل الى كونها منطقة جاذبة للزوار.

ولا بد من الاشارة، الى أننا نعتزم حتما إعادة ترميم منازل "Local Host" التي تدمرت، ولكن ما النفع اليوم اذا أعدنا بناء وحداتنا الخاصة، في حين أن المنطقة ما زالت منكوبة، ويسيطر عليها اليأس، وتفتقد الى الدعاية الإيجابية؟

الأولوية حاليا هي لإعادة إحياء المنطقة من الناحية المعنوية، من أجل التخلص من الإحباط الذي يسيطر على السكان. وبدون هذه الخطوة الأساسية، ستكون عملية إعادة الإعمار غير مجدية.

- ما هي مشاريعكم وأهدافكم في المرحلة المقبلة؟

سنستمر بالعمل على مبادرة "Revive Mar Mikhael"، الى أن تعود مناطق مار مخايل والجميزة والكرنتينا، الى ما كانت عليه قبل 4 آب.

أما العودة الكلية الى ما قبل الانفجار، فسوف تتطلب أشهرا، وليس سنوات، كما يعتقد البعض. وأعتقد أننا سنحتفل جميعا بحلول العام الجديد 2021، في هذه المناطق.

فهناك العديد من المطاعم والمتاجر التي فتحت أبوابها، لكن الأمور بحاجة فقط الى بعض التنظيم، من أجل إعادة استقطاب المغتربين والسياح، واللبنانيين المقيمين أيضا.

- ما هي الرسالة التي تود إيصالها الى الأشخاص الذين يرغبون بتقديم الدعم لمبادرتكم، والى المتضررين الذين يشعرون بالإحباط واليأس؟

الأمل ما زال موجودا، وبيروت ستعود! ولكن لا يستطيع الإنسان البناء لوحده، بل هو بحاجة الى التضامن. نحن نتلقى الصدمات منذ حوالي سنة، ولهذا السبب، علينا اليوم التكاتف مع بعضنا البعض من أجل اجتياز هذه المرحلة الصعبة، والتغلب على اليأس. فلنشبك أيدينا معا، لكي نعبر نحو غد أفضل.

نحن بحاجة الى الدعم من جميع الأشخاص، لكي نتمكن من تقديم أكبر عدد ممكن من المساعدات؛ فكل مبادرة ننظمها، تنشر الفرح، وتعيد إحياء الأمل في نفوس أشخاص تعبوا من الصدمات والوعود.

لقد عايشنا حتما فترة صعبة للغاية، ولكن خلال اليومين الأولين بعد الانفجار، تعرفنا الى الجيل الجديد، الذي يريد البناء وليس الحرب؛ وهذه العقلية تعطينا الأمل بالتغيير، وبالتطلع الى الأمام. وبالتالي، فإن التحدي الأكبر يكمن في البقاء والاستمرار، والاعتماد على الجيل الجديد...

ستعود كل بيروت الى سابق عهدها؛ كل منازلها ومتاجرها، كل سكانها وروادها، كل مسنيها وشبابها. فنحن نسعى لإعادة إحياء الحلم الذي مات بعد 4 آب، وذلك من خلال الأمل الباقي في قلوبنا.