هو رجل عصامي بدأ من الصفر، فاجتهد وكافح وناضل، حتى نجح بعمر صغير في أن يكون رائد أعمال متمرّس، مثابر، وواثق بنفسه. فحقق نجاحات متتالية، استطاع من خلالها رفع راية بلاده في الخارج.

يؤمن بضرورة التنوع، ويسعى دائما لاقتناص الفرص، لخلق مشاريع متنوعة وخلاقة. حيث يعتبر أن أفضل وسيلة لنشر المخاطر، والسير ​بطريق​ أكثر استقرار، هي عبر الدخول الى أسواق متعددة، وعدم الاحتفاظ بمصير العمل، في جانب واحد فقط، وذلك لحماية نفسه من مفاجآت السوق.

فلنتعرف على قصة، رائد الأعمال ال​لبنان​ي نجيب صباغ، في هذه المقابلة الخاصة مع موقع "الاقتصاد"، لكي يكون لنا مثلا يحتذى به.

- من هو نجيب صباغ؟

تخصصت في ​علم​ النفس الصناعي للشركات (industrial psychology)، لكنني لم أعمل في هذا المجال على الإطلاق، بسبب شعوري بعدم الانتماء، بعد خضوعي لفترة تجريبية.

انطلقت مسيرتي المهنية في العمل كـ"runner" أو ساعٍ، في مجال ​التلفزيون​؛ أي أن عملي كان يقتصر على إحضار ​الماء​ والقهوة، وتوصيل الأوراق،...

توظفت للمرة الأولى بعمر 23 عاما، وبعد ذلك، عملت لمدة سنتين في شركة الإنتاج التلفزيوني "Endemol". وعام 2012، أسست شركة الإنتاج الخاصة بي "Natural Star"، وبعد ذلك، افتتحت مشروعي الأول في لبنان، ​مطعم​ "Odin"، في منطقة المزار - كفرذبيان، ومن ثم المشروع الثاني، منتجع "Odom"، في كفرذبيان أيضا.

في نهاية 2017، شعرت بالحاجة للانخراط في ​العالم الرقمي​، والذكاء الاصطناعي، من أجل مواكبة النشاط العملي خلال السنوات القادمة. ومن هنا، ولدت فكرة "Mirror"؛ وهي عبارة عن برنامج يساعد الشركات والعلامات التجارية، على معرفة من يستخدم منتجاتها وخدماتها، ويقدم معلومات حول أعمار الزبائن، وجنسهم، جنسياتهم،... وذلك بهدف التعمق أكثر في مشاريعهم التجارية، والتعرف الى جوانبها كافة.

بدأت بتطوير "Mirror" في عام 2018، وتم الإطلاق الرسمي في نهاية 2019. ونحن نتعامل اليوم مع دول الخليج، في حين لا نركز كثيرا على السوق اللبناني المحلي، بسبب الأوضاع الاقتصادية القائمة. مع العلم أن مقر شركاتنا الأساس، موجود في بلدي الأم، بسبب إيماني بضرورة التمسك بوطننا لبنان.

- برأيك، ما هي الصفات التي ساعدتك على التقدم وتحقيق النجاحات في هذه المجالات المتنوعة والمختلفة؟

الفكرة الأساسية من مشاريعي المتعددة، جاءت من أسلوب معيشتنا في لبنان، وحالة عدم الاستقرار القائمة على الدوام. اذ لا يمكن التأكد من إمكانية نجاح أو فشل مشروع ما في مجال معين، كما لا نستطيع معرفة متى قد تحصل أزمة، تؤثر على حركة الأعمال.

ومن هنا، فضلت التوسع في استثماراتي، وتنويعها ما بين وسائل الإعلام، المطاعم، ​الفنادق​، والتكنولوجيا. حيث لا يمكن أن تتوقف جميعها عن العمل، في آن واحد، ومع بعضها البعض. وبالتالي، مهما اشتدت الصعاب في المستقبل، سنضمن استمراريتنا من خلال هذا التنوع!

ولا بد من الاشارة، الى أنني أهوى العمل في مجالات مختلفة، منذ ​الطفولة​، ولهذا السبب، عمدت الى بناء الواحدة تلو الأخرى، ومن نجاح المشروع الأول، أسست الثاني، وهكذا دواليك...

ولكن في هذه المرحلة، تتوزع المهام على فريق عمل مجتهد ونشيط، بسبب عدم قدرتي على إدارة جميع المشاريع معا؛ مع العلم، أنني أتحقق من صحة سير الأعمال في كل مشروع، بشكل يومي، كما ألاحق جميع التفاصيل المتعلقة بها.

أنا أؤمن في ضرورة "التنوّع"، وذلك لكي يحصل الانسان على المداخيل من جوانب عدة، ليضمن بذلك استمراريته وديمومة أعماله. فالشركة التي لا تحقق أرقاما إيجابية خلال فترة معينة، تعوض عنها الشركات الأخرى، وبهذا، نحافظ على وجودنا في سوق العمل.

أستيقظ يوميا بإرادة صلبة من أجل تغيير الواقع وتحسينه، ومن مرحلة إلى أخرى، وبالمثابرة والنضال، وصلت إلى ما أنا عليه اليوم.

وأعتقد أن كلمة "مثابر" تصفني؛ فأنا لم أؤمن يوما بوجود حائط أو حاجز يمنع أي شخص من تحقيق أحلامه. الحواجز موجودة حتما في هذه الحياة، ولكن بإمكان الإنسان تخطيها، والقفز من فوقها، أو حتى الالتفاف من حولها.

- من قدم لك الدعم في رحلتك المهنية؟

لم أحصل يوما على الدعم المادي من أحد، فأنا قادم من عائلة متوسطة الدخل، وكنت بعمر صغير جدا عندما توفيت والدتي. لكن والدي لطالما قدم لنا كل ما نحتاجه ضمن قدراته، كما علّمنا في أفضل المدارس والجامعات.

لكنني في المقابل، حصلت حتما على الدعم المعنوي المتواصل، من جميع المحيطين بي.

- ما هي تطلعاتك المستقبلية على الصعيد المهني؟

مشاريعي كثيرة، وأعتقد أنني بعيد جدا عن تحقيق كامل طموحاتي، اذ أعتبر نفسي ما زلت في بداية الطريق، في جميع المجالات التي استثمرت فيها.

نطمح في "Mirror" للدخول الى السوق الأوروبي والأميركي. كما نحضر لـ"Natural Star"، العديد من المشاريع، في ظل التحول الإعلامي الحاصل اليوم، وتغيّر طريقة الجمهور في استهلاك وسائل الإعلام أيضا.

من جهة أخرى، أطمح الى توسيع نطاق عمل "Odin" و"Odom"، وإيصالهما إلى بلدان عدة.

- هل عانيت من استخفاف البعض بقدراتك بسبب دخولك الى عالم الأعمال بعمر صغير؟

لقد واجهت هذه المشكلة في الماضي، ولكن اليوم، تغيرت الأمور الى حد كبير، وباتت السمعة الجيدة، والشفافية في التعامل، والاهتمام في جوانب العمل كافة، من العوامل التي تحدد كيفية النظر إلى الشخص.

فالنجاح لا يتعلق بعمر معين، بل إن الخبرة تلعب دورا كبيرا في هذا المجال، إضافة الى إحاطة أنفسنا بأشخاص إيجابيين ومحترفين.

- هل شعرت بالتقصير تجاه حياتك الاجتماعية والعائلية بسبب أعمالك المتعددة؟

لم أتزوج في عمر مبكر بسبب انشغالاتي المهنية المتنوعة، ورغبتي في بناء مشاريعي. وبالتالي، لم أفكر في الارتباط في وقت سابق، كما لم أجد الوقت المناسب، والشخص المناسب أيضا، للقيام بهذه الخطوة المصيرية.

لقد انتزع مني عملي، جزءا لا بأس به من حياتي العائلية والاجتماعية على مدى سنوات طويلة، ولكنني تزوجت في العام الماضي، بعد أن وجدت الشريكة المناسبة. وما زلت، إلى حد اليوم، منشغلا بأعمالي وسفراتي المتعددة والأسبوعية. لكن زوجتي متفهمة لأقصى الحدود، وتدعمني على الدوام؛ فالدعم والتفهم العائلي، عاملان أساسيان للغاية في حياة أي شخص ناجح.

فصاحب المشاريع لا يضحي ويتعب ويجتهد من أجل نفسه فحسب، بل لضمان مستقبل عائلته أيضا.

- ما هي الصعوبات التي تواجهك خلال العمل في لبنان؟

الصعوبة الأكبر في عالم ​ريادة الأعمال​، تكمن في المسؤولية المتأتية عنه، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة، كالتي نمر بها اليوم. اذ لدي من حولي عائلة مؤلفة من نحو 50 شخصا، ومن مسؤوليتي الاهتمام بهم.

ومن ناحية ثانية، كيف نستطيع الاستمرار بخلق الأفكار والمشاريع الجديدة، في ظل كل ما يحصل من حولنا؟

- ما هي نصيحة نجيب صباغ الى جيل ​الشباب​؟

لبنان مليء بالفرص، والعولمة تتيح لنا الجلوس على رأس الجبل، والتواصل مع أي بلد في العالم.

على كل إنسان في مجال عمله، أن يحاول التوسع، وبيع خدماته أو منتجاته عبر ​الانترنت​. اذ لم يعد الشخص مضطرا للسفر من دولة الى أخرى لتسيير أعماله.

كل شخص يرغب في الانطلاق في عالم ريادة الأعمال من بلده الأم لبنان، هو قادر حتما على تحقيق ذلك. أما من يريد أن يدخل في مجال ​التوظيف​ ويصل في ترقياته الى أعلى المناصب والمراكز، فأعتقد أن لبنان ليس البلد المناسب لذلك؛ إذ لا توجد شركات قادرة على تحمل عدد كبير من الموظفين، وايصالهم الى المراكز التنفيذية والإدارية على نطاق واسع.

لبنان بلد يعاني اليوم بكل مجالاته وقطاعاته، ولكنه حتما سوق رائع وتنافسي للانطلاق! فاذا نجحت في لبنان، من المؤكد أن ستنجح في الخارج. ولهذا السبب، أشجع كل شخص قادر على البقاء، أن لا يتخلى أبدا عن هذا الوطن الجميل!