العطاء هو سلوك متميز، يبعث على الشعور بالانتماء الإنساني، سواء كان موجها لشخص أو مجموعة من الناس، بدون قيد أو شرط.

هلا دحروج​ تمثل الرغبة الصادقة في العمل وتقديم يد العون، فهي كتلة من النشاط والعطاء، لا تتوانى أبدا عن تقديم كل ما يمكنها من المساعدة، لكل من يقصدها، حيث اتخذت مساعدة الآخرين منهجاً ثابتاً في حياتها اليومية، معتبرة الإنسانية بمثابة جسر نحو إسعاد الذات.

فلنتعرف أكثر اليها والى مبادرة "LibanTroc"، التي أطلقتها في كانون الأول الماضي، في هذه المقابلة الحصرية التي خصّت بها موقع "الاقتصاد":

- كيف ولدت فكرة "LibanTroc"؟

بطبعي أحب تقديم المساعدة لمحيطي، بكل إمكانياتي المتوفرة، وعلى مستوى فردي.

ولكن بعد ثورة 17 تشرين، بدأنا نلحظ تزايد المشاكل الاجتماعية في ​لبنان​، وحالات الانتحار، وبيع الأعضاء، وكان الأحباط و​اليأس​، يخيمان على يوميات نسبة كبيرة من اللبنانيين، الذين يفتقدون للقدرة على التغيير. ومن هنا، شعرت بالاختناق، وبغصة في قلبي، وصرخة في داخلي.

فكرت في البداية، أن ​مواقع التواصل الاجتماعي​ هي الوسيلة الأفضل، للتواصل مع الأشخاص، بغية مساعدتهم. ولهذا السبب، أطلقت صفحة "LibanTroc" على "فيسبوك"، في الأول من كانون الأول عام 2019، لكي تكون بمثابة صلة وصل سهلة ومجانية، لجميع اللبنانيين، تتيح لهم التواصل مع بعضهم البعض، ومد يد العون لمن هو بحاجة اليها.

والفكرة الأولية كانت تقوم على ​المقايضة​ بين الأشخاص - من طعام وملابس وأدوية وآثاث ومستلزمات للأطفال، وغيرها- ولكن سرعان ما تحولت الى مبادرة إنسانية تقدم ​المساعدات​ المختلفة، على كافة الأراضي اللبنانية. فخلال الأسبوع الأول، وصل عدد المتابعين الى أكثر من 2000 شخصا، وتخطى الـ20 ألف خلال الشهرين الأولين، لكي يلامس اليوم الـ61 ألف تقريبا. وبالتالي، باتت المسؤولية أكبر، لأن الأزمات تتزايد وتتوسع، مقابل تكاثر الطلب والاحتياجات.

- كيف تقيمين النتائج التي حققتها "LibanTroc" الى حد اليوم؟

ثقة الناس بنا، تدفعنا الى استكمال مسيرتنا. فأنا أيضا مواطنة لبنانية، أعيش المعاناة اليومية، وأتأثر بالأوضاع القائمة، وأشعر بالانزعاج من كل ما يحصل من حولي. ومن هنا، أعتبر "LibanTroc" بمثابة صفحة الأمل، كونها تظهر قدرتنا الفعلية على تحقيق التغيير المتواضع في حياة الأفراد، ومساندتهم قدر الإمكان؛ فنحن نساعد يوميا، حوالي 40 عائلة، على تأمين حاجاتها وإيجاراتها. وهذه النتائج تعطيني القوة والنشاط للاستمرار.

- مِن مَن يتألف فريق العمل؟

لقد تعرفنا الى بعضنا البعض من خلال الصفحة، وبات كل واحد منا متواجد على الأرض، في كل المناطق، من أجل التواصل مع الحالات، وزيارتها، والتحقق منها.

يتألف فريقنا اليوم، من سبعة أشخاص، البعض منهم ثابت، والبعض الآخر يتبدل من وقت الى آخر، بحسب الظروف. كما أن هناك العديد من المتطوعين الذين يتواصلون معنا لتقديم بد العون. بالإضافة طبعا الى الأشخاص الذين قدمنا لهم المساعدة في السابق، والذين يمتلكون مهنة أو حرفة معينة؛ فنحن نخلق لهم فرص العمل، خاصة تلك المتعلقة بترميم ​المنازل​ بعد انفجار 4 آب.

لقد اكتسبنا ثقة الناس، وبات عدد كبير من اللبنانيين يعتبرون "LibanTroc" صلة وصل فاعلة وقادرة على مساعدة الأشخاص المحتاجين والمتألمين. وسنستمر بتغطية كل المناطق اللبنانية، بعيدا عن الطائفية أو المناطقية.

- من أين تحصلون على التمويل في "LibanTroc"؟

نحن نشكل صلة الوصل بين المتبرعين والمحتاجين، وكل شخص يرغب بتقديم المساعدة، بإمكانه التواصل معنا، ونحن بدورنا، سنقدم له المعلومات كافة حول الحالات، لكي يتوجه اليها مباشرة. فعملنا لا يشبه الجمعيات التقليدية، التي تجمع كل التبرعات، ومن ثم توزعها على الأفراد.

لكننا نعاني من مشكلة واحدة، تكمن في عدم قدرتنا على الاستمرار في مساندة بعض العائلات، التي تحتاج الى المساعدة الشهرية. ومن هنا، نحتاج للحصول على تمويل مستمر، لكي لا نعيد نشر طلب المساعدة ذاته شهريا على الصفحة.

وانطلاقا من هذا الواقع، نسعى اليوم الى تسجيل "LibanTroc" رسميا، كمنظمة غير حكومية.

- كيف تنجحين في إدارة وقتك في ظل هذا العمل الشاق والمتواصل؟

لقد "تدمرت" حياتي الخاصة، اذا صح القول. فمن الصعب تحقيق التوازن بين نشاطي الإنساني في "LibanTroc"، وبين حياتي الشخصية والعائلية، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها حاليا. فالحالات كثيرة وطلبات المساعدة متعددة ومتواصلة.

الوضع مرهق للغاية، ولكن بعد النجاح في مساعدة كل حالة، أستعيد نشاطي ورغبتي في مواصلة المسيرة، رغم كل التعب والجهد. فالأمل الذي أراه في عيون الناس الذين نقدم لهم المساعدة، يعيد إلي الطاقة والحيوية.

- في النهاية، ما هي الرسالة التي تودين إيصالها الى اللبنانيين؟

أردد دائما هذه المقولة: "قوتنا بوحدتنا"، لكن للأسف، مشكلتنا في لبنان تكمن في الفردية والأنانية في مناصب المسؤولية، حيث يفكر السياسي بنفسه أولا، ويتقاسم لبنان مع رفاقه، مثل قالب الحلوى، وكل بحسب مصالحه الشخصية.

يجب أن ينسى الانسان ذاته، من أجل مساعدة غيره، واذا تمكنا جميعا من نشر هذا المفهوم، سنصبح مجتمعا واحدا موحدا، يساند أفراده دون أي أهداف أو أجندات مخفية.

نحن نعيش في صراع يومي على البقاء، ونحاول التمسك ببلدنا الأم، رغم كل ما يحصل من حولنا. لكن مواصلة العيش في لبنان، هو بحد ذاته صراع يومي. ومن هنا، فإن هدف "LibanTroc" الأساس، بناء بلد أفضل لأولادنا، لكي لا نترك هذه الأرض الجميلة.

لقد ولدنا وتربينا وكبرنا وتعبنا هنا، ولهذا، علينا أن نسعى دائما الى التمسك ببلدنا، والسير به نحو الأفضل، لكي نحافظ عليه وعلى أبنائه.