لم تغب أصداء توسّلات المصروفين من "مستشفى ​الجامعة الأميركية​ في بيروت" نهاية الأسبوع الماضي عن آذان اللبنانيين بعد؛ حادثة أليمة أضيفت إلى مسلسل أحداث انهيار لبنان الاقتصادي والاجتماعي.

الفشل المتواصل في إعادة تحريك العجلة الاقتصادية يؤسس لمزيد من حالات الصّرف، وزيادة في نسب ​البطالة​ والحديث هنا عن أكثر من مليون عاطل من العمل في المستقبل القريب، بعد الإغلاق اليومي لعشرات المؤسسات التجارية، وما ينتج عنها من عمليات ​تسريح​ للعمال.

وفي ظل هذا المشهد، يقول مدير ​المجلس الاقتصادي​ والاجتماعي د. محمد سيف الدين في مقابلة مع "الاقتصاد"، إن المجلس يرى ويراقب الواقع الاجتماعي الصّعب، ويشير إلى أن المجلس ذو الصفة الاستشارية، يشارك فيه ممثلون عن أطراف الإنتاج كافة، من عمّال وأصحاب عمل.

ويضيف سيف الدين: "رأينا حالات الصّرف من "مستشفى الجامعة الأميركية"، وحالات سبقت هذه الحادثة، وجزء من الإجراءات التي سبق للمجلس أن اقترحها، هو زيادة المرونة في موضوع الدّوامات والعقود خلال الفترة الراهنة، والحديث هنا ليس بتحويل النظام الوظيفي إلى نظام تعاقدي، إنما العمل خلال هذه الفترة الّصعبة وللضرورات المستجدة وبسبب إرهاق المؤسسات، والعمال في ذات الوقت، على اتباع مرونة في ما يتّصل بالدّوامات، وإيجاد تفاهمات مرنة وحبيّة بينهم، لتمرير المرحلة بالفهم المتبادل بدلاً من الاختلاف والتقاضي.

ويؤكد سيف الدين على ما أوردته الورقة الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي في 26 حزيران الماضي، والتي تهدف لإعادة تشغيل العجلة الاقتصادية، ويقول إنه ضمن التفاهمات المرنة، يجب الحرص على عدم صرف العمّال، والدعوة إلى تفاهمات حول عقود العمل والدّوامات المتحرّكة، وتشجيع الوظائف بدوام جزئي تكون بحالات محددة استثنائية، أو عن بعد، ووضع آلية استثنائية لتنظيم ذلك إلى حين انتظام الأوضاع على ألا يؤثر ذلك على تعويضات ​نهاية الخدمة​.

وقال، إن "العمال لا يستطيعون العيش يوماً واحداً دون مدخول، فيما الضّغط كبير على موازنات أصحاب العمل والمؤسسات، ولهذا اقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أن تقوم الدولة بتخفيف الأعباء على المؤسسات، من تأجيل وليس إلغاء الضرائب والرسوم وغيرها المفروضة من الدّولة، وهذه الإجراءات يمكن أن تحل الكثير من المشاكل وتحول دون تزايد حالات الصّرف من العمل في ضوء المشكلة الضّاغطة التي تطال جميع أطراف الإنتاج.

ورأى مدير عام المجلس، أن "الحلول المرنة بين أطراف الإنتاج تقضي بتراجع كل طرف خطوة، لتُمكّن الجميع من الوصول إلى صيغة رابحة تحمي عمل الطّرفين".

وتحدث سيف الدّين عما سبق واقترحه المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بضرورة إنشاء صندوق بطالة لمساعدة العاطلين من العمل، وقال إن أصوات استغاثات المصروفين من العمل في "مستشفى الجامعة الأميركية" الأسبوع الماضي سمعها الجميع، وصندوق البطالة قد يساهم بجزء ولو قليل في الحد من أزمة المصروفين، وشدد على أن الحلول هذه ليست نهائية، ولكنّها قد تمكّن المصروفات من الصمود لفترة قادمة، للتمكن من إيجاد بديل ومورد رزق آخر.

وعرض سيف الدين في نظرة شاملة، لائحة الإجراءات العاجلة لتسهيل إعادة تشغيل العجلة الاقتصادية التي أعلنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وقال إنها موزّعة على 4 عناوين كبيرة، وهي: العلاقة مع الدّولة، والعلاقة مع ​المصارف​ و​مصرف لبنان​، والعلاقات التعاقدية، والواقع الاجتماعي.

وأشار إلى أن "هذه المسارات تغطي جزءاً كبيراً من المشكلات التي تحصل حالياً، وهي لا تقوم على حلها كلياً إنما تعمل وفق العنوان الرئيسي، وهو تسهيل إعادة تشغيل الاقتصاد؛ فهي عامل لمساعدة للناس الذي يريدون إعادة فتح أعمالهم، بعد الإقفال النّاتج عن "كورونا"، وما تلاه من أزمة اقتصادية واجتماعية. وإلى جانب هذه اللائحة، هناك لائحة أصدرها المجلس تتعلق بالقطاعات حتى تستطيع الأخيرة النهوض وبدء عجلة التشغيل".

ولفت سيف الدّين، إلى أنّ "هذه اللائحة عُرضت على رئيس الحكومة حساب دياب ليتم عرض الاجراءات على الوزراء المعنيين"، وقال إن "هناك جزءاً أساسياً من هذه الإجراءات تستطيع الحكومة تطبيقها، وجزء كبير من إجراءات النهوض قابل للتطبيق بمجرد اتخاذ القرار، ولا تحتاج الكثير من الموارد ولا للجهود للبدء بالتطبيق، فيما توجد مسارات تحتاج دعماً، ومنها ما يختص بالبطالة و​المساعدات​".

وأضاف: "لمسنا في لقاء رئيس الحكومة متابعة لهذا الأمر، ووجّه دياب بضرورة متابعة إجراءات المجلس الاقتصادي والاجتماعي الخاصة بإعادة تشغيل العجلة الاقتصادية مع الوزراء بحسب اختصاصهم، فيما رأى رئيس الوزراء صعوبة في تطبيق بعض الإجراءات، وشدد على أهمية مسارات أخرى".

وتحدث سيف الدين، عن أن "المجلس يدرس كل المواضيع الخاصة بالشأنين الاقتصادي والاجتامعي، ولا ترتبط أعماله بالوضعين المالي والنقدي اللذين يندرجان خارج طبيعة عمل المجلس"، وقال، "إن إطلاق ورقة الإجراءات العاجلة سببه، أن كل النقاش في البلد يدور حول المفاوضات مع "​صندوق النقد​" و​الأزمة المالية​ والمشكلة بين المصارف ومصرف لبنان والدّولة، فيما الثّغرة كانت إطلاق العجلة الاقتصادية التي غابت عن أحاديث الخبراء والسياسيين خلال الفترة الماضية".

وفيما يختص بالتحقيق المالي الجنائي، قال سيف الدين، إن "هذه المسألة يتمّ بحثها من قبل مصرف لبنان ورئاستي الجمهورية والحكومة والمعنيين، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لم يتدخل في هذا الموضوع ولم يدلِ بأي موقف حيال هذا الملف الحسّاس القائم في البلد".