يارا نادر، شابة ​لبنان​ية طموحة ومثابرة، لم تستسلم للصعوبات، بل اعتبرتها بداية جديدة، فحملت معها أحلامها وآمالها، لتثبت أن غدا أكثر إشراقا.

ففي وقت سيطر ​الاكتئاب​ والسلبية على نفوس الكثيرين، لم تترك مجالا لليأس، بل تحلّت بالمرونة، وعمدت الى تقبل الوضع القائم، والاستفادة منه، بهدف تقديم منتجات المونة، التي يحبها الجميع! لتؤكد بذلك مقولة: "هل تستطيع السير وأنت تنظر الى الخلف؟ طبعا لا، لأنك ستقع. ولكن اذا نظرت الى الأمام تستطيع الجري".

من هي يارا نادر؟ وكيف قررت تأسيس "Yara’s Kitchen"؟

تخصصت في علوم التغذية في لبنان، وأكملت دراستي في مجال هندسة الأطعمة (food safety engineer)، في ​فرنسا​.

عام 2015، وبعد نيلي شهادة الماجستير، حصلت على فرصة عمل في شركة فرنسية، لكنني فضلت العودة الى لبنان، لكي أحاول الانطلاق من بلدي الأم.

وبسبب أملي بمستقبل زاهر، وشغفي بالطهي وابتكار الأطباق والوصفات الجديدة، ولدت فكرة "Yara’s Kitchen". اذ أردت تغيير الأفكار المسبقة حول الحميات الغذائية؛ فبعض الأشخاص يعتقدون أن الطعام الصحي والمخصص للحميات، سيكون بمثابة عقاب لمن يأكله. ولهذا السبب، قررت أن أؤكد للناس أن المأكولات الصحية ليست مملّة على الإطلاق، بل بإمكاننا الاستمتاع بها، واختياره كأسلوب حياة. وبهذه النقطة بالتحديد، اختلفنا وتميزنا الى حد ما، عن مراكز التغذية الموجودة في لبنان.

فشعارنا هو "Deliciously Light"، أي بمعنى "خفيف ولذيذ"، وبالتالي، نقدم وصفات شهية جدا، وصحية أيضا.

كنت بعمر السابعة والعشرين عندما بدأت مسيرتي المهنية، وكانت المنافسة من حولي واسعة، ومن هنا، أردت أن أميز نفسي، لكي لا يتم وضع "Yara’s Kitchen" في خانة مراكز التغذية. وكان التحدي كبيرا جدا، من أجل تحويل الوصفات التقليدية، الى مأكولات صحية.

ولا بد من الاشارة الى أننا كنا في البداية نقدم وجبات الغداء فقط، حتى وصلنا الى تقديم الإفطار والعشاء أيضا، إضافة الى لوائح طعام متعددة (لائحة نباتية، مأكولات بنسبة عالية من البروتين،...). لدينا خدمة مناسبة لكل شخص!

كيف تقيمين نسبة الإقبال على "Yara’s Kitchen" خلال فترة العمل؟ وما الذي يميز خدماتك؟

لقد بدأت مشروعي بمفردي، ومع الوقت، أي عندما شعرت أن الناس يحبون ما نقدمه، قررت اتخاذ خطوة التوسيع. ولقد تعلمت إدارة هذا العمل، من خلال نصيحة من هنا، ودعم من هناك.

أما ما ميزنا عن غيرنا، فكان الرابط المباشر مع الزبائن. ومن خلال الأصداء الإيجابية، وصفحاتنا على "​فيسبوك​" و"​إنستغرام​" تمكنا من تكوين قاعدة وفية من الزبائن.

كيف عايشت المرحلة الانتقالية التي فرضها عليك فيروس "كورونا" و​الوضع الاقتصادي​ وارتفاع الأسعار؟

قبل 17 تشرين بفترة صغيرة، شعرنا أن البلد يتغير والحالة الاقتصادية تتدهور، وتتجه نحو الأسوأ. وخلال الثورة، بدأت الأسعار بالارتفاع، لترتفع معها أيضا التكاليف. ولطالما عارضت زيادة الأسعار على الزبائن، لذلك عمدت الى تثبيتها، رغم فرق ​الدولار​؛ حيث أعتبر أن الأزمة التي أمر بها، يعاني منها الزبائن أيضا، وبالتالي علينا التكاتف مع بعضنا البعض. ومن هنا، فضلت تحمل الأعباء في سبيل الحفاظ على الشركة، وضمان استمراريتها.

لكن الضربة القاسية جاءت مع انتشار فيروس "كورونا" المستجد في لبنان. فاضطررنا الى إغلاق أبوابنا لأشهر عدة؛ اذ أردت حماية الموظفين والزبائن أيضا. وحتى على الصعيد المالي، لم نكن قادرين على الاستمرار. ولذلك، توجهت الى ​مسقط​ رأسي بلدة القبيات في محافظة ​عكار​ شمال لبنان؛ والداي يعيشان هناك بشكل دائم، ويزوران بيروت بين حين وآخر.

وفي البلدة، لدينا كرم عنب وأرض مليئة بالزعتر، وحتى أننا نزرع منذ سنوات الخضار و​الفواكه​ العضوية. ومعظم الخضار التي كنا نستخدمها في "Yara’s Kitchen"، كانت مزروعة في أرضنا.

عدنا الى جذورنا وأرضنا، خاصة أن والدي يحب الزراعة والعمل في الأرض، كما أن أمي تهوى صناعة المونة. اذ لا يجوز الاستسلام و"انتظار الفرج"، رغم الأوضاع الصعبة والسيئة، من ناحية كورونا والوضع الاقتصادي أيضا. وانطلاقا من هذا الواقع، قررنا الاستفادة من منتجاتنا، لتقديم ما يحبه الناس؛ فكل منزل في لبنان يحب الزعتر، اللبنة، الشنكليش،... وهذا تراثنا! كما هناك العديد من الأشخاص الذين يحبون هذه المأكولات، لكنهم لا يعرفون طريقة تحضيرها.

من هنا، توقفنا العمل في تقديم الطعام (catering)، وركزنا كامل اهتمامنا على المونة. وهدفنا طويل الأمد، هو إطلاق خط للمونة اللبنانية، من جميع الأنواع، لنتمكن في نهاية المطاف، من تأسيس علامتنا التجارية الخاصة، نعرّف الناس من خلالها الى هويتنا، تراثنا، ومأكولاتنا. وتكون في الوقت ذاته، متاحة للجميع، وبأسعار مدروسة جدا؛ اذ أؤمن بشدة، بحق الجميع في الوصول الى الطعام.

هل تلاقي منتجاكم التفاعل المتوقع من الناس؟

بدأنا بنطاق صغير، وقدمنا العرق من كرمنا، والزعتر من أرضنا، واللبنة والشنكليش من مزارع البلدة، تحت اسم "Yara’s Kitchen". وذلك لكي نلتمس تفاعل الناس على هذه المنتجات. ولحسن الحظ أن الإقبال كان ممتازا.

وأعتقد أنه في ظل الضائقة الاقتصادية القائمة، ستعود كل المنتجات المحلية للازدهار، بسبب عدم قدرة الناس على شراء ما هو مستورد. وبالتالي، علينا الاستفادة من هذا الواقع، ومن أراضينا الواسعة أيضا، لأن قوة لبنان في زراعته.

ومن هنا، أشجع الجميع على استثمار الأراضي المهملة، وزراعتها، لكي نسهم جميعا في التغيير نحو الأفضل.

كيف تنجح منتجات "Yara’s Kitchen" في منافسة الأسماء و​الشركات الكبيرة​ الموجودة في الأسواق منذ فترة طويلة؟

قد لا أتمكن من منافسة الأسماء الكبيرة، مع العلم أن كل شخص يتمتع بسمة معينة، تميزه عن غيره، ولو قدم شخصان المنتج ذاته، فكل واحد سيقدمه بطريقة مختلفة عن الآخر!

وتجدر الاشارة الى أننا لا نستخدم المواد حافظة والإضافات الاصطناعية، لأننا لا نبيع منتجاتنا لهدف تجاري بحت، بل بسبب شغفنا في الزراعة وصناعة المونة.

نسعى الى حثّ الناس على الاعتياد على منتجاتنا، وأعتقد أنه عندما نعتمد الأسعار المدروسة، سيتشجع اللبنانيون أكثر على تجربتها، خاصة في ظل الضائقة المعيشية التي نمر بها.

هل تعتقدين أن "Yara’s Kitchen" قادرة على الصمود وتخطي الأزمة؟

حصلت على فرص عدة للهجرة من لبنان، ولكن هذا الرابط القوي الذي يجمعني ببلدي الأم، يمنعني من اتخاذ هذا القرار والقيام بهذه الخطوة.

فطالما أن الشخص شغوف وطموح وصاحب استراتيجيات واضحة، سيتخطى جميع الحواجز مهما طالت الفترة واشتدت الصعاب. ومن هنا أقول لا للاستسلام، ولو ضاقت الدنيا وازدادت الضغوط.

ما هي الرسالتك التي تودين إيصالها في نهاية هذه المقابلة؟

أنصح جميع الأشخاص الذين يمتلكون أراض زراعية، بالعودة اليها والاهتمام بها، لأن الطبيعة كريمة ومعطاءة.

عودتنا الى الأرض خلال فترة "كورونا"، كانت بمثابة تجربة إيجابية، أتاحت لنا التعرف الى جوانب من الحياة، لم نكن نوليها أي اهتمام. فعلى الصعيد الشخصي، لم أتخيل يوما أن أتعلق بالأرض لهذه الدرجة.

علينا النظر الى الجوانب الإيجابية من الأمور، لكي نتمكن من تطوير أوضاعنا وتحسينها. فلنتحلى بالأمل ونبتعد عن الاستسلام، وننظر الى الغد الأفضل. فلنتخطى الصعوبات والأفكار السلبية بالتفكير الإيجابي والبنّاء. فلنبحث عن حافزنا ونعمل على صقله وتقويته. فلنعد الى أراضينا، ولنستثمر في جذورنا. فلنستفد من شغفنا لتقديم ما هو مفيد، ولو بشكل بسيط.

نحن معا في هذه الأزمة، واذا لم نتعاون ونشبك أيدينا بأيدي بعضنا البعض، فلن نتمكن من اجتياز المرحلة الصعبة.