صحيح أنه ربما لم يدرك ال​لبنان​يون المقيمون والمغتربون خطر انتقال فيروس "كورونا" ودقة مهاجمته لصحتهم حتى تاريخه، رغم الارتفاع السريع لعدد الاصابات المعلن عنها، إلا أنه أيضا في المقابل، يبدو أن المسؤولين يغضوّن النظر عن المأزق الذي وصل إليه القطاع الصحي في لبنان وخصوصا الاستشفائي، الذي هو بحاجة ماسة إلى المساعدة ليقوم بالدور المطلوب منه.

عبارة وزيرة الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان الشهيرة التي وجهها إلى اللبنانيين "ساعدونا كي نساعدكم"، تصّح أيضاً كوصف على مسار العلاقة بين المسؤولين والقطاع الاستشفائي في لبنان اليوم، الذي ساهم في درء أخطار الأمراض طيلة حقبات تاريخية، وهو يتوّجه بالقول إلى المسؤولين: "ساعدوا المستشفيات كي تساعدكم في مواجهة الأوبئة والأمراض".

قريباً، قد تعلن المستشفيات عن اضطرارها إلى إقفال أبوابها أمام المرضى، بعدما أغلقت أقسامها تدريجياً فيما انتقل لبنان إلى قلب ​عاصفة​ انتشار وباء "كورونا"،ا لذي يستدعي استنفارا شاملا لكل مستشفيات لبنان والطواقم الطبية والتمريضية.

انسحاب القطاع الاستشفائي القسري معروفة أسبابه وسمعها الجميع على مختلف المستويات. وفي المقابل، تغاضي المسؤولين مرتبط بشحّ هائل للأموال من جهة، وبفرضية أن المستشفيات الخاصة تستطيع تحمّل الأكلاف، سيما وأنها تطوّرت وتوسّعت من النفقات الصحية التي كانت تسدد لها من خزينة الدولة، خصوصا أن الدولة هي الزبون الأهم عندها.

في مواجهة تفشِّي فيروس "كورونا"، أعاد "​البنك الدولي​" تخصيص 40 مليون دولار في إطار مشروع تعزيز قدرة النظام الصحي في لبنان على التكيّف من أجل التصدي للأزمة. وسيساعد هذا التمويل في تجهيز المستشفيات الحكومية، وزيادة قدرتها على اختبار الحالات المشتبه بإصابتها بالفيروس ومعالجتها، وتقوية قدرات العمال الصحيّين والمستجيبين في خط الدفاع الأول لمنع استمرار انتشار المرض.

هذا في ​القطاع العام​. ماذا عن ​القطاع الخاص​ الذي يوفّر الخدمات الصحية بنسبة تفوق الـ 80 %؟

وهل الاستسلام سيكون سيّد الموقف لدى المستشفيات الخاصّة؟

يقول عضو لجنة الصحة النيابية، النائب الدكتور فادي علامة لـ "الاقتصاد": "إنه تم التوصّل من خلال اجتماع لجنة الصحة إلى رفع سلسلة توصيات لمنع الانهيار ومساعدة المستشفيات على الاستمرار في خدماتها.

ولقد تم التواصل مع "البنك الدولي" الذي يملك برنامجاً تمويلياً سريعاً لتعزيز تدابير التصدي لتفشي فيروس "كورونا" (كوفيد - 19)، والمساعدة على التعافي بعده ضمن رزمة متكاملة. وكان من الطبيعي، مع التجاوب الأولي الذي أبداه "البنك الدولي" في  تقديم القرض المناسب، أن يتم ذلك بواسطة جهة ضامنة كمصرف لبنان كما اقترحناه، سيما وأن البيانات المالية للمستشفيات وما تعكسه من مخاطر على صعيد الخسائر، لا تسمح بأن يأتي التمويل مباشرة للقطاع، على أن يترافق ذلك مع اقتراح قانون".

وأشار الدكتور علامة، إلى "الاتجاه نحو تشكيل لجنة عليا للهيئة الصحية تضم رئيس الحكومة، و​وزير المالية​، ووزير الصحة و​حاكم مصرف لبنان​ لمتابعة الموضوع إلى جانب التوصيات الخاصة التي رفعناها حفاظا على ديمومة القطاع الصحي الذي يرزح تحت أعباء اقتصادية متشعّبة في الأساس قبل أخطار فيروس "كورونا". على أمل أن تباشر اللجنة عملها خلال شهر آب المقبل لدفع الأمور في الاتجاه الصحيح".

توصيات لجنة الصحة

ومن المعلوم أنه إثر اجتماع للجنة الصحة النيابية مع كل النقابات  المعنية، صدرت سلسلة توصيات تضمنت:  

1- تشكيل لجنة متابعة من لجنة الصحة النيابية ومتابعة كافة التفاصيل للحفاظ على قطاع الصحة نتيجة ​الأزمة الاقتصادية​ والمالية.

2- وضع سياسة ​دعم مالي​ مرحليّة حتى نهاية السنة الجارية.

3- وضع خطة دعم مالية من قبل الحكومة كي تستطيع المستشفيات الإستمرار والعمل وحماية الأمن الصحي للمواطنين، سيما وأن المستشفيات لا تستطيع تأمين التمويل بسبب سعر صرف ​الدولار​.

4- وضع خطة دعم من قبل الحكومة بالتعاون مع "البنك الدولي" للحصول على ​قروض​ ميسّرة بضمانة البنك المركزي لتأمين وحماية الأمن الصحي للمواطنين.

5- دعم المستلزمات الطبية و​الأدوية​ على أن تكون التغطية 100 %، وذلك لحماية الأمن الصحّي للمواطنين، لأن ​مشتريات​ المستشفيات بالدولار الأميركي.

6- أن تؤمّن المؤسسات الضامنة إلى المستشفيات المستلزمات الطبية والأدوية للأمراض المستعصية مباشرة عبر عقود مع الشركات الخاصة بالمستلزمات الطبية والأدوية.

7- وضع خطة لدعم الصيانة الخاصة بالآلات والمعدات الطبية، وذلك بسبب الكلفة العالية نتيجة ​سعر صرف الدولار​ الأمريكي.

8- إلزام شركات المستلزمات الطبية والأدوية بتغطية نسبة 100 % بدلاً من 85 %، وإلزامها باستمرار تقديم التسهيلات التي كانت تعطى للمستشفيات سابقاً قبل ​الأزمة المالية​.

9- تشديد الرقابة الصارمة من قبل الحكومة على ​استيراد​ وتصدير المستلزمات الطبية والأدوية حفاظاً على العملة الوطنية والدولار، وبذلك لمنع التهريب الذي يطاول قطاع الصحة.

10- دعم قطاع الصحة مالياً من قبل الحكومة أسوة بالدعم الذي لحق بالقطاعات الأخرى (الصناعة والزراعة والتعليم).

11- أن تدفع الحكومة سلفة مالية شهرية إلى المستشفيات عن المؤسسات الضامنة (وزارة الصحة، الطبابة العسكرية، ​قوى الأمن الداخلي​ وتعاونية موظفي الدولة)، للإبقاء على استمرار المستشفيات بالعمل وتأمين الأمن الصحي للمواطنين.

12- أن تعمل الحكومة على تسديد كافة المستحقات العائدة للمستشفيات منذ العام 2012 وحتى العام 2019 لأن قيمة ​الديون​ أصبح بلا قيمة فعلية بسبب تسعير سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، مع العلم أن المستشفيات تدفع إلى الشركات بالدولار الأميركي وتقبض مستحقاتها من المؤسسات الضامنة بالليرة اللبنانية.

مصير هذه التوصيات لا يمكن لأحد تكهّنه. ولكنه من المؤكد أن أي استهتار بمطالب القطاع وبحقوق العاملين فيه سيقوده إلى الانهيار الكامل له، والمريض سيكون مرة جديدة ضحية سياسات صحية غير سليمة، فيما تسارع دول العالم إلى توسيع أرقامها لضخ المزيد من الاستثمارات في مرافقه، تحسباً لظهور أوبئة خبيثة أخرى، أو حتى لاستيعاب تداعيات هذه الفيروسات وغيرها من الأمراض على الاقتصاد ككل.