يقف القطاع ​التجار​ي عاجزا أمام هول ​الكوارث​ التي تقع عليه تباعا، اذ يمر التجار ال​لبنان​يون بأسوأ الأزمات التي عرفوها على الإطلاق، وسط توقعات بأن تواصل 25% فقط من الشركات والمؤسسات التجارية العمل، وذلك بسبب الضربات المتتالية التي يتلقّاها هذا القطاع الحيوي منذ فترة طويلة، في ظل غياب رؤية اقتصادية واضحة، تتيح له الصمود في وجه الصعوبات والتحديات.

فبينما كان التجار يواصلون البحث عن حلول للأزمات المتصاعدة، في ظل تباطؤ العجلة الاقتصادية، وتراجع ​السياحة​، وشح ​الدولار​، والتجاذبات السياسية، والتحركات الشعبية، والتوترات في الشارع، جاءت ​كارثة​ ​مرفأ بيروت​، لتضيف المزيد من الأعباء على كاهلهم المرهق والمثقل أساسا، بالهموم و​الديون​.

وانطلاقا من هذا الواقع، جاءت مبادرة "المجلس اللبناني للسيدات القياديات"، "WLC"، لمساعدة صاحبات المشاريع على التوسع نحو الأسواق الخارجية، عبر بناء شبكات تواصل مع مستثمرين ومتبرعين عرب وأجانب.

كان لموقع "الاقتصاد"، مقابلة خاصة مع رئيسة "المجلس اللبناني للسيدات القياديات"، مديحة رسلان، التي تحدثت عن ورشة العمل التي نظمها المجلس مؤخرا، وأبرز أهدافها، بالاضافة الى الصعوبات التي يعاني منها القطاع التجاري بعد انفجار المرفأ. كما تطرقت الى الإقفال العام المفروض في البلاد من أجل مواجهة تفشي فيروس "كورونا".

- أخبرينا أكثر عن ورشة العمل التي نظمها "WLC" مؤخرا: ما هي أبرز أهدافه؟ ومن شارك به؟

سبق أن أعلن المجلس عن مذكرة تفاهم مع مجموعة "EBW"، ومقرها ​أوروبا​. وقد ولد ذلك من حاجة ​القطاع الخاص​، وخاصة ​سيدات الأعمال​ في لبنان، الى ضمان الاستمرارية، ولتحقيق هذه الغاية، يجب السعي الى تصدير سلعنا، ومنتجاتنا، وخدماتنا، عبر بناء شراكات بناءة مع الخارج، مهمتها تأمين الشبكات المناسبة لأعضاء مجلسنا، التي تتيح لهن الانفتاح نحو أسواق جديدة.

هدفنا ربط أكثر من 10 آلاف سيدة أعمال من ​الشرق الأوسط​ والخليج وأوروبا، من أجل تبادل الخبرات والمعرفة والأعمال.

لقد تمحورت ورشة العمل الأولى حول الاختلافات الثقافية، وطريقة العمل والتفكير، بهدف إيجاد قاعدة أساسية تتيح لنا التواصل مع بعضنا البعض. اذ هناك تفاوت كبير في أساليب التفكير والطرح، وفي الأمور العملية والتجارية.

نتعاون مع عدد من المستثمرين العرب والأجانب، الذين يتبعون طريقة معينة في نظرتهم الى الأمور، وفي تقييم الأعمال. ومن هنا، علينا التعرف الى هذه الطريقة لكي ننجح في طرح أفكارنا.

أما الخطوة الثانية التي سنقوم بها، فهي خطوة عملية أكثر، تتيح للسيدات التواصل بشكل مباشر مع المستثمرين، بهدف توسيع أعمالهن، أو افتتاح الشركات الجديدة، أو تطوير الرساميل.

وتجدر الاشارة الى أن السوق اللبناني "معطوب"، والاقتصاد ينازع، وانطلاقا من هذا الواقع، فإن القطاع الخاص بحاجة الى الـ"Fresh ​money​" من الخارج، لكي يستمر. وبدون ذلك، لا يمكن لأي شيء أن يساعده على تحسين أوضاعه واستعادة عافيته.

فالدولة غائبة تماما، في حين أن السياسيين يهتمون بالمحاصصة والزبائنية، بدلا من الالتفات الى كيفية مساعدة الناس والقطاع الخاص؛ وبالتالي، فقدوا مصداقيتهم، وحتى وجودهم. فأنا شخصيا، أعتبر أن السلطة لم يعد لها أي وجود على الإطلاق.

نحن أبناء الدولة، وننادي دائما بالمؤسسات، ولكن للأسف، نرى أن مؤسسات الدولة مرهونة اليوم لأشخاص لا يتحلون بالكفاءة، ويفتقدون الى الرؤية والإطار العلمي لإخراجنا من الكارثة التي وقعنا فيها.

كيف تقيمين مسار العمل على صندوق ​التبرعات​ الذي بادرتم الى تأسيسه من أجل مساعدة مؤسسات القطاع الخاص التي تضررت من جراء انفجار مرفأ بيروت؟

أطلقنا صندوقا للتبرعات لأن معظم مكاتب ومتاجر سيدات الأعمال الأعضاء في المجلس، موجودة في المناطق المنكوبة. ونحن نشكر الله على التعاطف الواسع الذي نلقاه. فالأسرة هي عامود الاقتصاد، وهناك العديد من العائلات التي تعيش من هذه المؤسسات الصغيرة، وبالتالي، نحن نقوم بواجبنا لمساندتهم قدر الإمكان.

لقد أجرينا مسحا لكل ملف وصل الينا، ولكل الصور التي أرسلت حول الأضرار التي أصابت المؤسست، ومن هنا، فإن الأموال التي ستأتينا تباعا، سوف نوزعها على ​النساء​ المتضررات، من أجل تحسين أوضاعهن، ومساعدتهن على الانطلاق من جديد، وبناء ما تهدم.

المبادرات التي نقوم بها كمجلس، تهدف الى فتح أسواق جديدة، لكي تكون السيدة جاهزة، بعد إعادة الترميم والبناء، للتوسع نحو الخارج، من أجل ضمان استمرارية شركتها وموظفيها.

ولا بد من الاشارة الى أن الشق الأول من الصندوق، موجه نحو مسح الأضرار والتصليح بشكل مباشر، في حين أن الشق الثاني، مخصص لتقديم ​المساعدات​ النقدية.

- كيف تأثر القطاع التجاري بكارثة مرفأ بيروت؟

لأسف، لم تبادر الدولة، الى حد اليوم، لإحصاء حجم الضرر الذي لحق بالقطاع الخاص بعد الانفجار، والذي يقدر بحوالي 3 مليار دولار. ناهيك عن الأشخاص الذين فقدوا مستودعاتهم وحاوياتهم الموجودة في المرفأ.

لقد توقفت الحركة الاقتصادية في واحدة من أجمل مناطق بيروت، أكان من الناحية الثقافية، أو الترفيهية، أو طريقة العيش،... والصدمة الكبيرة هي أن الدولة لم تعمد حتى الى مواساة الناس؛ فهذه الطبقة السياسية ساقطة بكاملها بالنسبة لي، وعلى جميع المعايير.

منذ عام 2012، أي بعد ​الأزمة السورية​، بدأت معاناة القطاع الخاص في لبنان. وتفاقمت الأزمة حتى وصلنا الى عام 2018، حيث بدأنا نشعر أكثر بشح الدولارات في السوق. ومع بدء الثورة، توقفت العجلة الاقتصادية في البلاد وأخذت بالتراجع، حيث أغلقت المؤسسات أبوابها لفترة ليست بقصيرة.

تعايشنا مع الثورة، فجاءتنا "كورونا"، وفي ظل غياب تام لأي رؤية اقتصادية، من أجل تحقيق التوازن الصحي والاقتصادي في البلد، أصبحنا ضحية القرارات العشوائية من قبل الدولة؛ فلا رؤية ولا تخطيط. ومع استمرار معاناتنا مع "كورونا"، وعندما بدأنا بالتعايش مع هذه الجائحة، حلّت أكبر نكبة في تاريخ لبنان، تجلت في الانفجار الكارثي الذي حصل في المرفأ، والذي قضى على كل الأحلام، على كل المبادرات، على كل التخطيط!

كنا دائما كقطاع خاص، نضع الخطط "أ"، و"ب"، و"ج"، و"د"، ولكن هذا الانفجار لم يكن يوما مشمولا في أي من خططنا، بل قضى عليها جميعا.

- ما موقفك من الإقفال العام الذي نعيشه حاليا؟ ما الذي سيحصل في المرحلة المقبلة؟

شاركنا اليوم في اجتماع مع ​جمعية تجار بيروت​، بحضور ممثلين عن الجمعيات من مختلف المناطق اللبنانية، وقلنا أننا سنفتح مؤسساتنا يوم الأربعاء المقبل، وذلك ليس من أجل معاكسة قرارات الدولة، بل لأننا اعتبرنا أن هذا القرار خاطئ ومجحف. فلبنان يسير بعكس كل الدول الأخرى، حيث نرى أن الكمامة إلزامية. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تتيح لنا الحد من انتشار الوباء.

فبدلا من أن تركز الدولة على تطبيق ارتداء الكمامة، هي تسعى الى فرض المزيد من القيود على القطاع الخاص.

هناك أشخاص يعيشون يوميا من متاجرهم، ولا يستطيعون تحمل المزيد من الإغلاق، ومن هنا، يجب الاتجاه نحو التطبيق الصارم لوضع الكمامة.

والجدير بالذكر أننا كقطاع خاص نتحلى بالمسؤولية، ونهتم بسمعتنا وبمؤسساتنا وموظفينا وزبائننا أكثر من أي شخص آخر، وبالتالي، نحن ملتزمون بكل الإجراءات الوقائية. لكن مبدأ الإغلاق لم يعد نافعا، اذ نتفهم منع التجمعات الكبيرة والمناسبات الاجتماعية، ولكن ما لا نستطيع فهمه هو لماذا على القطاع التجاري أن يغلق؟

نحن رهينة هذه الطبقة السياسية غير الكفوءة والفوضوية، التي تسير بنا وبمؤسساتنا، وبالشعب اللبناني ككل، نحو الهاوية، بسبب جهلها وافتقادها للرؤية والتخطيط.