انطلقت المرحلة الأولى من التدقيق الجنائي الذي تقوم به شركة ""Alvarez&Marsal، والأنظار تتجه نحو نتائج هذا التدقيق وحيثياته، بعد أن طرحت علامات استفهام عدة حوله. ومن جهة أخرى، فرضت ​وزارة الخزانة الأميركية​ ​عقوبات​ على الوزيرين السابقين ​​علي حسن خليل​​ و​يوسف فنيانوس​ ضمن قانون ​مكافحة الارهاب​. وذلك في ظل استمرار التخبط الحاصل منذ فترة، حول إمكانية رفع ​مصرف لبنان​ للدعم.

تساؤلات كثيرة تراود اللبنانيين؛ فكيف ستأتي نتائج التدقيق؟ ماذا سيتأتى عن ​العقوبات​ الأميركية؟ هل سيتم رفع الدعم؟ ما هو البديل؟ وهل سيتم اللجوء الى صندوق النقد للخروج من أزماتنا المتلاحقة؟

أجاب على هذه الأسئلة الخبير الاقتصادي د. بلال علامة، في هذه المقابلة الخاصة مع موقع "الاقتصاد":

- مع انطلاق المرحلة الأولى من التدقيق الجنائي، ماذا علينا أن نتوقع؟

عملية إطلاق التدقيق الجنائي، أو ما يسمى بالتدقيق التشريحي الجنائي، شابها الكثير من اللغط، لأنها تتعلق الى حد ما، بالاشتباه بعمليات مالية مشبوهة. وبالتالي، ما إن تم طرح الموضوع، ولوحظ أنه يطال فقط حسابات مصرف لبنان والعمليات المالية التي قام بها الحاكم، بدأ اللغط يتزايد.

حيث من المفترض أن تطال هذه العملية كل مالية الدولة دون استثناء، لأن العمليات التي قام بها الحاكم أو المركزي، هي بالأساس لحساب المالية العامة والخزينة في ​الدولة اللبنانية​. وبالتالي، لا يمكن أن يحاسب إنسان اليوم، ويتم الاشتباه بنشاطه المالي، دون الأخذ بعين الاعتبار الى أين ذهبت العملية المالية التي قام بها، وكيف صرفت.

نتيجة لهذا اللغط، حكي كثيرا عن الموضوع، وتعرقل لفترة، ثم أعيد إطلاقه مع شركة جديدة، بعدما تم الاعتراض على الشركات السابقة، لا سيما أن التدقيق التشريحي سيصطدم بمعوقات هي قانون ​السرية المصرفية​ وعدم إمكانية الإفصاح عن بعض العمليات المالية نتيجة خضوعها للقانون المتعلق بحماية منفذي العمليات.

كما أن شركة "ألفاريز"، المكلفة بهذه العملية، ليست صاحبة الحق بالادعاء، وبإمكانها فقط إعطاء نتيجة للتأشير على بعض العمليات المالية التي من الممكن أن تضم شوائب معينة، شرط أن تلاحق هذه العمليات المالية حتى النهاية بما فيها الحسابات العامة في الدولة اللبنانية. حيث أن موضوع الادعاء أو الإدانة هو رهن السلطة اللبنانية والقضاء اللبناني، الذي عليه تولي هذا الأمر.

أعتقد بطريقة ما، وفي ظل الوضع القائم في لبنان، أن الحصول على بعض النتائج وبنسب معينة، هو أفضل حتما من عدم تحقيق أي نتيجة. فبالنهاية، العقد الذي وقع مع شركة "ألفاريز" وتركت تفاصيله الى مرحلة لاحقة، يكلف الدولة اللبنانية مبالغ تفوق المليون دولار، ومن هنا، لا يجب أن نمر مرور الكرام على هذه العملية، بل يجب الضغط، لكي تحقق النتائج المرجوة منها.

- ما هي الدلالات الاقتصادية والتأثيرات المالية للعقوبات التي فرضت على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس؟

تفاجأ اللبنانيون بأن العقوبات طالت الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، لكنها جاءت مبررة بحسب القرار الصادر في 8-9-2020 والذي شدد في حيثياته على أن الوزيرين نتيجة موقعهما وعملها في الشأن العام اشتركا في عمليات فساد وربما هذا ​الفساد​ استعمل لتمويل نشاطات إرهابية – ويقصدون بالنشاطات الإرهابية، أنه بموجب القرار المتخذ بوضع حزب الله على لائحة العقوبات عام 2015 واعتبار كل نشاطاته أو المساهمة في تمويله هي نشاطات إرهابية.

لكن حيثيات القرار هي أهم من القرار بحد ذاته، الذي يحمل للأسف المزيد من السمعة السيئة للحوكمة والإدارة العامة في لبنان والمتعاطين بالشأن العام.

الأخبار التي ترد تباعا عن الإدارة الأميركية، تفيد بأنه في حال أرادت الارتكاز على مبدأ تعاطي الفساد أم ممارسته في الحكم، فستطال حينها العقوبات 90% من الطبقة السياسية الموجودة، دون استثناء، لأن الكل مشترك في هذه العملية؛ أي كل الفرقاء الذين كانوا جزءا من الحكم على مدى السنوات الماضية.

بالنسبة الى ​النتائج المالية​ والاقتصادية التي تترتب على فرض العقوبات على السياسيين في لبنان:

أولا، ستصادر أملاكهم أو سيتم الحجز عليها؛ هذا في حال وجدت. هناك أحاديث كثيرة على أن هذه الأملاك تم تهريبها أو نقلها من أسمائهم.

ثانيا، والأهم، أن كل تعاطيهم المصرفي سيتوقف نتيجة خضوعهم للعقوبات، بحيث يصبحون خارج ​النظام المصرفي​. وفي وقت لاحق، ستتأثر كل أعمالهم، لأنها تعتبر غير مشروعة، في حال نتج عنها إيرادات وأموال. وتبقى هذه الأموال غير قابلة للإدخال الى دورة النظام المالي.

ومن المؤكد أنه تباعا، ونتيجة تطبيق هذه العقوبات، سيصبحون غير قادرين على القيام بأي نوع من الأعمال، وربما سيعمدون في مكان ما، الى الابتعاد لفترة عن الشأن العام، وعن الإطلالات السياسية.

- بين رفع الدعم أو عدم رفعه، ماذا سيحل بالمواطنين في ظل هذه الفوضى؟ وما هو البديل؟

رفع الدعم أو عدمه يشكل عملية شائكة جدا، لأن الرفع بات مطروحا كأمر واقع. وأنا متأكد من أن لا أحد يتمنى بأي شكل من الأشكال، أن يتم إنهاء الدعم، ولكن نتيجة انخفاض الاحتياطي بالعملات الأجنبية الموجود لدى مصرف لبنان وتدنيها الى مستوى خطير، لم يعد المركزي قادرا على الاستمرار بهذه السياسة لأكثر من شهرين، خاصة أن عمليات الدعم في لبنان لم تؤتِ ثمارها المرجوة، بحيث أن نسبة كبيرة منها ذهبت الى جيوب ​التجار​ والمهربين والمحتكرين؛ فنتيجة لفارق السعر اليوم بين لبنان والدول المحيطة، يستورد العديد من التجار البضائع لإعادة تصديرها، والاستفادة من فارق الأسعار بالعملة الأجنبية.

لا نتمنى حتما الوصول الى ما يسمى ببطاقات التموين أو الدعم، والوقوف في الصف للحصول على ​السلع الغذائية​ الأساسية، لأن هذا المشهد يذكرنا بكل الدول التي شهدت حالات من الانهيار والفوضى والمذلة للشعوب. ولكن للأسف، البديل في لبنان غير متوفر الا بهذه الطريقة في المرحلة الحالية.

ولا بد من الاشارة الى أن ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامة​، كان قد أطلق جرس الإنذار، وحذر الطبقة السياسية منذ فترة من الانتباه، بسبب عدم قدرة المركزي على الاستمرار بهذه الطريقة؛ بمعنى آخر، اذا لم تبادر السلطة الى اقتراح حلول تعيد إحياء ديناميكية النظام المصرفي، لن ينجح مصرف لبنان في تحسين وضعية ميزان المدفوعات الذي يدخل العملة الأجنبية، وبالتالي لن يتمكن من تعزيز احتياطاته، لكي يبقى مستمرا في سياسة الدعم. لكنه وعد أنه في حال وصل الى مرحلة وقف الدعم، هناك طرق وأساليب أخرى لتمويل هذا الدعم أو جزء كبير منه.

وأعتقد أنه يمكن تحرير بعض القطاعات، مثل المحروقات، مع إبقاء الدعم على أمرين أساسيين، لا يمكن أبدا التخلي عن دعمهما، وهما: القطاع الصحي و​الأدوية​، و​القمح​ و​المواد الغذائية​.

لكن هذا الأمر سيسبب مشكلة كبيرة على المستوى الاجتماعي، وسينعكس عن مختلف القطاعات في البلاد.

- هل بات ​صندوق النقد الدولي​ المخرج الوحيد للأزمة في لبنان؟

من الواضح جدا أن الأمور تتجه نحو تسريع المفاوضات مع صندوق النقد للوصول الى خطة. وأعتقد أنه بات هناك نواة أساسية لهذا البرنامج الذي سيعتمده الصندوق. فالطريقة الأسرع للوصول الى الحل، بالنسبة الى الواقع السياسي الذي يعيشه لبنان، تكمن في هذا الصندوق.

أما الحلول الأخرى فكثيرة، ولكن أعتقد أن لبنان بتركيبته الحالية، غير قادر على القيام بها، كما أنها ترتب عليه أثمانا لا يستطيع دفعها؛ ولا سيما عندما يتعلق الأمر بطلب الدعم من دول شقيقة أو صديقة.