أقرّت الحكومة في جلستها الأخيرة التعيينات الإدارية والمالية للدولة بالطريقة نفسها التي كانت متّبعة منذ سنوات، متجاوزةً القانون الذي تمّ إقراره مؤخراً في مجلس النواب.

وعلى الرغم من تأكيد وزير ​السياحة​ والشؤون الإجتماعية ​رمزي مشرفية​، أن المجلس أقرّ التعيينات الإدارية وفق الكفاءة والجدارة والخبرة، إلا أن هناك إجماع "غير رسمي" على أن ​المحاصصة​ الطائفية والحزبية هي التي غلبت كافة المعايير الأخرى، كما جرت العادة.

في بلدٍ على حافة الإنهيار، إن لم يكن قد دخل المرحلة الأولى منه، كيف يمكن لهذه الطبقة أن ترضخ لمخاوف الشعب وتتجه ولو لمرّة واحدة الى التعامل مع الأمور بجديّة ومسؤولية؟ دون أن ننسى طبعاً المناوشات التي لازالت جارية حول الأرقام المتضاربة لحجم الخسائر بين أعضاء الوفد اللبناني في المفاوضات مع "صندوق النقد".

ولمعرفة المزيد حول أثر هذه التخبّطات وعدد من المواضيع الأخرى، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الإقتصادي د. بلال علامة:

- ما هو رأيك بالتعيينات المالية والإدارية التي جرت يوم أمس؟

- أسوأ صورة يطل بها لبنان بتاريخه! هذه التعيينات بالشكل الذي حصلت فيه هي ضرب لكل ما تبقى من قيم إدارية وأخلاقية بالعمل الحكومي في لبنان، أعتقد أن الصيغة التي مرت بها الأمور على هذا النحو وكأن هناك نية للقول إن هذه السلطة أو هذه الدولة لن تذهب الى مسار جيد بعد الآن.

بهذه التعيينات تم خرق قواعد قانوينة وإدارية. على مر التاريخ لم يحصل أن تم تعيين محافظ لمحافظة لم تنشأ بعد (محافظة كسروان)، وهذا ينتج عنه هدر بالمال العام وتضارب بالصلاحيات وخلل بهيكلية الدولة الإدارية، ما يعني أن الأمور لا تبشر بالخير!

من باب أخر نعرف أن لبنان يرزح تحت أزمة مالية إقتصادية لم يشهدها في السابق، خاصة على مستوى المالية العامة وعلى مستوى إنفاق ​القطاع العام​، وكل التوجهات تشير إلى أنه يتوجب على الحكومة اللبنانية المسارعة إلى ترشيد وتخفيض إنفاق هذا القطاع لمحاولة رأب الصدع بميزانية المالية العامة، إلا أننا نفاجأ بهذه التعيينات، ما يعني أننا ذهبنا نحو ​الإنفاق​ دون أن يكون هناك اعتمادات ملحوظة ودون أن يكون هناك اعتبار لكل الواقع المالي والإداري والإقتصادي القائم .

تحدثت وزيرة المهجرين عن اتجاه الحكومة للطلب من حاكم "​مصرف لبنان​" خفض رواتب النواب، ما رأيك بذلك ؟

نعرف أن موظفي "مصرف لبنان" لا يتقاضون رواتبهم مباشرة من الحكومة و​موازنة​ المركزي مستقلة. كيف للحكومة أن تطالب بخفض رواتب نواب حاكم المصرف في الوقت الذي لم تجرِ بدورها أي تخفيض للقطاع العام الخاضع لصلاحياتها المباشرة.

كنا نتمنى لو أنهم يبررون بطريقة علمية أفضل. التبرير الخاطئ يجعل الخطأ أكبر، والتبريرات غير العلمية تجعل الأمور أسوأ.

ماذا يعني توحيد أرقام الحكومة والمصرف المركزي؟ هل هو أمرٌ مقبول أن يتم "الإتفاق" على حجم الخسائر؟

بالطبع الأمر غير مقبول، إنه لمن المستهجن أن تذهب ​الدولة اللبنانية​ لمفاوضة صندوق النقد بوفد هو فعليا مكون من عدة وفود:

الوفد الأول يمثل الحكومة ووزير المالية، الوفد الثاني هو لمصرف لبنان ومن خلفه جمعية ​المصارف​، الوفد الثالث هو وفود المستشارين. وهنا لا أفهم لماذا مستشاري كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يجب أن يتواجدوا في الوفد، فهذا ليس منطقي ولا طبيعي، وليس هكذا تتكون الوفود.

بالنهاية هناك طرحين تقدموا بهما إلى "​صندوق النقد الدولي​"، فالحكومة ومن معها تقدموا بورقة مالية محاسبية تبين الأرقام والحسابات والخسائر، وسعت الحكومة من خلال تقديم هذه الورقة إلى تحميل كل المسؤولية وكل الخسائر إلى قطاع المصارف التجارية والمودعين، مستخدمة الأرقام لاستعطاف "صندوق النقد الدولي" واستعجاله لتقديم المساعدات.

أما الورقة التي تقدم بها وفد مصرف لبنان تميل أكثر إلى الواقعية، حيث وزع الخسائر بجزء منها على المصارف وجزء آخر على السلطة السياسية التي أمعنت بإنفاق غير مجدي على فترة طويلة أدت لما حصل من خسائر على مستوى الدولة اللبنانية، ولم يعترف بـ 151 مليار الذين سجلوا كخسائر لا بل اعتبرهم أقل من ذلك بكثير.

تقدّم حاكم المركزي رياض سلامه خلال اللقاء الأخير الذي عقد منذ عدة أيام في القصر الجمهوري مع الرؤساء، خطي وقد أراد تسجيله بشكل رسمي، يحمل فيه السلطة مسؤولية الخلل الوارد بأرقامها المقدمة إلى "صندوق النقد الدولي"، بالإضافة الى تحميلهم كامل المسؤولية عن التبعات المالية التي ستترتب على القطاع المصرفي اللبناني من جهة وعلى المودعين اللبنانيين من جهة ثانية.

ووفقاً لرأي حاكم مصرف لبنان فالورقة المالية التي تقدمت بها الحكومة هي ورقة خطيرة جدا على مستوى التوازن المالي الحالي والمستقبلي للبنان.

ما هي توقعاتك للفترة المقبلة في ظل الوتيرة التي تسير بها المفاوضات مع "صندوق النقد"؟ هل سيتمكن اللبنانيون من الصمود في ظل هذا الإرتفاع بسعر الصرف وارتفاع نسبة ​البطالة​؟

"صندوق النقد الدولي" عند آخر جلسة منذ أسبوع تقريبا طالب بالإنتقال إلى التفاوض التقني، وهنا سأقوم بمفارقة بسيطة: في مصر، خلال 3 اسابيع كان "صندوق النقد" قد قرر منح ​قروض​ للدولة المصرية، بينما في لبنان وبعد الأوراق المالية التي تقدمت وبعد تدخلات المستشارين، أصبحت الصورة قاتمة لدى الصندوق فطلب أن يتحول إلى مفاوضات تقنية، ما يعني درس الأرقام وتفنيدها لمعرفة أين يكمن الخلل.

ونعرف جميعا أن "صندوق النقد" عندما يذهب إلى دراسة الأرقام تقنيا سيذهب بتوصيات إلى الحكومة اللبنانية بفرض إجراءات و إصلاحات وتدابير معينة لأنه يريد ان يطمئن بأن هذه القروض لن تذهب هباءً ولن يتم هدرها.

كيف سيؤثر ذلك على الوضع الإقتصادي والوضوع المعيشي للمواطن في لبنان ؟

دائما الحركة الإقتصادية تعكس صورة المستوى الذي يعيشه المجتمع. ولا شك بأننا نعيش أزمة مالية شديدة، ونحن بحاجة لسيولة مالية فورا. وفي حال بقيت المفاوضات بهذا الشكل مع "صندوق النقد الدولي" سيتم فرض اجراءات لن تستطيع السلطة تنفيذها، ما يعني أن "صندوق النقد" لن يقدم القروض المطلوبة أو أنه سيقدم مبالغ تكون أقل بكثير مما تتوقع الحكومة..ما سينتج عنه مرحلة إنكماش شديد مع تضخم جامح.

المساعدات البسيطة لن تكون سبيلا لإعادة الأمور إلى نصابها، ما يعني أننا سنذهب إلى مزيد من ​الركود​ ومزيد من التردي بالوضع الإقتصادي.

ومن المعروف أن من سيدفع الثمن هو المواطن اللبناني حكما، خاصة عندما نرى الأداء العام للسلطة ممثلة سواء بالحكومة وتعييناتها وصولا إلى المجلس النيابي الذي خلال جلستين تشريعيتين متتاليتين لم يقر إلا القوانين التي تتناسب مع مصالح الطبقة الحاكمة وليس مع مصالح المواطنين، وبما أن السلطة تدير الأمور بهذه الطريقة، فنحن ذاهبون إلى مزيد من تردي لوضع المواطن الذي هو الحلقة الأضعف منذ 20 عاماً.