الرأسمالية الأميركية في طريقها إلى التلاشي بسرعة. زوالها بدأ منذ زمن، والدمار الاقتصادي الذي خلفته جائحة "كورونا" أحدث ضربة لاقتصاد الولايات المتّحدة السياسي.

آدم سميث لا يزال مرشداً مفيداً لسمات الرأسمالية. في كتابه "ثروة الأمم"، الصادر عام 1776، جادل بأن البشر يكافحون فطرياً في سبيل التقدم المادي، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك، هي من خلال المنافسة غير المقيّدة، وتقسيم العمل، والتجارة الحرة.

سميث كتب أن على الدولة أن تلعب دورا محدودا في الشؤون الاقتصادية. بالنسبة إليه، دور الحكومات ينبغي أن يكون مقتصراً بشكل مناسب على الأمن القومي، وسيادة القانون - بما يشتمل عليه ذلك من حماية للملكية الخاصة - وتوفير عدد قليل من السلع العامة، مثل التعليم. حذر كذلك من الانقسامات الطبقية الحادة، التي ربما تصيب الأغنياء بالخمول وتستغل العمّال. وحذر من أنه "لا يمكن بالتأكيد لأي مجتمع أن يكون مزدهرا وسعيدا، في حال كان الجزء الأكبر من أعضائه فقراء وبائسين". سميث كان يأمل أن تصبح المجتمعات ثرية بأكملها من خلال سعي الأفراد الذين ينتمون إليها.

هذا النوع من الرأسمالية تحطّم. التجارة الحرة يجري تفكيكها في الوقت الذي يتم فيه إلغاء المعاهدات. الحركة الحرّة للعمالة مقيّدة بحواجز ومراسيم. تطبيق المنافسة في الأعمال التجارية والتمويل متأخر وبطيء. اختفت عمليات مكافحة الاحتكارات والامتيازات التي ازدهرت في عهد الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت.

التركيز على الشركات غير المالية زاد زيادة حادة. كثير من الشركات يتمتع الآن بوصول عالمي، ما يسمح لها بتحديد أسعار غير تنافسية.

في ال​أسواق المال​ية، التركيز أكثر وضوحا. اليوم يسيطر عدد متناقص من التكتلات المالية على إدارة الاستثمار وضمان الأوراق المالية وتداولها. السلطات تتسامح مع تضارب المصالح الضمني الهائل. في الاقتصادات ​التنافسية​ الحقيقية، الأعمال التي تقدم أداءً جيداً ينبغي لها أن تزدهر، بينما تلك التي تقدم سلعاً وخدمات ذات جودة أدنى ينبغي لها أن تفشل. هذا لا يحدث على نحو متزايد.

بدلاً من ذلك يتم استبدال الرأسمالية بسرعة في دولة ذات حكومة مركزية - شكل من أشكال الاقتصاد السياسي تمارس فيه الدولة سيطرة مركزية كبيرة على الشؤون الاجتماعية والاقتصادية.

في ​الولايات المتحدة​، تتربع الحكومة الفيدرالية والاحتياطي الفيدرالي على قمة الدولة. الحكومة تتمتع بقدرة هائلة على فرض الضرائب والاقتراض وإعادة تخصيص الأموال. الديّن الفيدرالي المستحق على ​القطاع العام​ يبلغ حالياً 20 تريليون دولار، ويمكن اقتراض المزيد. لبعض الوقت في المستقبل، سيظل ​الدولار الأميركي​ عملة الاحتياطي الرئيسة، وسيستمر المستثمرون الأجانب في تفضيل السندات الحكومية الأميركية على معظم الأوراق المالية الأخرى.

على النقيض من ذلك، الجدارة الائتمانية لحكومات الولايات والحكومات المحلية، تعرضت لضغوط شديدة بسبب جائحة فيروس "كورونا"، الأمر الذي اضطر كثيراً منها إلى طلب المساعدة الفيدرالية. الولايات والمحليات ستكون مدينة مالياً للحكومة الفيدرالية، ما يضعف استقلاليتها، بينما يعزز السلطة المركزية. ليس هذا ما يتصوره النظام ​الفيدرالي الأميركي​.

تاريخياً، كان يُنظر إلى الاحتياطي الفيدرالي على أنه مستقلّ إلى حد ما عن المصالح السياسية المباشرة. لكن استجابة البنك المركزي لبداية ​الركود​ المرتبط بالجائحة، تظهر أن ما هو عليه من شبه استقلالية يتبخر بسرعة، ما يسهم في ظهور سيطرة الدولة. الاحتياطي الفيدرالي كان داعماً بشكل مفيد في الأزمات السابقة. خلال الحرب العالمية الثانية، ساعد على استقرار العوائد على الأوراق المالية الحكومية. في ​الأزمة المالية​ لعام 2008 أنقذ المؤسسات المالية البارزة، المنخرطة في التسهيل الكمي، وأجبر ​المصارف​ الكبيرة على قبول رأس المال الحكومي وخفض أسعار الفائدة بشكل حاد.

لكن استجابة الاحتياطي الفيدرالي للجائحة غير محددة إلى حد كبير. فهو لم يشترِ السندات الحكومية فقط، بل سندات الشركات أيضاً، بما فيها الإصدارات المنخفضة الجودة والتزامات ​الرهن العقاري​ والسندات البلدية والصناديق المتداولة في البورصة. البنك المركزي يعمل أيضاً مع وزارة الخزانة للحصول على ​قروض​ للشركات الصغيرة والمتوسطة. ميزانيته العمومية تضخمت بالفعل على نحو مذهل من ثلاثة تريليونات دولار إلى أكثر من سبعة تريليونات دولار منذ بداية هذا العام. وأسواق المال أصبحت تتوقع أن يتدخل الاحتياطي الفيدرالي استجابة لأي انخفاض حاد في ​أسعار الأسهم​.

قبل الجائحة، حقق الاحتياطي الفيدرالي تقدماً كبيراً في تقليل حجم موازنته العامّة. لكن يمكننا الآن أن نتوقع زيادة أكبر في حجم تدخله طالما أنه لا يوجد حلاً واضحاً للجائحة، مثل لقاح ينتج بكميات كبيرة. الأسواق من المحتمل أن تظل أيضاً متقلبة للغاية.

مع وجود رابطة وثيقة بين الحكومة الفيدرالية و​مجلس الاحتياطي الفيدرالي​، فإن تحول الرأسمالية إلى دولة ذات نزعة مركزية، بدأ يكتسب زخماً، ربما بشكل لا رجعة فيه. هذا انحراف كبير ليس فقط عن رؤية مؤسسي الولايات المتحدة، لكن أيضا، ليس هذا هو نوع النظام الاقتصادي الذي يرغب معظم الأميركيين الذين يعيشون اليوم في أن يخلّفوه للأجيال القادمة.