لم يعد من الممكن اليوم استنباط الحلول الداخلية، في ظل الفوضى العارمة التي تعم البلاد، والغلاء المستشري الذي يأكل الأخضر واليابس. فالوضع العام ينذر بالمزيد من ​الكوارث​ المالية والاقتصادية والاجتماعية، وحالة البلاد تتجه من سيء الى أسوأ، مع مواصلة الاعتماد على سياسة "الترقيع"، التي لا تناسب إطلاقا الانهيار الحاصل.

ومع اقتراب أموال المودعين التي استخدمها ​مصرف لبنان​ لتمويل الدعم، من النفاد، تتجه الأنظار نحو آلية الدعم الجديدة التي ترتكز على مبدأ البطاقة التموينية، أو بعبارة أخرى مبدأ "دق المي مي"، تهليلا لسياسة الاحتكار التي تستنزف احتياطي ​العملات​ الأجنبية، لخدمة ​التجار​ والمهربين.

أسئلة كثيرة تشغل بال اللبنانيين في الآونة الأخيرة؛ فهل وصلنا بالفعل الى الحائط المسدود؟ كيف يمكن الحصول على الحلول السريعة مع استمرار توقف المفاوضات مع صندوق النقد؟ ماذا نتوقع من التدقيق الجنائي في ظل الأحاديث حول تدخل ​المركزي الفرنسي​؟ وماذا سيحصل على الساحة الداخلية في حال فشل مساعي ماكرون؟...

للتعمق أكثر في هذه المواضيع، كان لـ"الاقتصاد" هذه المقابلة الحصرية مع الخبير الاقتصادي د. ​سامي نادر​:

- أصبح من الواضح أننا مقبلون على مرحلة رفع الدعم. هل نحن فعلا أمام أزمة محرقات وأزمة غذائية؟ ما هو البديل؟ وهل ستشكل البطاقة التموينية التي يتم الحديث عنها، بديلا كافيا؟

لم نعد أمام أزمات، بل نحن في خضم الانهيار الاقتصادي. وبالتالي، نفتقد للموارد التي من شأنها مساعدتنا في الإبقاء على الدعم كما كان قائما؛ فهذا الدعم لبعض المواد الأساسية، كان يستنزف احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية.

نحن نواجه انهيارا ماليا تاما، في ظل غياب أي حلول في الأفق، ووسط ارتفاع جنوني في الأسعار، وتراجع حاد في قيمة ​الليرة اللبنانية​. حيث لا نرى أي خطة لإعادة التوازن الى ميزان المدفوعات، أو لمعالجة عجز الموازنة، أو للقيام بالإصلاحات، وتعزيز نمو،... نشهد غيابا تاما للمسؤولية، وحتى أن مصير الحكومة ما زال مجهولا.

ولا يوجد أي بديل عن الدعم، بل إن الحل الوحيد يكمن في إعادة تكوين احتياطي المصرف المركزي، ولهذا السبب، نعيد ونكرر: يجب اللجوء الى ​صندوق النقد الدولي​، لأن هذا الأخير قادر على ضخ الأموال في الاقتصاد بشكل سريع، لكنه يريد في المقابل، إغلاق جميع مزاريب ​الفساد​ الموجودة.

صحيح أنه سيهتم بالعديد من الجوانب المالية والاقتصادية، مثل الـ"capital control"، والمالية العامة ومصاريفها، وإعادة هيكلة الدين،... لكن عندما سيضخ السيولة في الاقتصاد، سوف تذهب حتما الى المكان المناسب.

أما بالنسبة الى البطاقة التموينية التي يتم الحديث عنها، فأعتقد أنها بمثابة "ترقيع" فقط. ومن أجل مواجهة ​الفقر​، أعتقد أنه علينا الاعتماد على وجهة نظر مختلفة تماما؛ أي يجب دعم الفقير، وليس دعم المواد. وقد يكون ذلك من خلال الكوبونات، التي تتيح للشخص شراء المنتجات التي هو بحاجة اليها.

ومن هنا، اذا كانت البطاقة تقوم على تقديم المال لصرفه على السلع الأساسية، ستكون حينها جيدة ومفيدة، ولكن اذا كانت موجهة لدعم مواد محددة - كما كان الوضع من قبل- فهذا الإجراء سيكون مفيدا للكارتيلات فقط.

- في موضوع التدقيق الجنائي، الذي هو من شروط صندوق النقد الدولي، وبند في الورقة الإصلاحات الفرنسية، هناك أحاديث جدية حول تدخل المركزي الفرنسي في عملية التدقيق. هل هذا التدخل إيجابي ويزيد من مصداقيته؟ ماذا علينا أن نتوقع من هذا التدقيق؟

لا حل لهذا الموضوع لأن الاتفاقية ولدت ميتة. ومن خلال العقد الموقع، تم تفريغ التدقيق الجنائي من محتواه، خوفا من اصطدامه بالسرية المصرفية، وبمئات الشروط، وآلاف الخطوط الحمراء.

وانطلاقا من هذا الواقع، نعود الى العنوات ذاته: "الإصلاحات بحسب المقاسات". حيث تتبنى جهة معينة عنوان الإصلاح، ولكن حذار أن يمس هذا الإصلاح المنشود بامتيازاتها ومؤيديها.

هذه الممارسات لا تدل إطلاقا على الإصلاح، ولهذا السبب، نريد كيانا خارجيا موثوقا محايدا، يكون متخصصا في هذا الجانب، من أجل الإشراف على هذه العملية. أكان ذلك عبر صندوق النقد أو المركزي الفرنسي، يهمنا الاستعانة بجهة لمراجعة الحسابات تحت إشراف هيئة مستقلة وخارجية؛ لأن الثقة بالسلطات اللبنانية فقدت للأسف، ولم تعد موجودة.

- ما رأيك بالتعميم رقم 154 الصادر عن مصرف لبنان، والذي يحث من حول ما يفوق الـ500 ألف دولار الى الخارج، بين 1-7-2017 حتى تاريخه، بإيداع 15% من المبلغ في حساب مجمد لمدة 5 سنوات؟ هل هو قابل للتحقيق؟ وكيف يمكن إعادة ثقة الناس ب​المصارف​ لكي تأتمنها مرة جديدة على أموالها؟

هل يجوز القيام بهذا الإجراء قبل إعادة رسملة ​القطاع المصرفي​؟

من أجل اتخاذ قرار من هذا النوع، يجب أولا أن تظهر لنا الجهات المصرفية أنها ما زالت أهلا للثقة، كونها تعاني اليوم من أزمة ثقة حادة. أما ثانيا، فيجب الكشف عن الخطة الموضوعة للقطاع بأكمله.

وقبل إعادة رسملة المصارف، ألا يجب أن نتعرف الى الاتجاه الذي يسلكه هذا القطاع، وهذا الاقتصاد ككل؟

- ما هو المخرج من أزماتنا الحالية؟

في مكاننا اليوم، لم يعد المخرج متاحا إلا عبر صندوق النقد الدولي، لأن الإصلاحات المطلوبة - على الرغم من ضرورتها القصوى - لم تعد كافية للأسف، بسبب الحاجة الملحة الى ضخ السيولة. ومن هي الجهة القادرة على تحقيق هذا الهدف على المدى القصير؟ لا يوجد سوى عنوان واحد، وهو الـ"IMF".

فالدول قد تبادر الى الاستثمار في لبنان، وقد يجني هذا الأخير، ثمار هذه الاستثمارات، بعد سنوات. لكن اليوم، هناك مؤسسة واحدة في العالم متخصصة في معالجة الانهيار المالي والاقتصادي، كما أنها تمتلك الخبرات والمهارات اللازمة للقيام بذلك. فالأزمة باتت مثلثة الأبعاد، ولم يعد من السهل حلّها، وبالتالي، أصبحت بحاجة الى خبرات معينة لإدراتها. فنحن نواجه:

أولا، أزمة المالية العامة.

ثانيا، أزمة مصرف لبنان.

ثالثا، أزمة القطاع المصرفي.

أي أننا نواجه ثلاث أزمات بأزمة واحدة، وهذا الأمر نادر الحصول. وبالتالي، نحن بحاجة الى خبرة، وإصلاحات، وسيولة.

- يعول اللبنانيون اليوم على خطة ماكرون؟ ماذا لو فشلت مساعيه؟

في هذه الحالة، "منكون فايتين بالحيط"...