توصيف رئيس الوزراء ​حسان دياب​ ما جرى في سوق الصّرف خلال الأسبوع الماضي بـ "الغريب واللامنطقي"، يحمل الكثير من الدلالات حول مدى العجز الذي وصلت إليه الحكومة في مسار لجم انهيار العملة الوطنية، بعد انفلات سعر صرف الدّولار ووصوله إلى حدود الـ 5000 ليرة وذلك بعد يومين فقط من بدء خطة حكومية مصرفية يشترك فيها قطاع الصرافين، وهدفها لجم الدّولار إلى حدود الـ 3200 ليرة.

مرّ قطوع الأسبوع الماضي بعد استنفار من الرئاسات الثلاثة، أثمر توافقاً جديداً وتشدداً في ضبط السوق، ووعوداً من حاكم ​مصرف لبنان​ بضخ 30 مليون دولار أسبوعياً لتخفيف حدّة خسائر الليرة وضرب ​السوق السوداء​، فيما يجري العمل على إطلاق المنصة الالكترونية لضبط سوق الصّرف أيضاً.

وحول إمكانية وجدوى هذه الخطط، يرى الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين، أنه "من الواضح أن نتائج ضخ الدّولار اليوم في الأسواق معروفة النتائج، حيث فشلت هذه العملية في يومها الثاني من تخفيف حدّة خسائر الليرة".

وقال ناصر الدين، إن "المشكلة اليوم أبعد من "أزمة حاجة السوق للعملة الصّعبة"، حيث تتعدد المشاكل في لبنان، إنطلاقاً من مشكلة الدّولار السياسي مروراً بأزمة الواقع الإنتاجي، ويضاف إليه الاقتصاد المأزوم، ويفاقمه الحصار الخارجي، ما يؤكد استمرار الأزمة الحالية المتمثلة بانهيار سعر صرف العملة الوطنية".

وأضاف ناصر الدين، إن "الإجراءات التخفيفية على المديات القصيرة لا تؤمن الحلول للواقع المأزوم، فيما المطلوب اليوم، ​إجراءات حكومية​ اقتصادية عاجلة، قوامها تنمية الإنتاج، شبيهة بالجهود التي تبذلها وزارة الصناعة اليوم في دعم هذا القطاع".

وأكد الكاتب والباحث الاقتصادي، أن "الخطة التي اعتمدتها الحكومة في تحرير سعر صّرف الليرة بهذه الطريقة كانت مؤذية للعملة الوطنية، فيما تعاميم مصرف لبنان وتعاطيه مع الواقع النّقدي الليرة آذى أيضاً، في حين كان تصرف ​المصارف​ وتعاملها مع أموال المودعين الأكثر تأثيراً في الواقع الذي وصلنا إليه والضرر الذي لحق ب​الليرة اللبنانية​".

ورأى ناصر الدين، أن "من خلق الأزمة الحالية اليوم، هم مصرف لبنان والمصارف والحكومات السابقة، فيما قابلتها الحكومة الحالية بإجراءات ضعيفة، نتج عنها عدم الوصول إلى حل للأزمة، وباتت الأطراف المتسببة بالإنهيار غير قادرة على حل المشكلة".

واستغرب ناصر الدين، ما كُشف عن إمكانية التوصل إلى تسوية بين الحكومة والمصارف ومصرف لبنان، وأكد أن "التسوية لا تفيد في الاقتصاد، فيما المطلوب قرارات مفيدة وخطة جريئة تشمل إصلاحات".

وأكد ناصر الدين، إنه "عندما يتراجع ال​استيراد​ بنسبة 50 % ويرتفع الطلب على ​الدولار​، فذلك يدل على أن ما نشهده من أزمة في سوق الصّرف لا يندرج في الإطار التقني، إنما في المشكلة البنيوية للاقتصاد، والعجز في ​الميزان التجاري​ وميزان المدفوعات، والعجز في ​الحساب الجاري​ والعجوزات الكثيرة الأخرى، في مقابل غياب الإنتاج الوطني، ويضاف إلى هذا الواقع التطور الجديد المرتبط بفرض "قانون قيصر" الذي يحاول فرض حصار أكبر على لبنان و​سوريا​ معاً".

وحول قيام مصرف محدد ومعروف بعملية تهريب ​دولارات​ منذ آب 2019 وما نتج عنه من انهيار لليرة، شدد ناصر الدين، على أن "هذا الإجراء خطر للغاية، وكان من المفروض أن يهز كل لبنان"، وقال: "إن أحد المصارف حصل على مبالغ من الليرة مطبوعة حديثاً وعمل على شراء الدّولار من السّوق". وأكد أنه "من المطلوب تحرّك الدّولة بكافة أجهزتها وسلطاتها، وحتى لو قام مصرف تجاري بعمل غير قانوني فإنه يجب محاسبته".

وتابع ناصر الدين: "هناك قطاع أوصلنا إلى الأزمة حالياً، وعلى كل من يدافع عن هذا الواقع النّقدي وهم من المستفيدين منه، أن يكف عن طرح الأفكار والأرقام والتنظير الذي لا ينفع، فيما الأجدى اليوم اتخذا الإجراءات على الأرض ومعاقبة الفاسدين ومن أخرج الأموال إلى خارج لبنان، واستعادة هذه الأموال".

وشدد الكاتب والباحث الاقتصادي، على أنه "يلزم وجود دور فعال لهيئة الرقابة على المصارف"، وأكد أن وجود مجلس مركزي صُوَري مرفوض في ظل هذه الظروف، بحيث أن كل المجالس المركزية السابقة في مصرف لبنان كانت صُوَرية فيما المطلوب العمل بجدية ومعرفة إحتياطي الليرة اللبنانية والدولار وكيف يتم استعمالهما".

وفي حديثه عن الحلول الاقتصادية، شدد ناصر الدين على "ضرورة وجود ضغط شعبي لإجبار الحكومة على المضي في هذا المسار، بحيث أن استيراد ​المحروقات​ والطحين من ​روسيا​ فقط يوفر على لبنان مبلغ 4 مليارات دولار سنوياً".

وقال: "التوجه إلى هذه الخيارات يتسبب بخسارة المستفيدين من السياسات الحالية مئات ملايين الدولارات، وهو ما يحتم وجود ضغط شعبي على الحكومة للمضي في اتباع سياسات وتوجهات اقتصادية جديدة".

وأضاف، أن "لبنان اليوم محكوم بين الواقع السيء والأسوأ"، وقال "إن السيء هي الخطة النقدية التي طرحتها المصارف بالتعاون مع مصرف لبنان، والأسوأ القادم من ​صندوق النقد​ الدّولي".

ورأى ناصر الدين، أن "سياسات "صندوق النقد" تطبق بكل تفاصيلها منذ سنوات في كل الإدارات الوزارات وبالتفاصيل، وأثبتت هذه السياسات فشلها، فيما المطلوب اليوم التوجه نحو الإنتاج والخيارات الإصلاحية".

واعتبر أن "ما يحصل اليوم هو نوع من التسويات الدّاخلية، بحيث أن الحكومة عملت على تكبير خسائرها بشكل غير منطقي، فيما يعمل مصرف لبنان والمصارف على تحميل خسائرهم للناس والمودعين والدّولة وأملاك الدّولة، وهذا إطار يؤذي الاقتصاد".

وختم ناصر الدين بالتشديد على "ضرورة حصول ثورة اقتصادية تخرج هذا النظام بكامله من دائرة المسؤولية، وتُدخل اقتصاديين وطنيين قادرين على تحويل الاقتصاد إلى منتج وأخذ قرارات مفيدة".

وأكد أن "كل الخيارات الحالية من صندوق النقد والمصرف المركزي والمصارف والقرارات النقدية، هي السياسية اقتصادية نقدية فاشلة لا نتيجة لها".