د. ​شربل عون عون​، محام بالاستئناف، مستشار معتمد لدى عدة هيئات دولية

تبدل حال العمال في ​لبنان​، بعد الاجراءات الاحترازية والإغلاقات التي شهدتها المنشآت والأسواق لمحاصرة فيروس "كورونا"، فأقدمت 30.8 % من المؤسسات على صرف عمّالها، و10.8 % خفضت عددهم. كذلك تبيّن أن أكثر من 33 % من العاملين في ​القطاع الخاص​ انقطع راتبهم بالكامل و22 % خُفضت رواتبهم مع إبقاء نفس عدد ​ساعات العمل​، و13 % خُفضت رواتبهم مقابل خفض عدد ساعات عملهم، مقابل 31.5 % لم تمسّ رواتبهم بحسب استطلاع أجرته "مديرية الإحصاء واستطلاعات الرأي" في "المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق".

ويبقى السؤال القانوني، هل يجب على ​رب العمل​ تسديد الأجر خلال فترة التعبئة العامة؟ وعلى ماذا ينص ​قانون العمل​؟

إن قانون العمل اللبناني لم يتطرق على الاطلاق بكافة نصوصه عن كيفية معالجة مسألة ​الأجور​ في أمور مشابهة للفترة التي يمّر بها لبنان والعالم، من هنا يجب العودة إلى بعض المواد القانونية والتطرق إلى كيفية معالجتها من قبل المحاكم.

بداية، إن الأجر لا يستحق إلا لقاء عمل قام به الأجير، وهذا الأمر يمكن استنتاجه من نص المادة 624 من قانون الموجبات والعقود التي لحظت ما يلي:

"إجارة العمل أو الخدمة، عقد يلتزم بقتضاه أحد المتعاقدين أن يجعل عمله رهين خدمة الفريق الآخر وتحت ادارته، مقابل أجر يلتزم هذا الفريق اداءه له."

إضافة إلى ذلك، فإن بعض اجتهادات المحاكم أخذت بعامل القوة القاهرة في بعض الحالات التي لا يحق عندها للأجير المطالبة بأجوره طوال فترة انقطاعه عن العمل، مثل توقف الأجير عن العمل بسبب الظروف الأمنية التي أدت إلى غيابه القسري عن العمل ولسبب لا يتعلق برب العمل، نشير هنا على سبيل المثال إلى أن اجتهادات ​محكمة​ التمييز الناظرة في قضايا العمل، اعتبرت بأنه لا يحق للأجير المطالبة بأجوره خلال شهر تموز 2006 أثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان، وذلك لتوقف الأجير عن العمل لأسباب لا تتعلق بإرادة رب العمل.

* ما هو دور الحكومة في هذه الظروف؟ هل من أي دور خاص لوزارة العمل؟

إن وضع أرباب العمل والأجراء هو صعب جدا في هذه الظروف، ومن الممكن أن يلجأ بعض أرباب العمل إلى عدم تسديد الأجور للأجراء وصولا حتى الصرف والاستغناء عن خدماتهم من دون تسديد التعويضات اللازمة لهم.

وإن عددا كبيرا من الدول عمد إلى معالجة هذه المسألة وذلك منعا من حصول دعاوى ومشاكل قانونية بين أرباب العمل والأجراء، على سبيل المثال لجأت الدولة الفرنسية الى اعتماد حالة الـ "chomagepartiel"، التي بموجبها يتقاضى الأجير جزءا من أجره من رب العمل وذلك بدلا من الاستغناء عن خدماته؛ كذلك فعلت دولة الامارات التي عمدت إلى ​تنظيم العمل​ وحقوق الطرفين خلال هذه الفترة، فهي قد أعطت الحق لرب العمل بإعطاء الأجراء إجازات غير مدفوعة، وأعطت الحق من جهة ثانية للأجراء بالعمل لدى رب عمل آخر خلال فترة مؤقتة وذلك ضمن أصول منظمة.

إن ​الحكومة اللبنانية​ لم تتحرك حتى تاريخه في هذا المجال، فهي عمدت إلى إعطاء مساعدات اجتماعية للبعض، ولكنها لم تتحرك في مجال التشريع أو حتى توجيه أرباب العمل والأجراء خلال الأوضاع الحالية، لذلك "لا بد برأيي من التحرّك في هذا السياق عن طريق إصدار قانون تعديلي، هدفه تنظيم علاقات العمل خلال هذه الفترة وذلك منعا من تراكم الدعاوى والشكاوى بين الطرفين لعدم وضوح ودقة قانون العمل الحالي".

"برأيي هناك عدة حلول يمكن للحكومة اعتمادها وذلك بعد القيام بدراسة قانونية ومالية معمّقة ودقيقة. برأيي الخاص، يمكن للقانون التعديلي إلزام رب العمل تسديد جزءاً من الأجور، على أن تقوم الدولة بالتسديد من جيبها الخاص اشتراكات "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" بغية استمرار استفادة الأجراء من تقديمات الصندوق، لاسيّما فرعي المرض والأمومة وتعويض ​نهاية الخدمة​. وبهذا الأمر، تكون ​الدولة اللبنانية​ قد حمت حقوق الطرفين بالحد الأدنى في هذه الظروف الصّعبة."