أظهر تقرير "​بنك عوده​" حول قطاع ​العقارات​ ال​لبنان​ي، أن هذا السوق شهد نشاطاً قوياً في الأشهر القليلة الماضية، حيث أدت "ثورة 17 تشرين الأول"، وما أعقبها من تفاقم ​الأزمة الاقتصادية​ والمالية، إلى طلب كبير على العقارات. وبات يُنظر إلى الشقق والأراضي على نطاق واسع بأنها ملاذ آمن للاستثمار، ويبحث عنها المشترون خوفاً من أن يطال ودائعهم الـ Haircut"".

وارتفعت قيمة ​مبيعات العقارات​ بنسبة 52.5 % في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2020 الجاري، لتصل إلى 3.7 مليار دولار، بعد تراجع على مدى العامين الماضيين.

وشهد القطاع التجاري في كلٍ من مكونات ​التجزئة​ والمكاتب، تراجعاً متواصلاً في ظل ضعف ​النشاط الاقتصادي​ والتجاري، وعدم اليقين السياسي المستمر بعد "ثورة 17 تشرين"، وأُضيف إليه عدم استقرار سعر الصرف في السّوق الموازي، وإجراءات الإغلاق لمواجهة انتشار وباء فيروس "كورونا".

* ضعف نشاط البناء وسط أزمة اقتصادية حادّة

تاريخياً، كانت اتجاهات العرض والطلب في سوق العقارات اللبنانية متشابكة تماماً، ولكن ليس هذه المرة.

ولا يزال لدى لبنان مخزون من العقارات السكنية للبيع، تراكم على مدى السنوات القليلة الماضية، وقد شهد انخفاضاً كبيراً.

في المقابل، ومع عدم وجود ​قروض​ مصرفية جديدة، وتسعير تكلفة ​مواد البناء​ بسعر الدولار في السوق الموازي، يمتنع المطورون عن بدء مشاريع جديدة. ليشهد إجمالي مساحة تصاريح البناء الجديدة انخفاضاً بنسبة 32.6 % في عام 2019 وبنسبة 61 % منذ بداية العام الجاري.

كما شهدت شحنات ​الإسمنت​ انكماشاً بنسبة 31.9 % العام الماضي، وبنسبة 55.7 % حتى الآن هذا العام.

* الأسعار ترتفع مع التوجّه نحو العقارات باعتبارها ملاذاً آمناً

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، وبيع الكثير من العقارات مقارنة بالأشهر السابقة، استعاد البائعون القدرة على التفاوض وبدأ بعضهم بزيادة أسعار الشقق (مقابل الدفع بالشيكات المصرفية).

وتدريجيا، ارتفع الطلب على ​أسعار العقارات​ السكنية في بيروت لتنمو ما بين 20 % و30 % في حزيران الفائت، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وفقا لتقديرات "Ramco Real Estate Advisers".

ويرجع هذا الارتفاع، إلى تزايد الطلب وانخفاض المخزون والتراجع الملحوظ في قيمة الدولار في ​المصارف​ مقابل سعره في السوق السّوداء.

* الطلب النسبي متواصل على المدى القريب رغم تصاعد الشكوك

ما يمكن التأكد منه، هو أن الوضع الحالي لارتفاع الطلب من المرجح أن يستمر على الأقل في الأشهر القليلة المقبلة، بانتظار اتخاذ تدابير صارمة من قبل السلطات للتعامل مع الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية.

قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل التوصل إلى تسوية اقتصادية أو الاتفاق على إعادة هيكلة مالية ونقدية. وحتى ذلك الحين، قد يتسبب هذا في زيادة حالة عدم اليقين المستمرة لدى المستثمرين، ما يضمن استمرار السباق في اللجوء إلى ​الاستثمارات​، بما في ذلك العقارات. وبعبارة أخرى ، من غير المرجح أن يتراجع الطلب في الأشهر القليلة المقبلة. نظراً لتكاليف مواد البناء المرتفعة بسبب انخفاض سعر الصرف الأجنبي، وقد يعني هذا، مزيداً من الضغوط الصعودية على أسعار العقارات بالدولار المصرفي، حتى يمتنع البائعون عن الدفع بالكامل بالدولار المحلي.

* خيارٌ لتنويع سليم للاستثمار في جميع الأوقات

دعمت التطورات الأخيرة في لبنان، العقارات لتكون استثماراً يحمل صفة الملاذ الآمن. ولكن هذا لا يعني أن سوق العقارات قد خرجت من الأزمة بعد تراجع كبير في السنوات القليلة الماضية.

وبمجرد أن تستقر الأوضاع، وتخرج البلاد من واحدة من أعمق أزماتها في التاريخ الحديث، سيظهر البائعون مرة أخرى من أجل الاستفادة من الأوضاع. ومن ثم، سيعتمد تطور الأسعار على ديناميكيات الطلب، على الرغم من وجود ضغوط على الأسعار قد تدفعها نحو هبوط محتمل. فيما المؤكد، أن العقار سيظل مركز اهتمام للمقيمين والمغتربين، ووسيلة لتنويع الاستثمار في جميع الأوقات.

نشاط ​القطاع العقاري

فيما يخص نشاط القطاع التجاري، فإنه يعاني من تراجع في الطلب وبالتالي المزيد من الضغوط الهبوطية فيما يتعلّق ب​الإيجارات​.

ففي سوق التجزئة، تتزايد معدلات الشواغر، كما أن مراكز التسوّق، التي اعتادت أن تكون أفضل إلى حد ما من المتاجر المعزولة، فإنها تعيش أوضاعاً صعبة. وأعلنت بعض العلامات التجارية مغادرة مراكز التسوق للعثور على إيجارات أرخص في مكان آخر.

وتشير التقديرات إلى أن الإيجارات انخفضت بنسبة 50 % في المتوسط في بيروت قياساً بالعام الماضي، وفقًا لمستشاري Ramco Real Estate""، مع وجود العديد من الخيارات التي تزيد من تعقيد النشاط (الدفع بالليرة اللبنانية، الشيكات، نقدًا بالدولار أو مزيج من النقد والشيك). ولا يقبل بعض المالكين الدفع الذي لا يشمل جزءاً نقدياً، وهو ما يدفع السوق إلى الأسفل ومعدلات الشغور للأعلى.

أما سوق المكاتب، فإن يتعرض أيضاً لضغوط كبيرة، على الرغم من وجود بعض الطلب من الشركات القائمة التي تسعى للانتقال إلى مواقع أرخص بهدف تقليل تكاليف التشغيل. وانخفضت الإيجارات بنسبة 20 % في المتوسط في العاصمة مقارنة بالعام الماضي، وفقًا للمصدر نفسه مع وجود أربعة خيارات تسعير أيضاً.

واليوم، إن الأسئلة الرئيسية التي تتبادر إلى الذهن هي التالية: ما هو مستقبل سوق العقارات في الأشهر المقبلة؟ وهل ستزداد ضغوط الأسعار أكثر؟ بالنظر إلى أن الطلب في الوقت الحاضر ظرفي، هل تتجه الأسعار إلى الجنون؟ هذه الأسئلة مشروعة للغاية، مع الأخذ في الاعتبار أن ظروف السوق متقلبة والوضع الأمني السياسي المتقلب يظلّ مصدراً رئيسياً لعدم اليقين في الفترة المقبلة.