يركّز ​علماء​ بريطانيون وأميركيون أبحاثهم ودراساتهم، على "جبل ثويتس الجليدي" في القارة القطبية الجنوبية، وهو جبل بحجم ​بريطانيا​ آخذ في الذوبان، وسيكون مسؤولاً عن سنتمترات أو عشرات السنتمترات من ارتفاع مستوى سطح البحر عند نهاية القرن الجاري.

على العكس تماماً، تسيرُ الحكومات المتعاقبة في ​لبنان​. تنتظر وقوع الكارثة لاعتماد حلول سريعة وليست جذرية، تعيد الأزمة إلى الواجهة بين الحين والآخر.

موعدٌ جديدٌ لتراكم ​النفايات​ في الطرقات ضُرب في البلد، المشهد نفسه تكرّر مع الحكومات المتعاقبة في الوقت الذي يحارب فيه لبنان فيروس "كورونا"، ستعود الأزمة بقوة، ومن الممكن رؤيتها مكدّسة قرب المستوعبات الممتلئة في كثير من المناطق، ما يشكّل تهديداً صحياً وبيئياً.

الأزمة الجديدة، جاءت بعد إعلان "اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية" وبلدية الشويفات، رفض استقبال نفايات العاصمة وأقضية بعبدا والشوف وعاليه في "مطمر ​الكوستابرافا​" بعد نهاية تموز الجاري، وحصر دخول النفايات إلى المطمر بال​شاحنات​ التي تنقل فقط نفايات الضاحية والشويفات.

ويبدو أن وزير البيئة دميانوس قطّار، الغائب الحاضر عن ​أزمة النفايات​، يسير بنهج بعض من سبقوه، فكما حصل في السابق فإن المشكلة الأساسية تكمن في طريقة التعاطي مع ملف النفايات وانتظار الكارثة حتى تقع من أجل وضع اللبنانيين أمام خيار من اثنين لا ثالث لهما تبعاً لحجة العجلة، فإما عودة النفايات إلى الشوارع وإما توسعة المطامر.

أول الإشارات التي كانت تستدعي انتباهاً وحركة عاجلة من قطّار، جاءت في 30 نيسان الماضي، بعدما أعلنت بلدية برج حمود، إقفال مطمر برج حمود - الجديدة، بعد بلوغه السعة القصوى للنفايات التي تصل إليه بشكل أساسي من مناطق قضاءي المتن وكسروان، وذلك وفقاً لقرار ​مجلس الوزراء​ بإنشائه والعقد الموقّع بين "مجلس الإنماء والإعمار" ممثلاً ​الحكومة اللبنانية​، وشركة "خوري للمقاولات" التي رست عليها ​مناقصة​ تنفيذ المشروع.

أشهرٌ بعدها، وعادت النفايات لتتكدس في الطرقات، بعدما توقفت الشركات المسؤولة عن الجمع والكنس عن رفع النفايات من الشوارع بسبب أزمة ​الدولار​ بداية الشهر الجاري.

دور ​قطار​ مفقود في هذه الأزمة

أثناء مناقشات تشكيل الحكومة الحالية برئاسة ​حسان دياب​، بدا جلياً أنّ الأخير كان يعتبر أن وجود قطّار إلى جانبه على طاولة مجلس الوزراء، حاجة ماسّة إليه.

قيل حينها، إن قطّار الذي تجمعه بالرئيس دياب صداقة قديمة، أثبت يوم تولى وزارة المالية أنه يعرف ماذا يريد، ويملك "كاريزما" مميزة في مخاطبة الجماهير، ويستطيع محاورة الجميع بأسلوب مرن وسلس، ولديه قوة الإقناع بحجج علمية ومنطقية، الأمر الذي يؤهله لتولي أعلى المناصب.

على إثرها وبعد مخاض عسير، إستلم قطار حقيبتي البيئة والتنمية الإدارية.

يحضر وزير البيئة اجتماعات مالية للحكومة، ويشارك في مفاوضات بين المصارف والمركزي وشركة "لازارد" حتى، ويتفاجأ بعدها بقضية "شركة الترابة الوطنية" وعمّالها، والأزمة المعلّقة حالياً.

إجتماعات جديدة لقطار، وجولات ومؤتمرات وكلام منمّق حول "استراتيجية ​مكافحة الفساد​"؛ وبعدها أزمة نفايات متجددة ولا استراتيجية مسبقة، حول مشكلة بيئية وصحية متجددة.

يقول وزير البيئة، إنه أضعف حلقة في الملف البيئي ويعمل كمعقّب معاملات بين الأطراف المعنية، ويعتبر أن الحل يكمن كخطوة أولى عبر الفرز من المصدر وتخفيف كمية النفايات ومنح البلديات دوراً أكبر، ويغيب عنه أنه المسؤول الأول كونه يتسلم وزارة البيئة.

يذكر قطّار الحلول ويتناسى أنه الوزير المعني بتطبيقها، والقادر على إصدار قرار حاسم بفرض عملية الفرز واستلام النفايات من ​المنازل​ بواسطة شاحنات مختلفة لجمع هذه النفايات المفرزة، والأهم في هذا الأمر تطبيق تجميع وتسليم ونقل ومعالجة النفايات العضوية بشكل منفصل تماماً عن كل ما عداها من النفايات الأخرى.

تغيب عن قطّار أيضاً الخطط في هذا المجال، حيث يتوجب على الحكومة أن تشجع على تمويل واستثمار العديد من الشركات الناشئة في مجال التدوير والجمع والتوزيع والفرز وعمليات أخرى يمكن استحداثها في مجال تقنيات المعالجة السليمة بيئياً والاستفادة من النفايات العضوية لكي تكون مصدراً أول للسماد الطبيعي المفيد للزراعة والاقتصاد، في حال كانوا يريدون النهوض بالاقتصاد الوطني.

تؤشر تحرّكات وتصريحات قطّار، قبل أيام من بدء أزمة النفايات، كما لو أنه من غير المعنيين بهذه الأزمة، فيما دول العالم تكسب مليارات الدولارات من النفايات، لكن في لبنان تُنفق المليارات على النفايات.