أطلّ رئيس لجنة المال و​الموازنة​ النائب إبراهيم كنعان خلال مؤتمر صحفي بعد لقاء لجنة تقصّي الحقائق، مقدماً تقريراً إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي أولاً وإلى الشعب اللبناني ثانياً.

تقريرٌ لم يُظهر إلا إخفاقات الوفود الأربعة التي فاوضت "​صندوق النقد الدولي​"، والأرقام المتضاربة التي تمّ تقديمها، ما جعلنا عرضة للشكوك وفقدان أهليتنا بالثقة لدى الدائنين.

خطة الخروج من ​الأزمة الاقتصادية​ ​العاصفة​ بالبلاد ذهبت مع ​الرياح​، أما بيع ممتلكات الدولة لم تغب عن تحليل مضمون كلام كنعان.

فلماذا حتى الآن لم تعلن هذه اللجنة عن أي صيغة للحلول في ظل الضغوطات المتواصلة من "صندوق النقد" الذي لم يوفّر أيضاً ​حاكم مصرف لبنان​ رياض سلامة من تحميله مسؤولية ما وصلنا إليه حتى الآن؟!

وللحديث أكثر عن هذه التطورات والاتجاه الذي يسير به ​الاقتصاد اللبناني​، كان لـ "الإقتصاد" هذا اللقاء مع ​الخبير الاقتصادي​ د. بلال علامة.

كلام النائب إبراهيم كنعان بعد اجتماع لجنة تقصي الحقائق والذي سلّط الضوء فيه على ضرورة معالجة العثرات قبل الاتفاق مع "صندوق النقد الدولي"، برأيك هل هذه المعالجة ممكنة؟

"طبعاً، بالمبدأ العام سواءً محاسبياً أو مالياً، دائماً المعالجات لها طرق معينة.

- أولاً، الغَرابة أساساً بالأرقام التي طُرحت عند مفاوضة "صندوق النقد الدولي" والاختلافات الرهيبة!

- ثانياً، اختلاف وجهات النظر: للأسف المشكلة تكمن بالوفود التي مثّلت لبنان، حيث كان من المفترض أن يكونوا وفداً واحداً وليس عدة وفود، وكل طرف يحمل وجهة نظر مختلفة.

كل ما حصل غير مقبول، فالمبدأ العام يقول، إن ​المحاسبة​ هي طريقة عالمية معتمدة، لها أصول ولها أسس وبالتالي كان ممكن جداً الاتفاق على أي أسس نريد أن نعتمد.

هناك مدارس محاسبية كالمدرسة الفرنسية، والإنكليزية، والأميركية وغيرها... لذلك نستطيع أن نتفق على مدرسة، ومن المعروف أن لبنان يعتمد المدرسة الفرنسية وفق تصميم المحاسبة العام الذي هو أساساً يفنّد كل الحسابات وكل الأمور المحاسبية بطريقة دقيقة جداً، لذلك إذا كان هناك نية سليمة لدى المفاوضين اللبنانيين المتعددين يتم الاتفاق على أي مدرسة محاسبية سيتم اعتمادها، ومن ثم إعادة تدقيق الأرقام وفرزها بشكل نستطيع به أن نصل لأرقام دقيقة.

أيضاً الملفت للنظر، أن مضمون كلام النائب إبراهيم كنعان - وهذا ما حذر منه حاكم مصرف لبنان سابقاً- أن الخطة الحكومية وبعض المستشارين الذين كانوا يدفعون بها يتخللها الكثير من الاستعجال لإفلاس لبنان.

تضخيم الأرقام بهذه الطريقة لم يكن موفّقاً، أعلم أن وضعنا المالي صعب جداً وجميعنا يعلم أن هناك أموالاً منهوبة وهناك إنفاقاً هائلاً دون حسيب أو رقيب، ولكن بمعادلة الدول وبماليّتها عندما يترتب ديون على الدولة، هذه ​الديون​ تُجدول وترسم على فترة زمنية طويلة أو يتم وضع آلية لتخفيف هذه الديون ودفع المتبقي."

"مسألة الأرقام هي مسألة افتراضات، فلنقم إذاً بالافتراضات الصحيحة لنصل إلى الأرقام الصحيحة" هذا ما قاله "كنعان" حرفياً، كيف تفسر هذا الكلام وهل هو واقعي؟

"أعتقد جازماً أن هذا الكلام لم يُفهم تفسيره، الافتراضات بناءً على المنهج والأسس التي ستعتمد الأرقام التي تحدث عنها كنعان يعود تصنيفها إلى المدرسة والأسس المحاسبية التي يتم اعتمادها.

لذلك عندما قال "افتراضات"، يقصد بذلك أن تفترض أن حساب معين قد يكون خسارة وقد يكون مؤجل، وهناك فرق كبير بينهما.

الافتراضات هي بوجهة النظر إلى الحساب وكيفية تحديد رقمه ووجهة استعماله.

ولجنة تقصي الحقائق اعتبرت أن ​المصارف​ بالغت في الفوائد التي تتقاضاها من بعض الزبائن وتم التساؤل عن قانون "الكابيتال كونترول"."

"كنعان" بدوره أيضاً حمّل مسؤولية للحكومة لوقف التحاويل، برأيك هل الحكومة اليوم تستطيع أخذ هذا المسار؟

"حقيقة "الكابيتال كونترول" هي مسؤولية السلطتين التنفيذية والتشريعية وكلتاهما رفضتا هذا القانون بالتكافل والتضامن.

كل البُلدان التي تمر بأزمات مالية وخاصة بالسيولة، يتم فيها اعتماد "الكابيتال كونترول" لمنع التهريب المالي أو ​التحويلات المالية​.

لا نستطيع في ظل غياب قانون يشرع أو يضبط هذه الأمور أن تقول أن هناك أشخاص هرّبوا أموالهم، إذا كانت العملية قانونية لا يوجد أي قانون يجرّم أو يمنع هذا الشيء.

أما حجز الودائع ومنع إعطاء ​الدولار​ والتصرف بطريقة غير مقبولة مع المودعين هو غير قانوني وبالتالي يجب المساءلة."

"لا يمكن اعتبار الدولة مفلسة طالما أصولها وموجوداتها متوافرة" يقول كنعان، هل هذه مقدمة للبدء بالتصرف بأصول الدولة وبيع ممتلكاتها؟

"أعتقد بوجود اتفاق ضمني بين كل الأطراف السياسية ومن هم بمسؤولية الأعمال المالية، أن يتم إنشاء صندوق سيادي تودعُ فيه موجودات الدولة التي لها قيمة ومن ثم دعوة الناس للإكتتاب.

سمعنا كثيرا بالخطة المالية ما حرفيته: إذا أخذنا أموالاً من المودعين يكتتبوا بهذه الأموال، وإذا أخذنا أموالاً من السندات ممكن أن نقدم لهم بالمقابل استثمارات في الصندوق السيادي.

هذا يدل على أن وجود نية جدية لدى من هم في المسؤولية، أن يضعوا موجودات الدولة بصندوق سيادي أو ربما لاحقاً يتغير اسمه.

وإذا أحد أراد أن يستثمر من جديد سيعطونه ضمانة، لأنهم يعلمون اليوم المشكلة بمفهوم الثقة لدى اللبنانيين جميعاً فلا أحد مستعد أن يدفع أو يرسل ليرة واحدة من الخارج."

ما هو المخرج اليوم لما يحصل؟

"يجب معالجة الأمور المالية ومن خلفها الاقتصادية"، ولنبتعد من الآن وصاعداً عن التجاذبات السياسية والمصالح الفئوية للأطراف، وأن يضع الجميع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

بالطبع لا يزال لدينا إمكانية لإنقاذ الوطن أو ما تبقى منه، إذا وحّدنا الأرقام ووجهات النظر واعتمدنا سياسات ذكية وخطط مدروسة."