غاية في الأهمية والخطورة، يعدُّ قرار إيقاف الدعم، الذي بات مطروحاً ويروج له من قبل أعلى سلطة نقدية في البلاد.

كعادته، لم يخيب ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامة​ الشعب، عبر تصريحات يدلي بها كل فترة تكون كفيلة ببث الرعب والخوف حيال مستقبلهم المالي والنقدي والاجتماعي، ولكن الأخير هذه المرّة تفوّق على نفسه، حيث أضاف المخاوف المعيشية و​الأمن الغذائي​ إلى قائمة الأخطار التي تتسبب بها قرارات عشوائية بنظر شريحة كبيرة من المواطنين.

عشوائية قرارات سلامة الحاكم للمركزي، أرجعها إلى التراجع المتواصل الذي سجلته ​احتياطات​ لبنان من ​النقد الأجنبي​، وبدأت أسئلة تطفو على سطح الساحة المحلية في البلاد، بشأن قدرة البنك المركزي على دعم السلع الأساسية ك​المحروقات​ و​القمح​ و​الأدوية​ بالسعر الرسمي للدولار البالغ 1515 ليرة، وبدعم تمويل ​استيراد​ نحو 300 سلعة أساسية بسعر 3900 ليرة للدولار.

فلمصلحة من ‫إيقاف الدعم بهذا التوقيت؟ ومن يريد المخاطرة أكثر بالأمن الغذائي والنقدي والاجتماعي؟ ومن يعمل لتقديم التنازلات لمصلحة ‫الدولار وتحرير ‫سعر الصرف لتعبيد الطريق أمام دخول "‫صندوق ​النقد الدولي​" بأصعب شروطه؟

الكاتب والباحث الاقتصادي ​زياد ناصر الدين​ في مقابلة مع "الاقتصاد"، تحدث عن أن "طرح قضية رفع الدّعم اليوم، يعدُّ هدفاً ومدخلاً لتحرير سعر صرف الليرة أمام الدّولار، حيث لا يمكن القيام بهذه الخطوة دون مقدّمات، وهذه المقدّمات تنطلق من إيقاف الدّعم".

وحذر، أن "ما يحكى عنه اليوم هو إيقاف دعم عشوائي وليس مبنياً على أي أسس ودراسات للواقع والمجتمع اللبناني، وهو يذكّرنا بما حدث في العام 1992 عندما قرر حاكم مصرف لبنان في حينها ميشال خوري رفع الدّعم، وهو ما كان له تداعيات سلبية كبيرة على تحرير سعر الصّرف".

وقال: "التوجّه اليوم هو تحرير سعر الصّرف، وهو من أهم شروط "صندوق النّقد الدّولي"، وبالتالي للأسف كل توجهات الحكومة والدولة والنواب و​المصارف​، ترى أن الخلاص هو فقط لدى هذا الصّندوق، فيما يعمل الأخير على فرض شروطه على الجميع، وإن أصعب الشروط اليوم على الاقتصاد تكمن في تحرير سعر الصّرف".

وأضاف: "تحرير سعر الصّرف أيضاً يمثّل مقدّمة للعمل سياسياً، إذ كان من الملفت أن كلام حاكم مصرف لبنان جاء لشبكة عربية تعمل في ​فرنسا​، وكأنها رسالة للضغط السياسي، عبر استعمال الدّولار في هذا المجال".

رفع الدّعم واحد من أكبر وأصعب القرارات على الواقع الاقتصادي منذ تأسيس لبنان عام 1943

وعن تداعيات رفع الدّعم، وما ينتج عنها من تحرير سعر الصرف، فأكد ناصر الدين أن "هذا المسار سيؤسس لكارثة على الأمن الغذائي والاجتماعي".

وقال إنه "يتم الحديث اليوم عن سوق سوداء سعره يختلف عن سعر الصرف الرسمي، ولكن دولار ​السوق السوداء​ لا يتحكم بسعر ​صفيحة البنزين​، ورأينا منذ فترة مع الحديث عن إمكانية رفع الدّعم عن المحروقات والتلاعب بسعره وخاصة بمادة ​المازوت​، كيف أثّرت مباشرة بشكل سلبي على المواطنين".

وأشار ناصر الدّين، إلى أن "تأثيرات السوق السوداء، لم تطل بعد المحروقات ولا فاتورة الهاتف و​الإيجارات​، ولا المكالمات الدولية والخليوية، ولا أدوية والمستلزمات الطبية وفواتير المستشفيات ودفع القروض على أنواعها، وكل هذه الخدمات والمستلزمات التي تشكّل 70 % من الاقتصاد القائم على أساسه الرواتب و​الأجور​، معرّضة للضرب".

وحذر من أن "الكلام اليوم يعد بداية لرسم صيغة جديدة، تضرب كل الصيغة القديمة، وتؤدي إلى دمار كامل للاقتصاد، حيث أن عملتنا اليوم هي الليرة وانهيارها أمام الدّولار، يعني إنهياراً اجتماعياً كبيراً، ولا نستطيع تغطيته بطبع الليرة، وهو إجراء لا يعطي حلولاً بل كان سبباً في الأزمة الكبرى التي وصلنا إليها".

وأكد ناصر الدّين، أن "قرار رفع الدّعم اليوم سيكون واحداً من أهم وأكبر وأصعب القرارات على الواقع الاقتصادي، منذ تأسيس لبنان عام 1943".

وقال إنه "يجب التنبه مِن مَن يقول أنه في العام 1992 عام كان الدّولار بـ 500 ليرة وفجأة وصل إلى 3000 ليرة، حيث أنه في حينها لم يكن ​الاقتصاد اللبناني​ مدولراً، ولم يكن الاقتصاد استهلاكياً، ومبنياً على الفوائد، ولم يكن قبل 30 عاماً الإنتاج الكلي خارجياً كما اليوم، حيث لم يعد في لبنان إنتاجاً داخلياً بل استيراداً كلياً من الخارج.

في العام 1992 لم يكن لبنان يستورد سنوياً بقيمة 20 مليار دولار، حيث وصل بنا الحال اليوم، على استيراد السلع سهلة التصنيع كـ "السبيرتو والقداحات والكبريت".

كما أن الحال اليوم مغاير كلياً عن العام 1992، حيث كان يصل لبنان في حينها الأموال من الإغتراب".

وقال ناصر الدين، إن موضوع تحرير سعر الصرّف يعد واحداً من أهم شروط صندوق النّقد، ولكن وبهذا الأداء والتعاطي، فإن دخول الصندوق سيكون وقعه أكبر من أي برنامج قامت به هذه المؤسسة في أي دولة، وبفضل هذه الطبقة السياسية والنّقدية والاقتصادية سيكون لبنان أكثر دولة تقدّم تنازلات لـ "صندوق النّقد".

وأضاف، أن "التنازلات التي تقدّم لـ "صندوق النّقد الدّولي" عشوائية، حيث يعتبر البعض أن تقديم التنازلات يمكّنه من ​إنقاذ​ نفسه، من الواقع السيئ المقبل على لبنان، وهذا الفكر الاقتصادي النقدي الريعي الاستهلاكي يدفع ثمنه الحجر والبشر في لبنان".

وحذر ناصر الدين، من أن رفع الدّعم وتحرير سعر الصرف قد يكونان مقدّمات أيضاً لمكان ثانٍ تخطط القوى السياسية من خلال التوصل لفتوى تسمح لها استخدام احتياطي الذّهب التابع لمصرف لبنان في الخارج".

وأكد أن "التوجه لاستعمال الذّهب ليس سهلاً وهو مرتبط بقانون، ولكن القوى السياسية تنتظر لترى إن كان بإمكانها التوجه لهذا الخيار الذي يحتاج إجماعاً وهو ليس متوفّراً حالياً ولكن طبقاً للـ "عصفورية اللبنانية" كل شيء ممكن".