يعود ​الرئيس الفرنسي​ إيمانويل ماكرون يوم الإثنين مساءً إلى بيروت للمشاركة في إحتفال مئوية ​لبنان​ الكبير، وللإستماع من الأفرقاء السياسيين على آخر المستجدات الحكومية ( وهو الأ​علم​ بها)، في مسعى منه - ربما يكون الأخير - لتذليل العقبات السياسية التي تمنع تشكيل الحكومة العتيدة التيستساهم في إخراج البلاد من أزماته الإجتماعية، الإقتصادية، المالية والنقدية.

في هذا السياق، علم موقع "الإقتصاد" أن الرئيس ماكرون كان مصدوماً - في زيارته الأولى الى بيروت في السادس من آب الماضي على خلفية إنفجار المرفأ - من رؤساء الكُتل النيابية بعد الإجتماع بهم في قصر الصنوبر، لناحية إدارتهم لشؤون البلاد في هذه المرحلة الدقيقية من تاريخ لبنان، خصوصاً بعد الجولة الميدانية التي قام بها في مرفأ بيروت وفي المناطق التي تضررت جراء هذا الإنفجار. وقد لاحظ الضيف الفرنسي حجم الفجوة التي أصبحت موجودة بين الطبقة السياسية من جهة وبين المواطنين من جهة أخرى.

سيسعى الضيف الفرنسي في لقاءاته الجديدة الى طرح الحلول المناسبة على رؤساء الكُتل مجدداً، ولكن هذه المرة ربما يتجاوز كلامه اللغة الديبلوماسية المعتادة نظراً لخطورة المرحلة، وانطلاقاً من كلامه في ​باريس​ قبل أيام حيث قال "إذا تخلينا عن لبنان في المنطقة وإذا تركناه بطريقة ما في أيدي قوى إقليمية فاسدة، فستندلع حرب أهلية، وسيؤدي ذلك إلى تقويض الهوية اللبنانية"، لذلك سيطرح الرئيس ماكرون افكاراً جديدة على المسؤولين اللبنانيين، وسيتمنى عليهم الالتزام بها، والشروع بالإصلاحات المطلوبة، والتحضير لانتخاباتٍ نيابية مبكرة في غضون سنة، لأنّه آن الأوان لخروج لبنان من تقوقعه الطائفي والمذهبي الذي قد يوصله إلى الزوال في حال استمرت الأمور على ما هي عليه".

ولكن ماذا لو فشلت المساعي الفرنسية؟

صحيح أن زيارة الضيف الفرنسي تتزامن مع موعد الإستشارات النيابية الملزمة (الملغومة) التي حددها رئيس الجمهورية، ولكن بالطبع ليس هذا هو المطلوب في بلد شارفت دولته على الإنتهاء، فالإستشارات كانت يجب أن تتم قبل نحو أسبوعين، وكذلك الأمر بالنسبة للتشكيلة الحكومية (هذا ما كان يطمح اليه الرئيس الفرنسي)، فلبنان لم يعد لديه ​ترف​ الوقت، فالإقتصاد ينهار، وكذلك الأمر بالنسبةالليرة، والوضع الإجتماعي يزداد سوءًا مع بدء الحديث عن قرب توقف الدعم عن السلع الأساسية. في الوقت عينه ​فرنسا​ لن تٌبقي أبواب مبادرتها مفتوحة إلى ما لا نهاية، خصوصاً ان بقيت الأقطاب المختلفة على موقفها من موضوع تشكيل الحكومة، وادارة البلاد على الطريقة اللبنانية، وبالتالي قد يصل مسعى الرئيس الفرنسي الى حائط مسدود، عندها سيقول للمسؤولين لقد "قامت فرنسا (الأم الحنونة) بما عليها تجاه لبنان،وذلك من موقع حرصها عليه، وبما تجمعه معها من روابط تاريخية .. لقد كانت أمامكم فرصة ذهبية لكنكم لم تتفقوا .. لذلك أًخرجوا أنفسكم من أزمتكم".وقد رجح البعض ان لا تمانع فرنسا في المستقبل من فرض عقوبات على بعض الاطراف في لبنان خصوصاً تلك الشخصيات التي عرقلت مبادرتها.

اذاً، قد تكون المبادرة الفرنسية هي الفرصة الأخيرة للبنان قبل الإنهيار الكامل، لذلك هناك ثلاث خيارات أمام الأفرقاء السياسيين لا رابع لهما:

اولأ: المماطلة في تشكيل الحكومة وعدم التجاوب مع المبادرة الفرنسية والمجتمع الدولي، ومع هذا الخيار سيكون دمار لبنان، فالمجتمع الدولي لن يقدم اي ​دعم مالي​، واموال "سيدر" ستبقى معلقة وكذلك الأمر بالنسبة للمفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​، وبالتالي سيعود لبنان الى العزلة الدولية التي وضع نفسه بها، عندها لن تصمد الليرة، وستزداد الحوادث الأمنية (هذا الأمر بدأنا نشهده اليوم)، وربما ينزلق لبنان إلى حرب أهلية جديدة قد لا تُحمد عُقباها.

ثانياً: التجاوب مع المبادرة الفرنسية ولكن على الطريقة اللبنانية، اي بتشكيل حكومة من لون واحد تماماً كما حصل مع حكومة الرئيس ​حسان دياب​، ومصير هذا الخيار لن يكون أفضل من مصير الخيار الأول، وهذا الأمر بات يدركه جيداً الثنائي الشيعي وتحديداً حزب الله، من هذا المنطلق هناك شبه رفض لتكرار تجربة الحكومة الماضية، لأن الجميع بات يعلم أن هذا القرار سيكون مكلفاً على الإقتصاد المنهار اساساً، وان لبنان لن يحتمل العزلة الدولية مجدداً.

ثالثاً: التجاوب مع مبادرة الرئيس ماكرون، والعمل على تشكيل حكومة وطنية تحظى بثقة الداخل والخارج، ولكن هذا الخيار يتطلب من الأفرقاء السياسيين وضع مصلحة لبنان أولاً، وبالتالي الإبتعاد عن المناكفات والمحاصصات التي اعتدنا عليها في المراحل السابقة، وان يكون عنوان المرحلة المقبلة "الإقتصاد أولاً". هذا الخيار ان إتُفق عليه سيكون خشبة الخلاص الوحيدة بالنسبة للإقتصاد اللبناني، خصوصاً وان الرئيس ماكرون سيضع كل جهده هذه المرة لتحرير أموال "سيدر" بعد ان تبدأ الحكومة بالإصلاحات المرجوة، وبالتالي هذا الأمر سينعكس ايجاباً على المفاوضات المعلقة مع صندوق النقد الدولي.

صحيح أن الحكومة المقبلة لن تقوم بمعجزات، ولن تستطيع حلّ جميع المشاكل العالقة، الا انها ستضع لبنان على السكة الصحيحة التي تبدأ بإستعادة الثقة داخلياً وخارجياً خصوصاً في حال طُبقت الاصلاحات المتفق عليها أقله في برنامج "سيدر"، وهذا الأمر سيؤدي حتماً الى تخفيف الضغط على الليرة من جهة، والى تحسين قدرة المواطن الشرائية، والأهم من ذلك كله هو تخلص لبنان من عزلته العربية الدولية التي كلفته غالياً.

فهل يرضخ الأفرقاء السياسسين للمبادرة الفرنسية (التي قد لا تتكرر) من أجل ​إنقاذ​ وطنهم وإقتصادهم، أم انهم سيختارون العزلة مجدداً؟