سقط آخر حصون ال​لبنان​يين، ولجأ الفقراء والطبقات الوسطى لبيع مدخرات الذّهب التي اشتروها خلال سنوات الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي.

تبدّل حال اللبناني اليوم، فالدّولار لم يعد مثبّتاً بـ 1500 ليرة كما كان خلال السنوات الـ 23 الماضية، وهو بات حكراً على المتلاعبين به في ​السوق السوداء​.

في بيروت، وداخل متجر للمجوهرات، تلف المكان غلالات التجهم وأبخرة الكآبة، مع تدافع المواطنين لبيع الحلي و​الذهب​ أو رهنهما بدافع من احتياجهم الشديد للنقود وسط الأمواج العارمة لأزمة مالية آخذة في ​التضخم​ والتصاعد.

وعلى جدران المتجر، استقرت لافتات تقول "نشتري ذهب"، لاجتذاب الراغبين في تسليم آخر الحصون والتخلي عن آخر ما تبقى لديهم من مدخرات.

ويقول صاحب متجر لـ "الاقتصاد"، إن الحركة اليوم محصورة بالبيع، وتمر أيام لا يشتري فيها أحد الذّهب، والسبب في ذلك، عدم توفّر الدّولار وارتفاع سعره في السوق الموازية.

ويروي أحد الصاغة في بيروت، أن قضاء يوم واحد في متجره كفيل بأن يصيب الإنسان بالاكتئاب. ويكشف أن الناس يبيعون ذهبهم لدفع تكاليف العلاج في المستشفيات أو رسوم الدراسة أو إيجار ​المنازل​.

رئيس نقابة الصاغة والجوهرجية في لبنان أنطوان مغني وفي حديث خاص لـ "الاقتصاد"، يشكو قائلاً: "القطاع عاطل جداً والأعمال إنهارت إلى نسبة صفر في المئة، فيما التصدير متوقّف حالياً، و95 % من المعامل أقفلت أبوابها في ظل الظروف الرّاهنة".

ويقول مغني، إن "العمّال في القطاع يعيشون نفس ظروف عمال القطاعات الأخرى من اقتطاعات في ​المعاشات​ وتسريح من العمل".

ويشير إلى أن "قطاع الصاغة اللبناني، كان الدافع الأبرز له الصادرات نحو الدّول العربية المجاورة التي توقّفت اليوم، وفي ظل انتشار وباء "كورونا" وإجراءات الوقاية" أُلغي الكثير من المعارض التي كان يشارك فيها الصّاغة اللبنانيّون ويعرضون ويبيعون صناعاتهم الوطنية".

وأضاف رئيس نقابة الصّاغة والجوهرجية، أن "ارتفاع سعر صرف ​الدولار​ كان من الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى تدهور القطاع، حيث أن عمليات البيع تجري عادة بالعملة الأميركية أو ما يوازيها بالليرة اللبنانية".

وتحدث مغني أيضاً، عن إجراءات ​المصارف​ التي ضربت القطاع، وقال إن "​التجار​ اليوم لا يستطيعون قبول الشيكات أو الدّفع بالبطاقات الائتمانية، حيث تنحصر المبيعات بالدّفع سلفاً وهو ما تسبب بتراجعها أيضاً، إضافة إلى أن الكثير من التجار لا يستطيعون الحصول على أموالهم بالدّولار في المصارف".

يعكس واقع قطاع الذّهب الأزمة التي يعيشها المواطن والقطاعات الصناعية على السّواء، فمع التلاعب والتغيّر الحاصلين بسعر صرف الدولار منذ بضعة أشهر، طالت الكارثة الحقيقية الجميع، وباتت غالبية القطاعات ومنها صناعة الذّهب في "حالة موت سريري".