عندما كنت مراسلة مبتدئة، شاهدت مراسلة صحيفتي لدى ​البيت الأبيض​ حينذاك تتنافس وجها لوجه مع زوجها، الذي كان يغطي أخبار الرئيس الأميركي لجهة نشر أخرى. كانت لديهما قواعد دقيقة بألا يستمعا إلى المحادثات الهاتفية لبعضهما بعضا في المنزل، ولا يسألا عن الاجتماعات، ولا ينظرا إلى أوراق بعضهما بعضا. ومن المدهش أن الأمر نجح.

الخلافات العائلية المتأصلة الأخرى يتم حلها بمقدار من السعادة يقل عن ذلك كثيرا. في أواخر 2018، هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية اتهمت المستشار ​بيتر تشو​ بالتداول من الداخل، قائلة، إنه اشترى خيارات في شركة "​فيرجين​ ​أميركا​" بعد ما سمع مصادفة خطيبته، وهي مصرفية في "​يو بي أس​"، عندما كانت تعمل على صفقة تتضمن شركة الطيران من شقتهما المشتركة. ودفع أكثر من 532 ألف دولار لتسوية القضية.

هذه ليست سوى واحدة في سلسلة طويلة من الحالات التي استفاد فيها المتداولون "عديمو الضمير" من المعلومات التي سرقت من شركائهم. أحد أخطر الحالات كان بطلها ​مايكل​ ديفلين، وهو تنفيذي سابق في مصرف "​ليمان براذرز​"، اعترف في 2008 بأنه مذنب بتهمة التآمر الإجرامي وإجراء تداول من الداخل، من خلال "​اختلاس​" معلومات حول 13 صفقة على الأقل تولتها زوجته، وهي مديرة علاقات عامة حينذاك مع شركة "برونزويك".

الآن جائحة فيروس "كورونا"، حولت مشكلة ثابتة منخفضة المستوى إلى ما يمكن أن يكون مشكلة كبيرة للغاية، من خلال مضاعفة المعلومات الداخلية التي تطوف الأرجاء وكذلك مضاعفة فرص سرقتها.

تقول ليزا زورنبيرغ، وهي مدعية فيدرالية سابقة أصبحت الآن شريكة في شركة "ديبيفواز للمحاماة": "في أوقات الأزمات، يميل الناس إلى أن يكونوا أكثر ثرثرة، مدفوعين بالخوف والقلق. عندما تخطط شركة لتقليص حجمها، أو تقديم طلب إعلان الإفلاس، أو لديها اكتشاف طبي هائل محتمل، يمكن أن تنتشر هذه الأشياء كالنار في الهشيم".

مع وجود كثير من الأشخاص الذين يعملون من المنزل، يكون من الصعب على ​المصارف​ والوسطاء والشركات الأخرى التأكد من امتثال الموظفين تماماً للقواعد التي تمنع عادة سوء السلوك. مثلا، ​الهواتف المحمولة​ الشخصية محظورة في معظم صالات التداول لضمان تسجيل جميع المكالمات الصوتية. لكن مثل هذه القواعد تنفيذها يكاد يكون مستحيلا عندما يكون العمل من المنزل.

أيضاً، أنماط العمل الجديدة جعلت بعض أدوات الامتثال أقل فاعلية. يستخدم كثير من المصارف والوسطاء برامج مراقبة السوق وأدوات التعلم الآلي لتحديد الموظفين الذين يتصرفون بشكل مريب. لكن التحول إلى العمل من المنزل في الأيام الأولى من الجائحة قوض تماماً نماذج الممارسة "العادية"، ما يجعل من الصعب جدا اكتشاف أي شخص يتصرف بغرابة.

حتى عندما يبذل الموظفون قصارى جهدهم للامتثال للقواعد، العمل من المنزل يثير مسائل أمنية. خلال الأوقات العادية، عادة ما تجتمع الفرق التي تعمل في صفقات رفيعة المستوى معاً، وعندما تكون هناك أطراف متعددة مشاركة، تجرى معظم المفاوضات وجهاً لوجه في غرف اجتماعات منعزلة. خلال الجائحة يجب أن يكون كل شيء إلكترونياً وقد تفرق الناس على نطاق واسع. وهذا يزيد من فرص تعرض شيء ما للاختراق، أو أن يضل الاتصال وجهته.

المصارف والوسطاء يقولون، إنهم يحاولون معالجة هذا القلق من خلال ضمان بقاء الموظفين داخل شبكات إلكترونية آمنة حتى عندما يعملون من المنزل. يقول جيم ميللر، كبير مسؤولي التشغيل في "كلاود 9"Cloud9، إن الطلب على المنتجات التي توفر الأمان داخل الشبكات الإلكترونية، مثل خطوط الهاتف المسجلة القائمة على خدمة السحابة من "كلاود 9" لصالات التداول، قفز 50 % منذ آذار.

لكن شركات أخرى، حيث يكون الموظفون مطلعون على معلومات حول الأرباح أو عمليات التسريح أو قضايا الحقوق، ربما لم تتخذ الاحتياطات نفسها. قراصنة ​الإنترنت​ اخترقوا في السابق خدمات الأخبار الإلكترونية حيث تضع الشركات البيانات الصحافية ونظام الملفات الإلكتروني التابع لهيئة الأوراق المالية والبورصات، للحصول على نتائج الشركات. الآن بما أن كثيرا من معلومات الشركات التي كان يتم تداولها شخصياً أصبحت تناقش عبر ​البريد الإلكتروني​ أو مكالمات الفيديو، فإن احتمال الاختراق يكون مرتفعا.

هيئة السلوك المالي في ​بريطانيا​، حذرت الشركات المالية في أواخر الشهر الماضي من مخاطر الانتهاكات التي يمكن أن تحدث في السوق نتيجة لفيروس "كورونا". توقع رئيس الإنفاذ مارك ستيوارد، زيادة في مثل هذه الانتهاكات لأن كثيرا من الشركات المدرجة تؤخر تقارير الإبلاغ عن الأرباح، أو تجمع رأس المال للتعامل مع الجائحة.

مديرو التنفيذ المشاركون في هيئة الأوراق المالية والبورصات أصدروا بيانا في أواخر آذار، شددوا فيه على "أهمية الحفاظ على ​نزاهة​ السوق واتباع ضوابط وإجراءات الشركات" خلال الجائحة.

تتساءل زورنبيرغ: "هل ستظهر بعض حالات التداول من الداخل من هذه الفترة الزمنية؟". تجيب: "بالتأكيد، لكن الشركات الذكية تتخذ خطوات لمعالجة المخاطر والحد من انتشار المعلومات المادية غير العامة".

من المفارقات أن تخفيف الحظر التام قد يجعل بعض هذه المشكلات أسوأ. سيبدأ كثير من العاملين في الشركات في التواصل وجهاً لوجه مع مزيد من الأشخاص، لكنهم مع ذلك لن يعودوا إلى مكاتبهم الآمنة. هذا يزيد من وقوع الضرر - والتسريبات غير المقصودة.

يقول نيكولاس بايلي، المدير الإداري لشركة "داف آند فيلبس الاستشارية": "لقد تم تجاوز التقلبات العاجلة في السوق، لكن قضية التداول من الداخل هذه لن تختفي. في الوقت الحالي المتداولون هم الذين سيعودون إلى العمل في المكتب، لكن المصارف قد ترغب في إعطاء الأولوية لفرق الصفقات، لأنه لا يوجد شيء أكثر أماناً من وضعهم في غرفة خلف باب مغلق".