عشر جلسات حتى الآن خاضها لبنان مع وفد ​صندوق النقد الدولي​ ولا تقدمٌ يذكر، فبيعداً عن التصريحات الرسمية التي تصدر عن الحكومة بين الحين والآخر حول سير هذه المفاوضات بالشكل المطلوب، تؤكد مصادر متابعة لـ"الاقتصاد" ان " لبنان الرسمي دخل أساساً هذه المفاوضات من باب الضعف وليس من باب القوة، وهذا الأمر بدا جليّاً في الجلسات الأولى حيث برز تضارب واضح في الأرقام المقدمة حول خسائر ​مصرف لبنان​، الذي من شأنه أن يطيل أمد هذه المفاوضات، والتي يأمل الجانب اللبناني ان لا تكون طويلة، بغية ​إنقاذ​ الليرة من الإنهيار وانعاش الاقتصاد بحده الأدنى".

في هذا السياق، ​علم​ موقع "الاقتصاد" أن الاجتماع الأخير الذي عُقد في المجلس النيابي نهاية الأسبوع الماضي والذي ضمّ وزيرالمال غازي وزني ورئيس لجنة المال و​الموازنة​ ابرهيم كنعان، اضافة الى ممثلين عن مصرف لبنان و​جمعية المصارف​ كان هدفه توحيد هذه الأرقام وتوزيع الأعباء.

تتابع المصادر: "لا شك بأن هذا الاجتماع كان ضرورياً لتوحيد الأرقام المقدمة حول خسائر المصرف المركزي من جهة، وكيفية توزيعها من جهة ثانية، ولكن الأهم هو تذليل كل العقبات الموجودة والوصول الى النتائج المرجوة، وعلى الفريق اللبناني ان يعلم ان الوقت لا يصب في مصلحته، ولا في مصلحة اقتصاده، ولا حتى ليرته التي شارفت على الانهيار، لذلك عليه انجاز كلّ ما يُطلب منه بسرعة ودون مماطلة، وبعيداً عن المناكفات السياسية للبدء بالمفاوضات الحقيقية والتي حتى هذه اللحظة لم تبدأ بعد في العمق، على الرغم من الاجتماعات العشر التي عُقدت مؤخراً والتي استمع خلالها الوفد الدولي ولا يزال الى شروحات الفريق اللبناني حول الخطة الاقتصادية وكيفية تطبيق الإصلاحات في القطاعات كافة".

الى ذلك، نفت المصادر أن" يكون هناك أي إنذار مباشر للبنان من قبل الصندوق بوقف المفاوضات في حال استمر أسلوب المماطلة في العمل كما بات يُروج، مؤكدةً بأن لبنان يسعى بكل جهده إلى إنجاح هذه المفاوضات، التي بيدو أنها ستأخذ وقتاً لأسباب عديدة منها ان لبنان ذهب الى التفاوض قبل أن ينجز ما عليه من واجبات، ثانياً الصندوق لن يُعطينا هبات فهو ليس ​جمعية خيرية​، وبالتالي من حقه أن يستفسر عن الخطة التي وضعتها الحكومة وكيفية تطبيقها، هذا فضلاً عن تفنيد كل القطاعات ومكامن الهدر و​الفساد​ فيها وكيفية معالجتها، ولهذا السبب حضر الاجتماع الأخير مدير عام الجمارك بدري ضاهر ومدير الشؤون العقارية والمساحة ​جورج معراوي​، ثالثاً ليس هناك فترة زمنية محددة للتفاوض وبالتالي التفاوض مفتوح الى حين الوصول الى اتفاق بين الطرفين، أو ​اعتذار​ احدهم، او انسحابه لسبب ما، وهذا الأمر غير مطروح بالوقت الحالي، فالمفاوضات لا تزال في بدايتها ومن المبكر بعد الحديث عن نجاحها او فشلها لذلك، لبنان امام مسار طويل يبدأ بتوحيد أرقام خسائر مصرفه المركزي، وقد لا ينتهي بتحرير صرف عملته الوطنية".

تتابع المصادر: "لا شك أن الملف اللبناني معقد نظراً لتداخل الأمور والمحاصصات السياسية في شؤون الدولة كافة، لذلك في حال نجحت المفاوضات بين الفريق اللبناني وصندوق النقد فالترجمة الفعلية لهذا النجاح أساساً لن تكون قبل بداية الـ 2021، وبالتالي على الطبقة السياسية بمواليها ومعارضيها عدم إضاعة الوقت بالمهاترات السياسية التي لن تجلب إلى البلد إلّا الويلات التي نحن بغنى عنها اليوم، لذلك على الفريقين (الموالاة والمعارضة) التنبه جيداً الى هذا الأمر، فالوضع الاقتصادي المنهار أصلاً لا يحتمل اي اهتزاز في ظلّ ​بطالة​ تخطت عتبة الـ 50 في المئة، وفي ظلّ غياب اي مساعدات محتملة من الدول العربية أو الدول الأوروبية خصوصاً مع أزمة فيروس "كورونا" المستجد".

إذا، جولة مفاوضات جديدة تنطلق اليوم (الاثنين) في ظلّ اجتماعات مالية مكوكية مرتقبة بين وزارة المال ومصرف لبنان وجمعية المصارف، وذلك للتوصل إلى ارقام موحدة حول الخسائر من جهة ومعالجة الأزمة المالية من جهة أخرى، ومن المقرر ان يعقد اليوم ايضاً الاجتماع المالي في بعبدا ستكمالاً للاجتماع الذي عُقد الخميس الماضي برئاسة ​رئيس الجمهورية العماد ميشال عون​.

إلى ذلك، تأمل المصادر "أن يتوصل الفريق اللبناني الى توحيد أرقام خسائره في الاجتماعات المُقرر عقدها اليوم (الاثنين)، لأن الاختلاف الحاصل من شأنه ان يعيق سير هذه المفاوضات، وهذا الأمر لن يكون في مصلحة لبنان ابداً، فالمرض بات معروفاً وكذلك الأمر بالنسبة لتشخيصه ولم يعد امامنا الا البدء بالمعالجة".

في المقابل، تنفي المصادر ان "تتأثر هذه المفاوضات بالعقوبات الناتجة عن "قانون قيصر" -الذي دخل حيز التنفيذ الأسبوع الماضي على أن تبدأ المرحلة الأولى منه في 17 الجاري - فعمل الصندوق عادةً يكون ضمن ​آلية​ ومنهجية معينة بعيداً عن "الزواريب" السياسية، فصندوق النقد مستمر في المفاوضات مع لبنان من اجل التوصل الى اتفاق عملي يضمن تطبيق الإصلاحات في القطاعات كافة بشكل جدي، ووقف مزاريب الهدر الموجودة في الدولة، أما بالنسبة الى نجاح او فشل هذه المفاوضات فالأمر يتوقف على الجانب اللبناني ومدى قدرته على تطبيق خطته الاصلاحية، كي يحصل في النهاية على الدعم المطلوب سواء من صندوق النقد، أوحتى من أموال "سيدر" التي لا تزال حتى الساعة مرصودة للبنان".