أعلن رئيس الحكومة ​حسان دياب​ أن حاكم المركزي ​رياض سلامه​ لم ينسّق مع الحكومة في موضوع التعاميم التي أصدرها مؤخراً، والحقيقة أن هذه اللهجة لم نكن نسمعها من قبل،ماذا تغير والى م ترمي؟ فهل هو تصويب بالسياسة على حاكم المركزي؟ وهل ان حاكم ​مصرف لبنان​ ملزم وفقاً للقانون بان ينسق قراراته مع السلطة التنفيذية في التعاميم التي يصدرها؟ ام ان رئيس الحكومة هنا يعتبر انه بما اننا نمر بظروف غير طبيعية وبأزمة اقتصادية مالية نقدية غير مسبوقة فمن المفضل التنسيق مع الحكومة في القرارات النقدية بمعنى التمني؟أم أن صلاحيات الحاكم تتيح له التصرّف وإصدار التعاميم التي يراها مناسبة؟ أليس المجلس المركزي في "مصرف لبنان" هو المسؤول عن اتخاذ القرارات النقدية؟وهذا المجلس يتكون من الحاكم ونواب الحاكم ومدير عام المالية ومفوض من الحكومة؟ أليست الحكومة ممثلة بمعنى انها يجب ان تكون على ​علم​ بما يصدر؟ام ان واقع تعذر تعيين نواب جدد للحاكم فرض ان يتفرد الحاكم سلامة باتخاذ القرارات التي يراها مناسبة؟وعلى ماذا تدل كثرة التعاميم مؤخرا؟هل نحن نسير بخطى حثيثة نحو تحرير سعر الصرف؟

للاضاءة على كل هذه الاسئلة الاقتصاد لجأت الى راي قانوني وآخر اقتصادي مالي:

يشير عميد كلية ادارة الاعمال في جامعة الحكمة، البروفيسور ​جورج نعمة​، الى أن "السلطة النقدية هي سلطة مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية وهي مؤتمنة على ​السياسة النقدية​ ولها كامل الحق والصلاحية لاتخاذ اي قرار تراه مناسبا لنبدأ من هنا قال الاقتصادي عميد كلية ادارة الاعمال في جامعة الحكمة البروفسور جورج نعمة في حديث خاص للأقتصاد ،لكن هذا لا يعني ان لا يتم اي تنسيق في ظل أزمة نقدية حادة كالتي نعيشها حاليا : واليوم الأزمة نقدية؛ فمن المؤكد أنها اقتصادية، ولكن اذا أردنا تحديدها، فهي أزمة نقدية من الجيل الأول (first generation exchange rate crisis). تفسير ذلك هو عندما يكون لدينا عملة وطنية مثبتة بالنسبة الى ​الدولار​، وبالمقابل سياسات مالية "منفلشة" غير منضبطة، مع عجز كبير تراكمي عبر السنوات، أدى الى استنفاذ الاحتياطات الإلزامية، ما يؤدي بالتالي، الى تدهور العملة وإلزامية تحرير سعر الصرف، في ظروف غير ملائمة، لأن السلطة النقدية لن يكون لديها الأدوات اللازمة لضبط السوق. وهذا ما يحصل اليوم في التحديد.

مشيرا الى اننا سائرون حكما نحو تحرير سعر الصرف لكن بظروف غير مؤاتية مع عدم قدرة المركزي لضبط السوق مع استنزاف احتياطاته لافتا ان كثرة التعاميم والتي احيانا لا تنفذ او تتناقض يدل على ان المركزي لا يعمل ضمن خطة واضحة ولكن على قاعدة ردة الفعل كل يوم بيومه حسب المتغيرات الموجودة ومتطلبات السوق.

ودعا نعمة لان تجلس الحكومة والسلطة النقدية على طاولة واحدة تضع كل سلطة خطتها ورؤيتها وتوضع خطة جدية وان يجري التنسيق والا فالنتيجة ستكون كارثية على البلد والناس:

نعمة: السلطة النقدية مستقلة تماما عن التنفيذية ولها كل الحق في اتخاذ اي قرار الا ان التنسيق ضروري في هذا الظرف!

وقال البروفسور نعمة: السطلة النقدية مجبرة على تحرير سعر الصرف، وكل ما يحصل هو باتجاه التحرير، فنحن نعلم أننا لا نستطيع مواصلة السير في السياسة المتبعة حاليا. اذ يتم الحديث عن هذا الموضوع منذ عام 2012، وحتى من قبل ذلك. كانت يجب وضع خطة من قبل، أي حين كان الاحتياطي ما زال كافيا، وكانت القدرات موجودة للانتقال من السعر الثابت الى السعر المرن والمتحرك، مع ضوابط من قبل السلطة النقدية. أما اليوم، فنحن مضطرون للانتقال بسبب نفاذ الاحتياط، ولكن المصرف المركزي لا يمتلك الأدوات الكافية لضبط هذه النقلة. ولهذا السبب، نرى هذا الكم من المقررات المتناقضة. لم يعد المركزي قادرا على ضبط السوق؛ وهذه واقعة.

اليوم، يجب ترك الثابت والتوجه نحو المتحرك دون احتياط إلزامي كاف، ودون القدرة على ضخ الدولارات، ما يؤدي الى انخفاض كبير جدا وهائل في سعر صرف العملة الوطنية، ​الليرة اللبنانية​، والمصرف المركزي لا يمتلك القدرة الكافية لضبط هذا السعر في السوق. ومن هنا، يلجأ الى أكثر من سعر صرف واحد، ويصدر قرارات تتغير من يوم الى يوم.

أما سعر الصرف المرن، فنحن سنصل اليه حكما، ونحن مجبرون على ذلك، ولكن مع ودائع مدولرة بنسبة أكثر من 80%. وبحال انتقلنا مرة واحدة الى سعر الصرف المرن والمتحرك، ستكون هناك ​كارثة​ نقدية، وسنشهد على دولار يتخطى بنسب كبيرة جدا، المستوى الذي وصل اليه اليوم، أي 3500 ليرة. سيكون السعر أعلى بكثير من هذا المستوى!

ولهذا السبب، لا بد من سياسة نقدية، يحضرها مصرف لبنان، تفسر كيفية لجوء المركزي الى تخفيض الدولرة في ​المصارف​، يواكبها شرح لنظرته حول إعادة هيكلة المصارف، وخاصة تلك المتعثرة منها. ومن هنا، يحضّر النقلة تدريجيا، لكي يحرر سعر الصرف، بشكل واضح وقاطع وجازم، ليكون لدينا سعر واحد فقط، دون أن يؤدي ذلك الى الكارثة، التي أعتقد أننا في وسطها اليوم.

فالخطوات تأتي متأخرة جدا، وبذلك، ستكون الكلفة كبيرة جدا على المواطن والمودع والقدرة الشرائية.

يجيب المرجع القانوني المحامي الدكتور بول مرقص رئيس "جوستيسيا" أنه في القانون يوجد بين صلاحيات مصرف لبنان وحاكمه من جهة وبين السلطة التنفيذية من جهة ثانية علاقة تعاون، تشبه مع الفارق بينهما العلاقة لهذه الجهة بين المجلس النيابي والحكومي: فصل بينهما وتعاون في الآن معا. وما يعبر اكثر عن ذلك المادة 13 من قانون النقد والتسليف التي لا تخضع مصرف لبنان لقواعد الادارة وتسيير اعماله ولا للرقابة العائدة لمؤسسات القطاع العام، لانه يتمتع بإستقلالية، والمادة 26 تعطي اوسع الصلاحيات للحاكم لإدارة المصرف المركزي وتسيير اعماله وهو مكلف بتطبيق قانون النقد والتسليف. ولكن ذلك لا يعني ان هناك تفلت، بل يوجد ضرورة بحسب المادة 71 من قانون النقد والتلسيف لتعاون المصرف المركزي مع الحكومة، وبحسب 72 "يطلع المصرف المركزي الحكومة على الامور التي يعتبرها مضرة بالاقتصاد والنقد"، ولا يستشير الحكومة بل ان الحكومة هي التي تستشير المصرف حسب المادة 72 نفسها.

 

اما لجهة دور الحكومة، المادة 75 من قانون النقد والتسليف تنص على ان يستعمل المصرف المركزي الوسائل التي يرى ان من شأنها تأمين ثبات القطع لكنه يعمل في ذلك بالاتفاق مع وزير المالية مشتريا او بائعا العملات الاجنبية.

اما المادة الاخيرة التي تعطي جانب كبير من الاهمية لدور ورقابة الحكومة وهي غير مطبقة، فتنص على الدور الذي يقوم به مفوض الرقابة ازاء قرارت المجلس المركزي، وهنا بيت القصيد لان المجلس المركزي اليوم يقوم بدوره الحاكم استنادا للصلاحية التي تعود له بغية تأمين عمل مصرف لبنان إستنادا الى مبدأ المرفق العام وهو يبني تعميمه وقراراته على هذه القاعدة. فدور مفوض المراقبة وفقا لهذه المادة وهي المادة 43 من قانون النقد والتسليف، "تعطي مفوض المراقبة خلال اليومين التاليين لتبليغ قرارت المجلس المركزي، ان يطلب من الحاكم تعليق كل قرار يراه مخالفا للقانون والانظمة ويراجع وزير المالية بهذا الصدد. واذا لم يبت بالامر خلال 5 ايام من تاريخ التعليق يمكن وضع القرار في التنفيذ". فدور مفوض المراقبة لدى هذا المجلس مهم جدا اذا كانت الحكومة راغبة في تفعيل صلاحياتها تجاه حاكم المصرف المركزي. 

وأضاف ان "للحكومة صلاحية على المصرف المركزي لكن لا ترتقي هذه الصلاحية الى حدود وقف اعماله، وحتى اقالة الحاكم صعبة في القانون وضيقة جدا بحسب المادة 19 من قانون النقد والتسليف. وبروحية هذا القانون فإنه يجب التعاون لان المصلحة واحدة وهي الاستقرار المالي والنقدي في البلاد ولا يمكن تخيل حكومة على نقيض مع ​حاكم مصرف لبنان​".