عاد الترقب "الوبائي" الى الساحة اللبنانية، مع دخول لبنان مرحلة التفشي المجتمعي لوباء "كوفيد 19"، فالعداد يسير بمنحى تصاعدي، منذ أيام عدة، مع تسجيل مئات الإصابات في مختلف المحافظات والمناطق.

وبعد هذه الانتكاسة، "المتوقعة" نسبيا، عادت المعضلة الأساسية الى البروز مجددا؛ هل نغلق قطاعات البلاد المختلفة رغم ​الأزمة الاقتصادية​ والمعيشية الخانقة التي تخيم علينا؟ هل نبقي على المطار مفتوحا من أجل استقطاب الـ"fresh money"، رغم ما قد يشكله ذلك من خطر على صحة المواطنين؟

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع عضو هيئة مكتب ​المجلس الاقتصادي​ والاجتماعي والأستاذ الجامعي، د. أنيس بو دياب، حول أبرز المواضيع الملحّة، مثل الإقفال التام للحد من تفشي "كورونا"، مصير سعر الصرف، مجلس النقد، وغيرها.

- بعد التفشي السريع لفيروس "كورونا" والحديث عن إمكانية إقفال البلد لأسبوع أم أسبوعين. ما هي وجهة النظر الاقتصادية حيال هذا الإجراء؟ ما هي تداعيات الإغلاق التام؟ وهل بات خطوة محتّمة، لا بد منها، في ظل التفشي المجتمعي الذي نعيشه اليوم؟ ماذا عن عدم إغلاق المطار؟ هل علينا التضحية بصحتنا على حساب الـ"fresh money"؟

جاءت توصية وزارة الصحة بالإغلاق التام للبلد، باستثناء المطار، وهنا تكمن الأهمية الكبرى. فقد كان القرار بالعودة التدريجية الى الحياة الطبيعية بسبب إعلان الانتصار على الفيروس، سابق لأوانه، وبالتالي، نسي الناس كل التدابير الوقائية المفروضة عليهم، ما أدى الى تفاقم الأزمة خلال فترة أسبوع.

ولكن الأهم من ذلك، ومن الناحية الاقتصادية، أن المطار بقي مفتوحا، حيث كان يستقبل يوميا بين 2000 الى 3000 مسافر، بقدرة استيعابية تتراوج ما بين 10% و15%. ومن هنا، شهدنا على تدفقات نقدية ب​العملات​ الأجنبية، وذلك لأن القادمين بدأوا بإحضار الـ"fresh money" معهم. وبالتالي، لمسنا بعض الاستقرار، الى حد ما، في السوق الموازي، منذ بداية شهر تموز. وهذا الأمر ناتج عن زيادة العرض، الناتجة بدورها عن الأموال الآتية من الخارج.

ولكن، اذا أقمنا معادلة بين الإقفال والاقتصاد، سنلاحظ حتما الصعوبة القائمة. فكلفة الوباء مرتفعة جدا؛ الكلفة النفسية، الصحية، الاقتصادية، فهل يستطيع النظام الصحي اللبناني أن يتعامل مع الأعداد المتزايدة بشكل مضاعف؟

وانطلاقا من هذا الواقع، لا بد من إعادة النظر بالتدابير، ومنها الإقفال. فهذا الإجراء وحده لا يكفي حتما، حيث أصبح هناك ضرورة قصوى للتعامل مع الوافدين بشكل أكثر جدية، وأكثر حزم. وبالتالي، فإن كل هذه المخاطر مكلفة للغاية، ليس فقط نفسيا وصحيا، ولكن أيضا اقتصاديا. فاذا تردى ​الوضع الصحي​، معناه أن ​الوضع الاقتصادي​ سيشهد ترديا أيضا، على المستوى ذاته، خاصة أن كلفة فحص الـ"PCR" والكلفة المادية للعلاج ليست بقليلة على الإطلاق.

أما قرار عدم إقفال المطار فهو بمثابة تضيحة بالصحة على حساب الـ"fresh money". ومن هنا، نحن بحاجة الى اتخاذ إجراءات وقائية أكثر حرصا من قبل الناس والسلطة، لأن التراخي موجود للأسف من الجانبين؛ فهناك نسبة من الجانب الأول لا تلتزم، وفي المقابل نجد بعض التساهل في التعامل مع المخالفين من قبل الجانب الثاني.

- صحيح أن سعر الصرف قد استقر الى حد ما بعد إعادة فتح المطار، لكن التقلب ما زال يسيطر عليه. ما رأيك بما يحكى اليوم عن مجلس النقد؟ وهل هو قابل للتحقيق في لبنان؟

فعليا، حكي بموضوع مجلس النقد في لبنان منذ فترة زمنية طويلة، أي منذ عام 2014. لكنه ليس الحل الوحيد، بل هو أحد الحلول المطروحة، مع العلم أنه غير قابل للتطبيق اليوم، أي قبل البدء بالإصلاحات.

من مهمات مجلس النقد، طبع عملة وطنية بمقدرا محدد، وبحسب ما هو موجود لدينا من العملات الأجنبية، وبالتالي فإن ​الكتلة النقدية​ من ​الليرة اللبنانية​ الموجودة خارج النظام المصرفي، من شأنها تحديد سعر الصرف الموازي في السوق، ليكون السعر الرسمي المتعامل به.

لكن لبنان يفتقد حتى الى الإيرادات المحلية، بسبب التردي الاقتصادي، وغياب الثقة. كما أن مشكلتنا لا تتعلق فقط بكيفية إدارة نقدنا، بل بغياب الثقة المطلقة بهذا النقد، الناتج عن غياب الثقة المطلقة بهذه السلطة. وبطبيعة الحال، بدون إصلاحات لا توجد فسحة أمل.

من جهة أخرى، فإن مجلس النقد بحاجة الى ​صندوق النقد​، وبالتالي، اذا لم نتمكن من التعاون مع هذا الأخير في الانتهاء من المرحلة الأولى من المفاوضات، فكيف يمكن التعامل معه لإقامة مجلس نقد في إطار غياب الثقة المطلقة؟

ومن هنا، يجب التأكيد على أن مجلس النقد أو أي أداة أخرى لضبط سعر الصرف أو لإقامة توازن، بحاجة أولا الى إعادة الثقة.

- بعد ما حصل الأسبوع الماضي في اجتماع ​جمعية المصارف​ و​وزارة المال​ و"لازارد"، واحتمال انسحاب الجمعية من المحادثات، على ماذا يدل هذا المؤشر السلبي؟

هذا المؤشر السلبي الإضافي من شأنه أن يؤجج غياب الثقة، فكلما تأزمت الأمور بين الحكومة و​مصرف لبنان​ و​القطاع المصرفي​، كلما فُقِدت الثقة بشكل أكبر.

فلو كانت الثقة موجودة عندما بدأنا بالحوار مع صندوق النقد، لكنا شهدنا استقرارا في الحالة الاقتصادية. ولكن للأسف، بسبب غياب الثقة بهذه السلطة، وبمن يقود المفاوضات، بالإضافة الى تراكم الأزمات وطبعا الصراع الإقليمي والدولي، نجد أنفسنا في دوامة، لن تتوقف الا في حال حدوث صدمة سياسية جديدة.