لم تستثنِ الأزمة الحالية أيّاً من القطاعات الصناعية في ​لبنان​، ووصلت تبعاتها إلى ما يختص بالثقافة والدراسة، حيث وجد أصحاب المطابع ودور النشر أنفسهم أمام واقع أليم، إذ تسببت أزمة سعر الصرف وتهاوي الليرة في إغلاق عشرات المطابع.

تاريخياً عُرف لبنان بأنه الأكثر تطوراً ل​طباعة​ الكتب، واعتمد أكثر الآلات والتصاميم تطوراً في ​الطباعة​، فكان كما يُسمى "بلاد الحرف".

ويشرح جوزيف أديب صادر "نقيب الطباعة" و"رئيس نقابة الناشرين المدرسيين في لبنان"، الواقع الكارثي الذي وصلت إليها الطباعة والنشر في لبنان ويقول في مقابلة مع "الاقتصاد"، إن "مؤسسات الطباعة متضررة بفعل الأوضاع الحالية بشكل استثنائي، وهي غير قادرة على العمل اليوم بسبب أزمة سعر الصرف الحالية وتهاوي قيمة العملة الوطنية، حيث أن شقاً كبيراً من المواد اللازمة للطباعة يتم استيرادها من الخارج من ورق وأحبار وغيرها، وهذه المواد يمتنع التجّار جميعاً عن بيعها للمطابع إلا مقابل الدّولار النقدي، وهذا الواقع يوقف عمل المطابع".

ويكشف، أن "العمل الطباعي متوقف بشكل شبه كلي إلا في بعض المجالات الضيقة".

ويشير صادر، إلى أن "الأفق أمام الكاتب الذي يريد طباعة كتاب مغلق حالياً، ما يتسبب في توقف أعمال المطابع ودور النشر أيضاً التي لم تعد تحصل على أعمال المؤلفين لنشرها".

ويتحدث عن آخر ​إحصاء​ للمؤسسات الطباعية والذي جرى قبل 10 سنوات، حيث بلغ عدد المطابع 1500 منها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، تُشغّل أكثر من 15 ألف عامل.

ويشير نقيب أصحاب المطابع، إن الأزمة في القطاع، بدأت قبل نحو 10 سنوات، أي منذ بداية الحرب السورية، وبدأت منذ ذلك الحين عمليات تسريح العمال ولكن بنسب قليلة، أما في المرحلة الحالية وبسبب أزمة العملة وتوقف الأعمال بسبب انتشار وباء فيروس "كورونا"، فقد أغلقت الكثير من المطابع أبوابها لتقليل الخسائر، وعمدت المطابع كغيرها من القطاعات إلى صرف عدد من العمال بسبب عدم القدرة على ​دفع الرواتب​.

وأضاف، أن "مطبعة صادر" التي بدأت عملها في لبنان قبل 157 سنة وبالتحديد في العام 1863، توقفت عن العمل منذ 7 أشهر، وحالياً تحافظ على عمالها، ولكن لا يمكن التكهن بالمدة الزمنية التي يمكن البقاء فيها ضمن هذا المسار بسبب توقف الإنتاج وغياب المردود.

أما فيما يختص بقطاع الناشرين المدرسيين، فقال صادر إن الأمور في هذا المجال غير معلومة بعد بسبب عدم الإعلان عن قرار رسمي بفتح المدارس أو إغلاقها، وإن كانت المدارس ستعتمد التعليم "أونلاين" أو من خلال الحضور.

وقال، "إن التوجه للتعليم "أونلاين" بشكل كلّي، سيؤدي إلى توقف قطاع الناشرين المدرسيين عن العمل نهائياً، ما يتسبب بإقفاله كغيره من القطاعات".

وأضاف: "إذا ما قرر وزير التربية اعتماد التعليم "أونلاين"، فإن هذا المسار سيكون غير ناجحاً، وخاصة في المدارس الرسمية التي تعتمد كتباً منذ 22 عاماً، ولم تعدّل وتصدر مناهج جديدة، ويتم تناقل الكتب من طالب لآخر كل عام بسبب غياب القدرة المادية لشراء كتب جديدة، وفي ظل هذا الواقع لن يستطيع الأهل تحمل تكاليف شراء أجهزة ​الكمبيوتر​ المحمول وغيرها من اللوازم للدراسة "أونلاين"."

وتحدث عن الخطط المستقبلية، حيث أن الثورة الفكرية والمعلوماتية والرقمية، ستحتّم تراجع استخدام الكتاب الورقي بين الطلّاب، في مقابل تزايد اعتماد الوسائل الرقمية، وقال إن هذا يأتي ضمن التطور ضمن مراحل، وليس في وقت مفاجئ وآني.

أما فيما يختص بدعم الدولة لقطاع الطباعة ودور النشر، فقال صادر إنه أجرى إتصالات بجمعية الصناعيين وبالمعنيين في هذا القطاع حتى يُؤَمِّن دعماً للورق الطباعي كحدٍ أدنى، وهي سلعة تتعلق بالثقافة والمدارس، إلا أن جهوده لم تثمر أي دعم، وبقيت المعاملة مع ​التجار​ بالدولار النقدي، وهذا ما سيوصل القطاع نحو الإقفال النهائي والتام.