ننام على مصائب، لنستيقظ يوميا على مصيبة جديدة. فبعد تخوفنا على صحتنا ومدخراتنا، برز اليوم سبب جديد للقلق: هل سيجوع الشعب اللبناني قريبا؟ اذ أن جائحة كورونا وندرة ​الدولار​ في السوق، تنذران حتما بكارثة قريبة، تتمثل في افتقاد المتاجر للسلع الغذائية في الأسابيع المقبلة.

وبين خطة حكومية وخطة مصرفية بديلة، يجد اللبناني نفسه ضحية للفساد بجوانبه المتعددة؛ كالجشع والاحتكار والتفلت والتضليل والاستغلال والمناكفات. فنحن نمشي في مسار ضبابي، قد لا تتكشف أبعاده ومعالمه حتى إشعار بعيد!

فتكاليف المعيشة في ارتفاع مطرد، وسبل العيش باتت تضيق أكثر فأكثر مع كل يوم جديد. والمرحلة المقبلة ستكون حتما مرحلة تصعيد، وخسائر، وانفجار اجتماعي!

وفي زمن كثر فيه المستغلون والناهبون، وقلّ الصادقون والمحاسِبون، نجد أن لبنان يغرق ويغرقنا معه. فهل من منقذ؟

وانطلاقا من هذه الوقائع، تحدث موقع "الاقتصاد" الى الكاتب والباحث الاقتصادي ​زياد ناصر الدين​، الذي أكد أن خطة ​المصارف​ جاءت أسوأ من خطة الحكومة؛ فهذه الأخيرة قدمت ما لم يأتِ ضمن الآمال المعقودة، بل كان بمثابة بيان مالي للعبور الى صندوق النقد الدولي، وفي المقابل، كرّست المصارف بطرحها البديل، واقع السياسة الاحتكارية والسياسات النقدية غير المفيدة.

وتساءل: "يحكى عن الاقتصاد الحر، ولكن أين هو هذا الاقتصاد في ظل الاحتكار القائم؟ وسياسة الفوائد؟ ووجود قطاع عام لا يقوم بواجباته تجاه القطاع الخاص؟".

"علينا مطالبة الدولة باسترجاع ممتلكاتها بدلا من بيعها"

وأوضح ناصر الدين أن خطة المصارف تعتمد بشكل أساس على بيع الدولة لممتلكاتها، لكي تصبح هذه المصارف قادرة مجددا، على إعطاء الأموال للمودعين؛ مع العلم أنها أيضا جزء من الأزمة القائمة. وقال: "علينا مطالبة الدولة باسترجاع ممتلكاتها، بدلا من بيعها؛ وكأنه ما كان ينقص لبنان، الا أن يبيع ممتلكاته، لكي يصبح مجردا بالكامل. على الدولة استرجاع قرارها، وأخذ زمام المبادرة، وطرح الخطط الاقتصادية البديلة والمفيدة. يجب أن تقف صدا في وجه ​الفساد​، ولكن من سيبادر للقيام بذلك؟".

ولفت الى أن الفاسدين يسيطرون على ​الدولة اللبنانية​، والمصارف هي جزء من الفساد، وشريكة في هذا الفساد مع الدولة، مشددا على أن بيع الدولة لممتلكاتها، سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الواقع الاقتصادي والاجتماعي، قبل حدوث الانفجار الكبير.

وأكد أن الانفجار الاجتماعي آت لا محال، وسيكون في الواجهة كل من حجز أموال الناس، وكل من كبّد البلاد هذه ​الديون​ الكبيرة، وكل من أوصلنا الى هذه الفوائد المرتفعة، وكل من وضع هذه السياسات المالية التي دمرت الحجر والبشر.

"الانفجار الاجتماعي آت لا محال..."

وأضاف ناصر الدين: "كل طرف يحاول تحسين شروطه، ولكن للأسف هذه المبادرات تكون دائما على حساب الشعب اللبناني، وعلى حساب الناس، ومعيشتهم، وأدويتهم، ولقمة عيشهم، ومدارسهم، وصحتهم، وتعبهم، وجنى عمرهم، وقدرتهم الشرائية،...".

وذكر أن "الشعب مسؤول عن انتخاب هذه الطبقة السياسية العاجزة والفاسدة والشريكة للمصارف، واليوم "ما حدا سئلان عن الناس"، فالرواتب تآكلت بنسبة تصل الى 60%، كما أن تحرير سعر الصرف كان مدمرا، وحجز أموال الناس في المصارف كان مؤذيا، وبالتالي أقدر أن الانفجار الاجتماعي هو مجرد مسألة وقت، لأننا لم نلتمس بعد تداعيات كورونا على لبنان، ونحن في ظل حصار اقتصادي خارجي على لبنان، إضافة الى فساد داخلي ووقاحة في التعاطي من قبل المصارف، مع الواقع اللبناني". وتابع: "للأسف دخلنا في المجهول الاقتصادي، لأول مرة في تاريخ لبنان. وللمرة الأولى أيضا، لا أحد قادر على معرفة معالم المستقبل وحيثياته".

"دخلنا في المجهول الاقتصادي لأول مرة في تاريخ لبنان"

وأشار الى أن "المواطنين خرجوا الى الأسواق بعد إعادة فتح البلد، وتفاجأوا بالأسعار الموجودة، والتي ستشهد حتما على المزيد من الارتفاع، اذا لم يتم الحد والسيطرة على ما يحصل".

وفي ما يتعلق بموضوع سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وخاصة بالنسبة الى الانخفاض الذي شهدناه في بداية الأسبوع، لفت ناصر الدين الى أن "هذا التراجع غير مبرر، ومبني على توقيف الصرافين أمنيا"، موضحا أن "التفاوت سيبقى سيد الموقف بالنسبة الى سعر الصرف، طالما أن ​مصرف لبنان​ لا يتدخل، وطالما هناك فساد وتلاعب في السوق، لا مثيل لهما، وطالما أن عوامل الجشع والطمع والحقد والكره والاستغلال، تسيطر على نفوس البعض. فعدم تدخل المصرف المركزي، أدى الى تداعيات سلبية وسيئة جدا على الصرف العملة".

"غياب القيود المباشرة سيؤدي للمزيد من الارتفاع في سعر الصرف"

وقال: "نحن نتحمل النتائج السيئة والحتمية، لواقع الاستغلال الموجود في لبنان، وخاصة من قبل الشبكة التي تجمع بين المصارف والصرافيين وبعض جوانب المركزي".

وأكد عدم وجود أي قواعد علمية، ليبنى عليها سعر الصرف في الوقت الحاضر، في حال انخفض أم ارتفع. فكل العوامل تلعب ضد الواقع اللبناني الداخلي، والمواطن يدفع الثمن؛ ومن هذه العوامل: التعاميم التي صدرت، والصراع بين الحكومة ومصرف لبنان، والواقع السياسي الخارجي، الذي يفرض على لبنان منع إدخال الدولار، وفرض حصار اقتصادي،...".

وختم قائلا: "اذا لم يتم وضع قيود مباشرة على سعر الصرف، من قبل الحكومة ومصرف لبنان، فسوف نشهد حتما على المزيد من الارتفاع في المرحلة المقبلة".