تتوقع مجموعة "لويدز أوف لندن" للتأمين، أن يتكبد هذا القطاع في العالم خسائر بقيمة 203 مليارات دولار خلال العام 2020 بسبب وباء "كوفيد-19"، مشيرة إلى أنها ستدفع تعويضات لزبائنها تصل إلى 4.3 مليار دولار، ما يوازي التعويضات بعد اعتداءات ​11 أيلول​.

وأوضحت المجموعة أن خسائر ​قطاع التأمين​ جراء فيروس "كورونا" المستجد ستكون شبيهة بالسنوات التي شهدت كوارث طبيعية كبرى، مثل الإعصار ​كاترينا​ عام 2005 وأعاصير هارفي وإيرما وماريا عام 2017.

هذه التعويضات التي ستترّتب على صناعة التأمين في العالم مرتبطة بالخسائر الناتجة عن تعطّل الأعمال "Interruption Business" بسبب الإقفال والتدابير التي فرضت في إطار تدابير الوقاية، وخسارة  الأرباح "Loss of Profit" الناتجة عن الإقفال.

أما معالجة المصابين بالوباء فكان على عاتق الضمان الاجتماعي في سائر دول العالم.

وبالنسبة إلى لبنان، فقد دعا وزير الاقتصاد راوول نعمة شركات التأمين إلى الالتزام بالسعر الرسمي أي 1515 ليرة للدولار، إلا أن هذه الأخيرة تعتبر أن الوزير لا يملك صلاحية فرض سعر الصرف، إضافة إلى ذلك، فإن ​مصرف لبنان​ نفسه تجاوز سعر الصرف، عندما سمح لشركات الصيرفة بتحديد سعر مغاير لسعر صرف ​الدولار​، كما حدد سعراً جديداً للأموال المحوّلة من الخارج، وسمح للمصارف بشراء ال​دولارات​ المودعة لديها بـ 3000 ليرة لبنانية للدولار.

عملياً، السعر الرسمي لم يعد صالحاً، إلا لدعم المواد الأساسية مثل ​الأدوية​ و​المحروقات​ و​القمح​ والمستلزمات الطبية.

من هنا، فإن السعر هو رسمي شكلاً ولكنه غير واقعي.

الخلافات بين الشركات والزبائن

في لبنان، مشكلة قطاع التأمين مزدوجة، إذ صحيح أن التكاليف التي تدفعها الشركات تراجعت بنسبة تتراوح بين 50 و75 % بفعل الحجر الصحي، وتراجع حالات الدخول إلى المستشفيات وغيرها، إلا أن ​العقبة​ الرئيسية استقرت في ​سعر الدولار​، العملة الرئيسية المعتمدة في العقود الموّقعة بين الشركات والمضمونين.

حتى تاريخه، ما زالت قضية تسعيرة بوالص التأمين في دائرة التساؤلات؛ هل رفعت شركات التأمين ​اسعار​ البوالص الملحوظة في العقود؟ هل حافظت على مستواها؟

هل القانون يخوّلها إجراء التعديلات على قيمة البوالص؟   

لقد تبيّن أن شركات التأمين التي تقبض الأقساط المدولّرة بالليرة وبالسعر الرسمي أي 1515 ليرة للدولا، تستعمل السعر الرسمي ذاته عند التعويض على الممتلكات و​السيارات​ المضمونة بعقود صادرة بالدولار.

فمثلاً، من تُسرق سيارته وثمنها 30 ألف دولار، تعرِض عليه شركة التأمين التعويض بقيمة 30 ألف دولار على أساس سعر الدولار 1515 ليرة (أي 45 مليون  ليرة)، بينما أصبح ثمن السيارة  في السوق 100 مليون ليرة على الأقل.

وهذا يسفر عن نشوء نزاعات بين المضمونين وشركات التأمين، خصوصا في مجال تأمين المخازن والأبنية ومحتوياتها.

ويرى الخبراء أن شركات التأمين لن تتمكن من الوفاء بالتزاماتها، وسوف تتعثّر، وتمتنع عن الدفع، أسوة بما تقوم به ​المصارف​ اليوم، إذا لم تستوف قسط التأمين بالسعر الرائج في السوق للدولار، أم تقبض دولارات ورقية جديدة  "Fresh ​money​".

خلال الشهرين الفائتين، ثمة سيارات عدة من نوع "4X4" تمت سرقتها في سائر المناطق اللبنانية، ومعظمها مغطى بعقد تأمين  محرر بالدولار عبر المصارف، بمبالغ تتراوح  بين 20 ألف دولار و200 ألف دولار. وتمنّع  الشركة اليوم عن تسديد قيمتها الحقيقية يجعل من المستحيل على المصرف الذي منح قرض السيارة أن يستعيد قيمة السيارة المسروقة.

القانون يؤكد عدم تغيير عملة العقد

وفق مصادر خبيرة في شؤون التأمين: هناك اجتهاد راسخ في لبنان، وفي العالم، ينص على أنه "لا يمكن لأي طرف تغيير عملة الدين". والتعويض الذي كانت تدفعه شركات التأمين هو دين  للمضمون محرر بالدولار، ويجب بالتالي دفعه بالدولار.

أما قبول شركات التأمين باستيفاء القسط بالليرة وفق السعر الرسمي، فهو يمّثل تنازلا منها عن حقها باستيفاء دولارات ورقية، ولا يعني أنه يتوّجب على المضمون التنازل عن حقه في الحصول على التعويض بالدولار الورقي.

على المستوى العالمي

على المستوى العالمي، أدى انتشار الوباء إلى تقلّص أعمال التأمين في سائر الفروع، لاسيما  تأمين نقل البضائع، والسيارات الجديدة، ومشاريع الأعمال بعدما شُلَّت ​حركة النقل​ والبيع والبناء. وهذا ما دفع بشركات التأمين في ​الدول الصناعية​ إلى اعتماد استراتيجيات جديدة تقضي بـ :

1- خفض النفقات الادارية وإلغاء المكافآت.

2- صرف الموظّفين في الدول التي يوجد فيها صناديق تعويض ​البطالة​ (Unemployment)، كما في ​الولايات المتحدة الأميركية​ حيث يبلغ عدد المصروفين من العمل زهاء 40 مليون شخص.

3- خفض الرواتب بين 25 و30 % إلى أن تعود الحركة الاقتصادية إلى طبيعتها.

4- إعفاء حملة عقود التأمين على الحياة من موجب دفع القسط في موعده بسبب الضائقة الاقتصادية، ومنحهم مهلة إضافية تتراوح بين 6 أشهر والسنة لدفع الأقساط المتأخرة، وذلك كي لا يضطر المضمون إلى طلب تصفية عقد التأمين وطلب استعادة مدخراته.

خلاصة القول، إن وضع شركات التأمين في لبنان ليس أفضل من وضع مصارف لبنان، سيما وأن بينها ثمة 12 شركة مملوكة من مصارف.

وأموال شركات التأمين في لبنان مودعة بمعظمها لدى مصارف أو موظّفة في سندات الخزينة اللبنانية، التي توقفت الحكومة عن دفعها، معلنة عن رغبتها بإعادة هيكلتها.

ولو تم تنفيذ "خطة لازارد" بإعادة هيكلة الدين وبدفع 25 % من قيمة السندات فقط، فإن شركات التأمين ستخسر 75 % من أموالها الموظّفة في سندات ​اليورو​ والليرة، إضافة إلى المدخرات التي جمعتها من حملة عقود التأمين على الحياة، وهي تبلغ عدة مليارات من الدولارات.

ويتجنّب اليوم وزير الاقتصاد الحديث عن تداعيات إعادة الهيكلة على شركات التأمين في لبنان، وهي أشد وقعا على الدائنين من توقف المصارف عن دفع الودائع.

من الواضح أن هناك رزمة تحديات كبيرة ومتنّوعة أمام قطاع التأمين العالمي، لكن في لبنان، فالمصير برمته على المحكّ، ومفهومه في توزيع المخاطر والأضرار الناتجة عن الحوادث يدور في فلك التساؤلات.