ينهمك قادة كل دول العالم في البحث عن آليات الخروج من ​الازمة الاقتصادية​ المستجدة بفعل جائحة فيروس "كورونا"، التي قلبت كل المقاييس محدثة انقلابات واسعة في الأسواق.

واتفق قادة مجموعة السبع على إجراءات لاستعادة عافية ​الاقتصاد العالمي​ بعد انتهاء أزمة "كورونا"، في وقت تشهد فيه اقتصادات القوى الكبرى تراجعاً حاداً.

وبالتزامن، حذر "​صندوق النقد الدولي​" من أسوأ تراجع اقتصادي على مستوى العالم منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وتوقع أن ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 3 % خلال العام الجاري بسبب الانهيار الناجم عن تفشي "كورونا".

كما توقع صندوق النقد أن يتعطل نمو الاقتصادات الآسيوية لأول مرة منذ 60 عاماً.

وقدّر الصندوق أن يكون حجم الضرر الذي سيشمل الاقتصادات هذا العام أشد من مثيله في ​الأزمة المالية​ عام 2008 وأزمة عام 1997 من القرن الماضي. ورجّح أن تكون حاجة الاقتصاد العالمي إلى عام أو عامين للتعافي الكامل من الأزمة. وما زاد الطين بِلة أزمة ​أسعار النفط​ المتدهورة التي رفعت مستوى المخاطر.

ولاشك أن فيروس "كورونا" يشكل مخاطر متصاعدة على ​النشاط الاقتصادي​.

وعمدت كبرى ​البنوك المركزية​ عبر العالم إلى خفض أسعار فائدة الإقراض لدعم ​الأسواق المالية​.

من جهتها، أكدت المديرة التنفيذية لـ "صندوق النقد الدولي" كريستالينا جورجيفا، أن الصندوق سيتحرك بخطى سريعة جدا للبت في طلبات لقروض دون فائدة أو بفائدة منخفضة من الدول التي تضررت من الانتشار السريع لفيروس "كورونا."

هذا هو موقف الجهات الداعمة أمام مشهد تداعيات "كورونا". ولكن ​لبنان​ المتورّط بالانهيار الاقتصادي والإفلاس منذ ما قبل "كورونا"، يتخبط في مناكفات سياسية وأحقاد تصب في خدمة تدمير البلد. وكل ذلك، أمام مجهر المنظمات الدولية التي يتسكّع المسؤولون اللبنانيون أمام ابوابها لتأمين التمويل للمشاريع وللاستدانة من أجل النهوض.

في السابق، استجابت الدول لفكرة تقديم الدعم، ولكنها صدمت بتجاهل المسؤولين اللبنانيين المتمادي للاصلاحات الهيكلية والأساسية، التي ربطتها بأي قرض أو هبة ستقدم.

وكان من الطبيعي أن تتزعزز الثقة بقدرة القياديين اللبنانيين على ضبط إيقاع أي برنامج إصلاحي مُلّح.

في هذه المرحلة، هناك تخوّف من أن لا يلقى أي طلب لبناني إلى الخارج من أجل الحصول على الدعم، الأصداء الإيجابية.

و​القطاع الخاص​ الذي تمرّس في قيادة مبادراته الفردية وتحقيق النجاح، بدأ يلملم خسائره ويعد عدة النهوض ببرامج وخطط مقبولة تتطابق مع الواقع.

وفي هذا السياق، ثمة دعوة من قبل الشركات الخاصة لخلق فريق عمل طوارئ من "​البنك الدولي​"، و"صندوق النقد الدولي"، ورجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم، بغية اقتراح خطة إعادة هيكلية تامة، وإعادة الهيكلية المالية لوقف الانهيار الحاد.

ما هي العناوين العريضة لهذه الخطة؟ ما هي الحوافز التي ستنجح في جذب ​الاستثمارات​؟

رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم الدكتور فؤاد ​زمكحل​، يلفت إلى وجود عدة مشاكل في الوضع الراهن، إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في تدهور ​الوضع الاقتصادي​ بشكل دراماتيكي

ويقول "للاقتصاد" هذا الانحدار المريب مرتبط:

أولا : بانعدام الثقة، وهو ​كارثة​ حقيقية على كافة الاصعدة ؛ الداخلية، الإقليمية والدولية. فالمقيم كما المغترب، وكذلك الدول المانحة والصناديق الدولية، كـ "البنك الدولي" و"صندوق النقد" فقدوا جميعاً الثقة كليا بالسّلطة.

ثانيا: شحّ ​السيولة​. والجدير ذكره، أننا نستورد في لبنان بما نسبته 80 % من الخارج. مما يعني صرف عملات أجنبية من أجل تسهيل عملية الاستيراد. ولكن في المقابل، وصلنا إلى مرحلة خطيرة جدا، نضبت فيها السيولة الى درجة الصفر. ونتيجة التعقيدات السياسية المتراكمة والمتفاقمة، ثمة مؤشرات تشير إلى أن ​الناتج المحلي​ الداخلي سيتراجع إلى أكثر من 15 %. وهناك قسم كبير من الشركات دخل في المجهول، واضطرت أخرى إلى الإقفال القسري. ويرافق هذا الواقع غياب كلّي للشركات الخارجية التي كان يعتمد عليها في ضخ السيولة بفعل القيود المصرفية الصارمة التي فرضت. كما أن المغتربين نسوا عملية تحويل الأموال إلى لبنان عن طريق ​المصارف​ والشركات لانعدام الثقة بكل التدابير والاجراءات المعرقلة، التي حجزت الأموال وأجبرت المغترب على نقل الأموال بحقائب خاصة يحملها إلى الداخل اللبناني. بالتأكيد، فقدنا نسبة 20 % من هذه السيولة .

ثالثا: امتناع الصناديق الدولية والدول المانحة عن ضخ الأموال في السوق اللبناني. ولا يخفى على أحد أن مستجدات فيروس "كورونا"، ساهمت في تغيير اتجاهات الدول، ودفعت بها الى التقوّقع، وضخ إمكانياتها المالية في اقتصاداتها. لذلك، لا يجب الاعتماد على هذا الباب الخارجي.

باختصار، الأزمة كبيرة انطلاقا من الثقة المعدومة. وبالتالي، من السيولة المفقودة.

وأي خطة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المدى القريب والمتوسط والطويل.

وأشار زمكحل، إلى أن تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم ارتأى العمل على خطة المدى المتوسط، علماً أنه في حال لم ترفع خطة متكاملة، متجانسة ومقبولة من حيث الشكل والمضمون تنال موافقة السلطتين التنفيذية والتشريعية، ستبقى بدون شك حبرا على ورق .

واذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه من أجواء سياسية مشحونة، بعيدا عن أي تحرك فعّال اقتصادي، بالتأكيد، خلال شهرين، لن تبقى أي شركة خاصة في لبنان على أبعد تقدير .

والسؤال المطروح: ما هي الآلية اللازمة لضخ الأوكسيجين للشركات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا (Micro Companies)؟

ويعتبر زمكحل، أنه من المفترض ضخ السيولة للنهوض وليس للتطوّر.

وفي غضون ذلك، فإن كل من البنك والصندوق الدوليين يميل الى تقديم الدعم لشركات الابتكار ، والإبداع، والشركات العاملة في المجال الطبي والصناعات الطبية ، وايضا في كل ما يدخل في اطار المنتوجات الصناعية والغذائية .

وبالتأكيد ، فان إي تمويل سيكون خارج ​القطاع المصرفي​. يجب ان يكون الاعتماد على التمويل التجاري، والتصدير والتوريد وتمويل الأصغر(Micro Finance) .

وفي المرحلة المقبلة، من الضروري توظيف رأسمال في الشركات بدل المصارف، وتحويل أصحابه إلى مساهمين.

كما علينا الاستعداد لعملية الانخراط والاندماج بين الشركات بما يعزّز مكانتها .

ويقول الدكتور زمكحل: لنكن واقعيين، الأزمة لم تبدأ. ولكنها ستكون طويلة. وهناك صعوبة في استعادة الثقة. ومن الواجب حماية الشركات القائمة.

إذا كنا اليوم نطالب بدعم السلطة من قبل الدول المانحة، فهذا لا يعني أبدا ترك الشركات لمصيرها المجهول، بل يفترض تقديم المساعدة لها عن طريق "صندوق النقد" و"​البنك الأوروبي​".

ليس هناك من خيار. إذا لم يكن من طلب رسمي مقدم من الدولة الى برنامج صندوق النقد الذي تلقائيا ينسق مع البنك الدولي، فلن يأتي اي تمويل خارجي .

كل ما نسعى إليه كتجمع هو منع الانهيار التام و​افلاس​ الشركات.

ولفت زمكحل الى بيانات البنك الدولي حيث أن النتائج الاقتصادية المخيفة تسجل ارتفاع نسبة ​الفقر​ في لبنان إلى 60 % من السكان، منهم 22 % تحت خط الفقر المدقع.

ويختم: مسألة ضخ السيولة معقدة اليوم. وعملية استقطاب الاموال الى المصارف مع الفوائد العالية كان كابوسا بدون شك. لذا، فان التفكير يجب أن ينصب في توجيه الاستثمارات إلى القطاعات المنتجة.

دورنا في تسليط الضوء على قطاعات منتجة جاذبة للاستثمارات. اليوم، اذا اعتبرنا ان الاموال مجمدة في المصارف فعلينا استدرك ان اي استثمار في المكان الصحيح المنتج يخفف من المخاطر .

لا يمكن بعد اليوم الاعتماد على الخارج، ازمة كورونا فرضت معادلة جديدة تتلخص بالتفكير بقطاعات هامة كالصحة، الزراعة والمأكولات الغذائية، التكنولوجيا وغيرها...

من المفترض الانتقال من الاقتصاد التقليدي الخدماتي الى اقتصاد المعرفة.

نحن اليوم في سباق سريع مع المرحلة التي القت بثقلها على كل الدول، ومن الواجب ترك الكيديات السياسية جانبا، والانصراف الى برنامج الخروج من الازمة الاقتصادية وانعاش ​القطاعات الانتاجية​ التي توّفر فرص العمل وتحقق النمو.