جرت العادة في ​لبنان​ أن يتم الإتفاق على شكل الحكومة قبل تكليف رئيسها، ولهذا هذا السبب تتأخر عادةً الإستشارات النيابية الملزمة، إفساحاً للمزيد من المشاورات بين الأقطاب السياسية، على شكل الحكومة وتوزيع الحقائب، فضلاً عن الإتفاق على إسم الرئيس المكلف.

حتى هذه اللحظة يبدو أن هناك تعذر للإتفاق حول شكل الحكومة من جهة، وهوية رئيسها من جهة أخرى، لهذا السبب يتريث رئيس الجمهورية اليوم بالدعوة للاستشارت النيابية الملزمة، على الرغم من دقة الوضع في لبنان على الصعد كافة، خصوصاً بعد إنفجار4 آب الذي صُنف في المركز الرابع في سلسلة أكبر الإنفجارات في العالم، بحسب وكالة "رويترز".

ليبقى السؤال إلى أي مدى يستطيع لبنان الإستمرار بحكومة تصريف أعمال؟

يدرك الجميع اليوم أن لبنان يمرّ بظروف إستثنائية، وبالتالي أي تأخير في تشكيل الحكومة - كما كان يحدث سابقاً - سيكون مكلفاً على ​الإقتصاد اللبناني​ الذي يعيش اليوم أسوأ أيامه جراء الصراعات السياسية التي لا تنتهي، لذلك الجميع بات ينتظر ولادة حكومة إستثنائية بأسرع وقت ممكن تضع في سلم أولوياتها معالجة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعيةبدءًا بملف ​الكهرباء​، مروراً بحلّ أزمة ديون لبنان المتعثرة، وصولاً الى وضع خطة ​إنقاذ​ واضحة المعالم والأرقام تعيد الثقة مجدداً بلبنان، عبر ​صندوق النقد الدولي​ ومقررات "سيدر".

في هذا السياق، يرى وزير الداخلية السابق المحامي ​زياد بارود​ أنه ليس من باب الترف اليوم المطالبة باستشارات نيابية ملزمة وبتشكيل حكومة سريعاً،إنمامن باب الضرورة الملحة لأن وضع البلد لا يحتمل الفراغ ولا يحتمل التأجيل، ويقول في حديثه لـ"الإقتصاد" : " على الرغم من عدم وجود نص في الدستور يُلزم رئيس الجمهورية بمهلة محددة لإجراء الإستشارات النيابية الملزمة، لكن ضرورة ملء الفراغ يحتم اليوم إجراء هذه الإستشارات في أقرب وقت، وأن أي تأجيل سيكون له ارتدادات سلبية كون الناس اليوم تنتظر تدابير سريعة على المستويات كافة،المعيشية، الإقتصادية،المالية، النقدية والمصرفية وحتى الأمنية، كل هذه الأمور تستدعي أن يكون هناك حكومة مكتملة الأوصاف، وليس فقط وجود حكومة تصريف أعمال".

يضيف: "المحطة الأقرب اليوم هي دعوة رئيس الجمهورية إلى استشارات نيابية ملزمة يأتي بعدها التكليف، من ثم هناك فترة معينة لتشكيل الحكومة التي تتم بالتعاون مع رئيس الجمهورية وبالتشاور مع القوى السياسية كافة، هذا الأمر يجب أن يتم بأسرع وقت ممكن - على الرغم من عدم وجود نص في الدستور يلزم رئيس الحكومة المكلف بفترة زمنية محددة - لأن البلد لا يحتمل المماطلة أبداً، خصوصاً وأننا في ظرف إستثنائي يستوجب تدبير إستثنائي في تشكيل الحكومة، على أن تكون الحكومة أيضاً إستثنائية بمعنى أن تكون قادرة على مواجهة كم هائل من التحديات، لذلك أستغرب أن يكون النقاش اليوم دائراً حول شكل الحكومة (حكومة وحدة وطنية، أو حكومة حيادية، أو حكومة تكنوقراط)، بدل أن يكون حول مهمة هذه الحكومة! لأننا عندما نحدد مهمة الحكومة، نذهب بعدها إلى تحديد الشكل والتشكيلة، فإذا كانت الحكومة المقبلة نسخة طبق الأصل عن حكومة الرئيس ​حسان دياب​، فلماذا أُسقطت حكومة الرئيس دياب؟ أما إذا كنا نريد حكومة إنجاز، فللإنجاز شروط، وهذه الشروط تمرّ إلزاماً عبر تحديد المهمة بشكل واضح".

يتابع: "صحيح أن ​الرئيس الفرنسي​ إيمانويل ماكرون تحدث في زيارته الأخيرة للبنان عن ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن لا أعتقد أنه كان يقصد بها حكومات الوحدة الوطنية العظيمة التي نُتقنها، إنما المقصود كان وجود حكومة جامعة وطنياً  - هذا أمر مطلوب - وليس أن تكون حكومة ​المحاصصة​ التي اعتدنا على تسميتها بحكومة الوحدة الوطنية، فالظرف ليس مؤاتياً للمحاصصة التقليدية التي سقطت أساساً".

المشكلة بحسب بارود "لا تكمن في التوافق السياسي ولا بالطوائف إنما بالمحاصصة المُتبعة والتي تتخطى  حدود المصلحة الوطنية العليا، وكذلك الأمر بالنسبة لإدارة التنوع الطائفي وبإدارة العامل الطائفي ضمن الإطار المؤسساتي. على كل حال ليس المطلوب اليوم إعادة النظر بالنظام اللبناني، مع العلم أني أؤيد هذا الطرح، لأن هذه الصيغة لم تعد ملائمة للواقع اللبناني وهناك ملاحظات عديدة عليها، ولكن لا يمكن معالجتها في هذا الأسبوع بالتحديد، لأن هناك فرق بين الحالة الإنتقالية الدستورية وبين الحالة الإنتقالية السياسية، نحن اليوم بالحالة الثانية وهذه الحالة الإنتقالية  تمر اليوم بالنظام ذاته والدستور ذاته ولكن خارج المحاصصة، أي بآلية جديدة تحترم وجع الناس وتحترم الضحايا الذين سقطوا في انفجار 4 آب، وتحترم غضب الشارع".

وعن إمكانية ​إستثمار​ الإنفتاح الغربي والعربي مجدداً على لبنان بعد ​كارثة​ 4 آب يضيف: " الخارج يتعاطى معنا من ​زاوية​ المصالح وليس فقط من زاوية الصداقات والعواطف، وبالتالي التحدي اليوم يتوقف على كيفية تعاطي الحكومة الجديدة مع الخارج، أو على الأقل مع أصدقاء لبنان، كأن يكون لهذه الحكومة القدرة على تغيير النمط القديم التي كانت تسلكه الحكومات المتعاقبة بما يتناسب مع مصلحة لبنان العليا".

أما فيما يتعلق بضرورة إدخال تعديلات على الدستور كي يتلاءم مع التطورات الحاصلة بما يخدم مصلحة لبنان وشعبه يختم بارود: " هذا الأمر يجب أن يتم مع مجلس نواب منتخب بشرعية شعبية غير مشكوك بأمرها، يعمل على فتح كل الورش منها ورشة دستورية لسدّ الثغرات الموجودة في الدستور، وهذا الأمر لا يحدث بالصدفة، إنما من خلال ورشة وطنية، وباعتقادي آن الأوان لفتح مثل هذه الورشخصوصاً وأننا نتحدث عن جمهورية جديدة".