في ظل التخبط الذي يعيشه الشارع اللبناني، بانتظار معرفة مصير عدد من الملفات الضاغظة على الساحة الداخلية، عاد الحديث حول نوع من الـ"haircut"، وقد جاء هذه المرة على لسان مسؤول فرنسي، ذكر أن المودعين اللبنانيين قد لا يحصلون على كل أموالهم.

وعلى جانب الآخر، يتزايد التوتر الحكومي مع تلويح الرئيس المكلف ​مصطفى أديب​ بالتنحي عن تشكيل الحكومة.

ماذا يعني التصريح الفرنسي حول أموال المودعين اللبنانيين؟ هل سيعتذر أديب عن التشكيل؟ في حال حصل ذلك، ما هي التداعيات الاقتصادية – الاجتماعية؟ كيف يمكن أن يستمر الدعم حول استنزاف احتياطي ​مصرف لبنان​؟

أسئلة وتساؤلات كثيرة تراود اللبنانيين في الآونة الأخيرة، أجاب عليها الخبير الاقتصادي د. ​لويس حبيقة​، في هذه المقابلة الخاصة مع موقع "الاقتصاد":

- أفادت وكالة "​​رويترز​​"، نقلاً عن مسؤول فرنسي كبير، بأنه "قد يكون من الصعب على البنوك في ​لبنان​ التمسك بمبدأ ضرورة ألا يخسر المودعون أيا من ودائعهم، وذلك حسبما جاء في محضر اجتماع حصل في 10 أيلول بين مسؤولين فرنسيين كبار ووفد من ​جمعية مصارف لبنان​". ماذا يعني هذا الكلام اليوم؟

هذا التصريح، وأي تصريح آخر، "لا بيقدم ولا بيأخر"، حيث أن موضوع ​المصارف​ والودائع ما زال متواصلا وجاريا، وبالتالي، فإن التصريحات المختلفة لا تؤثر عليه، أكان إيجابيا أم سلبيا؛ ومن هنا، لن تسهم في تعقيده أو حتى تسهيله على الإطلاق. فالمشكلة الأساسية معروفة الأسباب، وأهمها شح الدولار في البلاد.

كثرة التصاريح في هذا الموضوع ليست مفيدة، لأن من يكتبها بالإجمال، ليسوا أشخاصا من الخبراء المصرفيين والماليين، بل إن معظمهم من الديبلوماسيين والسياسيين. ولهذا السبب، أعتقد أن هذا الأمر يستغل لأسباب أخرى.

أما بالنسبة الى الحلول المتاحة، فهي تتأرجح بين الصعب والسهل؛ فالحلول ليست صعبة، لكن الصعوبة الفعلية تكمن في تطبيقها. أي بمعنى آخر، يجب أولا دمج ​المصارف التجارية​، وثانيا، على الدولة أيضا تسديد بعض الأموال لهذه المصارف؛ فهي تعد غنية، كونها تمتلك عددا هائلا من ​العقارات​.

وانطلاقا من هذا الواقع، يمكن الجزم أن الحلول معروفة، ولا يجوز تخويف المودعين في كل مرة، من أجل أسباب سياسية.

- برزت أحاديث يوم أمس حول المزيد من العرقلة في الموضوع الحكومي، قد تؤدي الى تنحي الرئيس المكلف مصطفى أديب عن مهامه. ماذا سيحصل في حال حدوث ذلك؟

في حال تنحى الرئيس المكلف مصطفى أديب عن التأليف، فمن المنتظر أن يرتفع الدولار في السوق الموازي، ارتفاعا جنونيا، لأن الناس سيخافون حكما.

ما نعرفه اليوم أن أديب قضى 15 يوما دون التشاور مع أي طرف من الأطراف السياسية، وبالتالي، فإن طريقته في التشكيل تدعو الى العجب. مع العلم أن هذا المنصب ليس بمثابة هدية له، بسبب التعقيدات الكثيرة الموجودة على الساحة اليوم. اذ أنه كان يعيش بسلام وأمان في ​ألمانيا​، فما الذي سيدفعه لاستلام منصب رئاسة الحكومة وما يتأتى عنه من مشاكل وضغوط؟

أديب يعرف أنه في حال تنحيه، سيدخل البلد في مشكلة أصعب، ولكن في الوقت ذاته، في حال بقي لأشهر طويلة بطور التأليف، فهذه مشكلة أخرى أيضا.

ولا بد من الاشارة الى أن التنحي يعني أن ​فرنسا​ لم تتمكن من خدمتنا كما كانت تبتغي، وسيكون فشلا لنا وليس لها. ولكن للأسف، لا أعتقد أن السياسيين اللبنانيين يشعرون بعمق هذا الفشل، والمواطن يدفع الثمن كالعادة. وهنا لا بد من السؤال: هل يقصد السياسيون إلقاء التعقيدات على أديب من أجل حثه على التنحي؟

الثقة بالسياسيين مفقودة منذ مدة، وهذه القوى الحاكمة لا تسعى لتوزيع الحقائب على الطوائف فحسب، بل تريد أيضا تعيين الوزراء، وفي هذه الحالة، أتفهم تنحي أديب. مع تمنياتي بأن ينجح في التشكيل بأقرب وقت ممكن، لكي ننتهي من هذه العقدة.

أما اذا اعتذر أديب– وهذا الأمر مرجح – فأعتقد أنه يجب إعادة إحياء حكومة ​حسان دياب​، لأنه في حال إعادة تكليف شخصية آخرى، فسوف ندخل مجددا في الدوامة ذاتها.

- من جهة أخرى، ما هي نظرتك لموضوع الدعم؟ ما الحلول البديلة المطروحة؟ وهل سيتمكن المركزي من تلبية جميع طلبات الجهات المطالبة بتوفير الدعم لها؟

أؤيد الدعم عندما يكون بإمكاننا تحمل تكاليفه. فمواردنا غير كافية، وكل يوم تظهر جهات جديدة تطالب بالدعم، في حين أن مصرف لبنان لا يمتلك سوى 2 مليار دولار لهذه الغاية، لأن المبالغ الأخرى تشكل الاحتياطي الإلزامي، وبالتالي، لا يستطيع المسّ بها.

أعتقد أن حلّ هذه المشكلة يكمن في دعم العائلات المحتاجة شهريا، وليس السلع؛ ومن هنا، سيتوقف الدعم عن كل السلع، لأن الطريقة المعتمدة حاليا، توفر هذا الدعم للجميع، حتى لمن هم ليسوا بحاجة اليه، والذين في الوقت ذاته، يستهلكون أكثر من الفقير. وبالتالي، تتجه المساعدة نحو الميسور أكثر من المحتاج، وهذا الأمر غير مقبول.

يجب تغيير طريقة الدعم، حيث لا نستطيع المواصلة بالأسلوب القائم. ولكن هذا التغيير غير قابل للتحقيق خلال فترة قصيرة، وبين ليلة وضحاها، ومن هنا، نحن متجهون نحو حائط مسدود في الشهرين المقبلين اذا لم يتم تشكيل حكومة، تفرض جوا جديدا على الساحة الداخلية، وتسهم أيضا في إدخال الأموال الجديدة الى البلاد، عبر المؤتمر الذي سيعقده الرئيس الفرنسي إميانويل ماكرون في منتصف شهر تشرين الأول المقبل.

في حال عدم حصول ذلك، فنحن نتجه نحو المزيد من الفوضى والتعاسة والكآبة.

- هل هناك بوادر تفاؤل في الأفق؟ وهل أن بعض الحلول ما زالت مطروحة؟

البوادر مفقودة للأسف، ولكن الحلّ الأول اليوم يكمن في تسهيل مهمة أديب، من أجل الانتقال الى المرحلة المقبلة.

أما في حال اعتذاره، فلنعيد إحياء حكومة دياب، لكي يكمل ما بدأه. اذ أصبح من الواضح أنه لا يمكن تشكيل الحكومة التي تناسب الوضع. ولهذا السبب، فإن حكومة دياب القديمة، ستكون أفضل من الدخول الى الفراغ.