يبدو أن الطبقة السياسية لم تُدرك بعد حجم الأزمة التي يعيشها لبنان، خصوصاً بعد ​زلزال​ الرابع من آب وما رافقه من تداعيات إنسانية، إجتماعية، إقتصادية، مالية ونقدية.

ويبدو أن المبادرة الفرنسية التي حملها الرئيس إيمانويل ماكرون منذ أكثر من أسبوعين لم تُغير شيئًا في الأداء السياسي الداخلي، ولم تحرز أي تقدم على صعيد التكليف والتأليف.

في هذا السياق، ​علم​ موقع "الاقتصاد"، أن ملف تشكيل الحكومة لا يزال يراوح مكانه في ظلّ تعنت الأفرقاء السياسيين- رغم المحاولات الحثيثة التي يقوم بها رئيس مجلس النواب نبيه بري -وإصرارهم على إدارة الملفالحكومي على الطريقة اللبنانيةوبالمحاصصة، متناسين الأزمة المعيشية والإقتصادية التي يرزح تحتها لبنان اليوم، وهذا الأمر دفع ببعض التقارير الديبلوماسية إلى التحذير من إحتمال حصول خضات أمنية في حال استمر التعثر الحالي في إدارة تداعيات الأزمات المالية والمعيشية المتفاقمة في البلد وفشلت مساعي تشكيل الحكومة العتيدة بالسرعة المطلوبة.

ليبقى السؤال إلى أين يتجه لبنان اليوم؟

يقف لبنان اليوم على مفترق طرق، إما ال​إنقاذ​ أو الإنهيار التام.لاشك بأن ​الدول العربية​ والأوروبية على حدّ سواء يريدون للبنان الطريق الأول، وهذا الأمر كان واضحاً منذ مؤتمر "سيدر"في العام 2018 الذي حصد نحو 11 مليار دولار من المنح والقروض لتعزيز ​الاقتصاد اللبناني​، الاّ أن الطبقة السياسية لم تنفذّ الوعود التي قطعتها أمام ​المجتمع الدولي​ لناحية القيام بالإصلاحات المطلوبة من أجل الحصول على تلك الهبات والقروض، وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفرنسي إلى لبنان عقب إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب، عاد وكرر أن الأموال التي رُصدت في مؤتمر "سيدر" لا تزال موجودة، وهي بإنتظار تطبيق الإصلاحات. فهل تبدأ الإصلاحات الحقيقية مع بداية المئوية الثانية لإعلان دولة لبنان الكبير؟

من المقرر أن يشارك الرئيس الفرنسيفي إحتفال مئوية لبنان الكبير الذي يُصادف في الأول من أيلول، وزيارته بحسب مصادر سياسية لا تزال قائمة، وسيكون له لقاءات عديدة مع المسؤولين اللبنانيين للإطلاع منهم عن كثب عن الخطوات التي قاموا بها بإتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية.

سيدرك الرئيس ماكرون - وهو الأعلم بذلك - ان ما من شيء تغير في المشهد السياسي منذ زيارته الأولى بإستثناء ​استقالة الحكومة​، وأن خطوة التأليف لا تزال معقدة بإنتظار التوافق السياسي على الشخصية التي ستُكلف تشكيل الحكومة العتيدة، كما سيدرك أن المجتمع العربي والدولي حريص على لبنان أكثر من اللبنانيين أنفسهم.

ولكن ماذا عن المرحلة المقبلة؟

حتى الآن لم تدرك الطبقة السياسة أن ما قبل 4 آب ليس كما بعده، وأن المرحلة المقبلة تتطلب إعادة بناء نظام سياسي جديد في لبنان، فالنظام القديم لم يعد صالحاً تحت أي ذريعة،لذلك على رئيس الجمهورية الدعوة لإستشارات نيابية ملزمة قبل زيارة الضيف الفرنسي، من ثم تأتي مرحلة التكليف، التي يجب أن تتم بسرعة لأن لبنان لا يملك ​ترف​ الوقت، وأن أي تأخير في هذه الخطوات سيكون له إنعكاسات سلبية على المجتمع اللبناني أولاً، خصوصاً وأن نصف سكان لبنان باتوا تحت خط الفقر(بحسب منظة الإسكوا)، وعلى ​الإقتصاد اللبناني​ ثانياً. وعلى الحكومة المقبلة (بغض النظر عن شكلها) أن تضع لنفسها برنامجاً واقعياً عنوانه "إنقاذ الإقتصاد اللبناني"، يعتمد بالدرجة الأولى على إستعادة الثقة الداخلية وهي الأهم، لأن من شأن هذه الخطوة أن تريح عمل الحكومة داخلياً وهذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا بوجود حكومة تحظى بثقة الناس قبل أي شيء آخر، من ثم الإنتقال الى إستعادة الثقة خارجياً، التي تبدو اليوم أسهل من أي وقت مضىفي ظلّ العطف الفرنسي والأوربي والعربي الذي حظي به لبنان بعد زلزال الرابع من آب.

إذاً، على الرغم من دقة المرحلة وصعوبتها، الا أن هناك فرصة حقيقية قد تكون الأخيرة بالنسبة للبنان من أجل النهوض مجدداً في ظلّ رعاية عربية ودولية قلّ نظيرها، الا أن هذه الفرصة تتطلب من الأفرقاء السياسيين تحمل مسؤولياتهم عبر تسهيل تشكيل حكومة منتجة، إضافةً إلى العمل على تغيير نمط إدارتهم للحكم وللإستحقاقات المصيرية، والشروع فوراً بإنقاذ الإقتصاد اللبناني الذي بات يرزح تحت أعباء كبيرة، وهذا الأمر لن يتم إلا من خلال تطبيق الإصلاحات المتفق عليها بمؤتمر "سيدر"، والعمل جدياً على تفعيل المفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​، الذي من شأنه - في حال تم الإتفاق معه على برنامج معين - أن يعيد الثقة إلى لبنان التي فقدها في آذار الماضي بعد أن قررت الحكومة المستقيلة التخلف عن تسديد مستحقات ​ديون​ لبنان الخارجية (لأول مرة)من دون مواكبة هذا الأمر بخطة تفاوض واضحة، وهذا الأمر دفع بوكالات التصنيف العالمية، إلى تخفيض تصنيف لبنان الإئتماني.ففي 27 تموز الماضي خفضت وكالة "​موديز​" تصنيفها الائتماني للبنان من (CA) إلى (C)، بمعنى انتقال ​الدين العام اللبناني​ السيادي إلى حالة عدم السداد، وفي 20 آب الجاري صنفت وكالة "فيتش" لبنان عند(RD) لإحتمال التعثر عن سداد إصدارات العملة الأجنبية طويلة المدى، وفي 21 آب خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" تصنيف بعض سندات لبنان إلى درجة (D) نتيجة تجاوز موعد السداد. كلّ هذه التصنيفات تصب في مكان واحد وهو التعثر المالي للدولة اللبنانية، وهو ما يوازي مفهوم الإفلاس للشركات والمؤسسات.

أوليس ما بلغناه كافياً ليكون لدينا حكومة منتجة تضع مصلحة لبنان أولاً وتنقذ ما تبقى لنا من إقتصاد؟