إنتظرت حتى اليوم الثاني عشر بعد الإنفجار الزلزال لزيارة محيط الإنفجار عن قرب. لم أكن أجرؤ قبل أو لم أقدر على ذلك، لأنه بمجرد متابعة وسائل الإعلام شعرت بوجع القلب، وفكرت كثيراً بكل المتضررين الذين خسروا أحباء أو الذين أصيبوا أو الذين فقدوا، وكنت أقول في نفسي، إذا كان هذا شعوري فكيف يكون شعورهم؟ وكيف يمكنهم العودة من جديد إلى حياتهم الطبيعية؟

الجولة بدأت من منطقة مار مخايل، وهي تعطيك فكرة واضحة عن ما حصل، مشاهد تدمي القلب. خطرت في بالي فكرة كانت تكتب دائماً على الجدار: "فلان مرّ من هنا"، ففكرت من مرّ من هنا؟ هل هي قنبلة دمار شامل؟ هل مرّ من هنا عزرائيل؟!

تسير في شوارع معظم أبنيتها مهدمة إما كلياً أو جزئياً، ​السيارات​ سويت بالأرض، بفعل سقوط الجدران أو الشرفات والأشجار عليها.

يبدو واضحاً عمل الجمعيات الأهلية من خلال ​تنظيف​ الشوارع من الركام، إلا أن أكوام الأوساخ والردم لم تزل موجودة في بعض الأماكن.

في الشارع تجد سيارات ​إسعاف​ وخيم للمساعدات الطبية، وشبان وشابات من جمعيات يوزعون ​الماء​ والسندويشات.

إذا كنت تعرف المنطقة جيداً ستقف مدهوشاً، لأنه يتعذر عليك معرفة ما هو هذا المكان، هل هو حانة أو ​مطعم​ أو نادٍ ليلي أو محل سمانة؟ صعبٌ جداً أن تعرف، لأن المعالم كلها إختفت، لا ترى إلا الدمار.. أبواب مخلعة، نوافذ مكسورة، شرفات شبه معلقة في الهواء، سقوف هابطة، هناك لافتة تقول إن هذا شارع تراثي، اليوم صار تراثي بطريقة أخرى لا مثيل لها في العالم، محزن جداً رؤية أبنية أثرية تزول.

طريقة الدمار غير مفهومة، ترى في مكان هُدِم الطابق الأول وبقي الثاني والثالث، وفي بناءٍ أخر طار جانب المبنى الخلفي، وقد تجد مبنى أقرب بالمسافة إلى موقع الإنفجار لم يتضرر مثل الأبعد، بالتأكيد توجد أسباب نجهلها، لأننا لسنا خبراء بهذا المجال.

أصل بجولتي إلى قبالة مبنى "​كهرباء لبنان​"، أنظر تلقائياً إلى الطابق الـ12، حيث إستشهدت زميلتنا الإعلامية اللطيفة ماري طوق، التي كانت دائماً متعاونة مع الإعلام، ومرات عدة كانت تستبقيني في مكتبها، لتناول القهوة والدردشة، بإنتظار الإجابة عن إستفسار منا.. رحمها الله. وفي الطابق نفسه أصيب المدير العام كمال حايك، الذي أعرفه جيداً وكان يحترم الإعلام جيداً.. شفاه الله. ونمر بالقرب من مركز الإطفائية  فنجد صور الشهداء معلقة، ما ذنبهم؟ رحمهم الله.

وسط كل الدمار، نجد لافتات جميلة معبرة، تقول سنبقى هنا، وتجد بعض أصحاب المحلات يجلسون على كرسي باب رزقهم سابقاً، ونجد صاحب إحد الحانات قد إستعاد المبادرة، أصلح المكان وعاود العمل.

وننتقل إلى شارع في مار مخايل، يؤدي إلى واجهة المرفأ، الصورة هنا مفزعة، لا يظهر سوى الحطام وهيكل الإهراءات والرافعات فقط، وكل الباقي حطام، ونلاحظ بعد ذلك، أن البعض حاول إستغلال الظروف ليعرف بنفسه، فإن بعض الجمعيات معروفة، إلا أن بعضها الأخر وجدها فرصة ليعرف بنفسه من خلال التواجد في خيمة في المكان، ونلاحظ أن آخرين أيضاً، من معلمي النجارة والدهانت و​الألمنيوم​، لم يوفروا الفرصة ليعلنوا عن أرقام هواتفهم، فوضعوا إعلانات على الأبواب المخلعة، يعدون أصحابها بأسعار معقولة.

وحين وصلت إلى مطعم إسمه "الدنيا هيك"، فكرت لماذا حصل ما حصل؟ وهل من ضمير؟ ووصلت إلى قناعة بالرغم من أنني لطالما كنت من دعاة معارضة الإعدام أو الشنق أو ما شابه، لكن اليوم بعد كل هذه المشاهد المؤذية للعين وللروح، إقتنعت أنه حتى مطلب تعليق المشانق للمتسببين المرتكبين لهذا الإنفجار الزلزال، يعد قليل على هؤلاء.