نحو إقرار الخطة ال​مالي​ة والاقتصادية، تسير الحكومة في جلستها بعد إنجاز المسودة النهائية للخطة وسط تعتيم على البنود ومحاولة دائمة لمنع تسريب النص الكامل.

ويأتي ذلك، مع دخول لبنان موجة جديدة من الصراع الهادف إلى رسم خريطة نفوذ جديدة على مستوى القرار الاقتصادي - السياسي، الثابت الوحيد فيه، استمرار جموح ​الدولار​ وانعكاسه صعوداً مستمراً في أسعار السلع التي زاد بعضها بنسبة تجاوزت 200 %، يقابله فشل ذريع لكل السلطات السياسية والمالية والنقدية والنقابية والرقابية في كبح انهيار الليرة، في حين يوغل المعنيون على مختلف أدوارهم ومواقعهم في تقاذف مسؤولية تفلت الأمور.

ويقول ​الخبير الاقتصادي​ بلال علامة في مقابلة مع "الاقتصاد"، إنه من الملاحظ جيداً أن عملية المعالجة أو الإصلاحات في الخطة الحكومية الاصلاحية، تطال قطاعات معيّنة.

ويضيف، أن أثرها نقدي مالي أكثر من الأثر الاقتصادي، حيث أن الخطة لا تتضمن سياسات اقتصادية واضحة، حول كيفية المعالجة ما بعد الإجراءات المالية، في ظل غياب للرؤية وللسياسة وللخطة الاقتصادية الواضحة.

ويرى علامة، أنه إذا كان الهدف من خطة الحكومة الإصلاحية معالجة الفجوة المالية الحاصلة بحسب تقرير "لازارد"، فإن المعالجة الحالية مع إبقاء العجز غير كافٍ، حيث أن ​الاقتصاد اللبناني​ يحتاج معالجة فورية لإعادة تنشيطه عبر سياسات داعمة للقطاعات المنتجة وهو ما يغيب حالياً عن الخطة الاقتصادية المسرّبة.

ويشير الخبير الاقتصادي، إلى أن ما طُرح عن إعادة هيكلة ​المصارف​ لا يزال في إطار العموميات والغموض، حيث تغيب المعايير في هذه العملية والأسباب حيالها.

ويضيف، أن المصارف لديها دور حقيقي في تنشيط القطاعات الاقتصادية وخاصة في ظل الأزمة التي تلت فيروس "كورونا"، من تفاقم وضع ​القطاع الخاص​ سوءاً، ويرى أن المطلوب أن تلعب هذه المصارف دوراً في عملية التنشيط هذه.

ويؤكد علامة أن هذه الفكرة موجودة، ولكن تغيب ​آلية​ التطبيق.

ويشدد أن هيكلة المصارف وعدم إعادة رسم دورها من خلال السياسات والإجراءات التي يجب أن تتبعها وتقوم بها، سيعدنا إلى نفس المشكلة الحالية.

ويلفت علامة، إلى أن المصارف في تعاطيها مع الزبائن وتحت حجج التستر بالقانون، لا تقوم بتسليف القطاع الخاص بفوائد متدنية، وقال إن هذا يمكن أن يُعاد في ظل غياب الآليات في خطة الحكومة الإصلاحية في هذا الخصوص.

أمّا عن ذكر عملية استعادة المال المنهوب في الخطة الاصلاحية، فقال علامة إنه يندرج في إطار "البروبغندا" الاعلامية والدّعائية، أكثر من إمكانية تطبيق العملية الفعلية التي يمكن من خلالها استعادة أموال خرجت من لبنان.

ويضيف، أن عملية استعادة المال المنهوب شائكة، ولا توجد تجربة في العالم استطاعت تحصيل المال المنهوب إلا بنسب قليلة وعلى رأسها ​الأرجنتين​ التي استعادت مالاً منهوباً لا يتعدى المليار دولار ومن الموجود داخل البلد وليس من المهرب إلى الخارج.

وأشار الخبير الاقتصادي، إلى وجود مشكلة جدية حتى في الطرح الذي تم التداول فيه وشهد الكثير من الجدل، وهو الفصل بين ​الأموال المنهوبة​ والموهوبة، وقال إنه إذا تم الفصل، فإن الكثير من الأموال ستصنّف تحت خانة الموهوبة، خاصة إذا تم إعطاؤها بموافقة أصحاب الشّأن، وبالتالي فإن هذه العملية لن تؤتي ثمارها، وأضاف أنه في الجو العام، فإنه إعلان السعي لاستعادة المال المنهوب يعطي انطباعاً إيجابياً بأن لبنان أخذ مسار الإصلاح والشفافية ومحاربة الفساد.

وحول تحرير سعر صرف الدّولار، قال علامة إنه يجب الفصل بين مرحلتين، وهما التحرير التدريجي الذي يخفض سعر صرف الليرة الرسمي إلى 2500 أمام الدّولار، وبين تفلّت سعر الصرف وانهياره كما يجري اليوم إلى أكثر من 4000 ليرة.

وأضاف، أن سعر الصرف الحالي عند مستوى 4000 ليرة أمام الدولار، يعدُّ كارثياً على مستوى الاقتصاد والمجتمع ككل، لأنّ الدّين العام بات أضعاف الدّخل القومي السنوي، فيما باتت كل التعاملات محصورة بالليرة اللبنانية في ظل شح الدّولار.

وأكد أن هذه العملية خطرة للغاية، وستؤدي إلى عواقب إجتماعيّة، فيما إذا أُعيد ضبط سعر صرف الليرة الرسمي أما الدّولار على الـ 2600 ليرة بحسب تعميم سابق لمصرف لبنان فيما يختص بأموال المودعين بالمصارف، وهو ما يعدُّ اعترافاً مبطّن من لعملية السّعر الجديد، فإن هذه العملية إذا حصلت ستعيد ترتيب ​الوضع الاقتصادي​ والاجتماعي وتحفّز القطاعات.

وأكد أن ضبط سعر صرف، سيساعد الاقتصاد اللبناني لناحية التّصدير وجلب عملة أجنبية، خاصة أن مشكلة لبنان في عملية الانتاج تتلخّص في عملية التّكلفة، حيث أن تكلفة الانتاج المحلي عالية جداً، والدخول إلى الأسواق المحيطة صعب.

وشدد علامة، أن سعر 2600 ليرة، يمكن أن يكون محفزاً للاقتصاد والتصدير، ومحفزاً للسياحة والنشاط في لبنان.