انهار سعر برميل النفط تسليم أيار، إلى ما دون الصفر، لأول مرة في التاريخ. وخسر خام القياس الأميركي نحو 56 دولار ليهبط 306%، كما انخفضت عقود ​خام برنت​، لتسجل عند التسوية 25.57 دولارا للبرميل، مع انتهاء تعاملات الاثنين.

ويتوقع الخبراء أن تبقى ​أسعار النفط​ رهينة لانخفاض المخزون من جهة، وارتفاع أحجام الطلب من جهة أخرى، تبعا للتطورات المتعلقة بفيروس كورونا، وبتوقيت عودة عجلة ​الاقتصاد العالمي​ الى طبيعتها.

هذا على الصعيد الدولي، أما على الساحة المحلية، فما لبث عداد كورونا أن بدأ بالتباطؤ، حتى عادت تظهر المناكفات والصراعات السياسية، وباتت الأمور تتجه تدريجيا، من الناحية السياسية والاقتصادية، نحو ما كانت عليه قبل إعلان التعبئة العامة.

وبالتوازي مع عودة النواب الى المجلس، عادت الى الشارع التحركات الشعبية في عدد من المناطق اللبنانية، وعدنا جميعا الى ما تركناه منذ منتصف آذار تقريبا، في ظل استمرار جشع بعض الأطراف، وتحكمهم بلقمة المواطن وقوته اليومي.

فهل يمكن للبنان الاستفادة من انهيار أسعار النفط؟ ماذا ينتظرنا بعد انحسار كورونا؟ وعلى ماذا تدلّ تعميمات المركزي؟

أجاب على هذه الأسئلة مدير مركز ​المشرق​ للشؤون الاستراتيجية في بيروت، د. ​سامي نادر​، في مقابلة خصّ بها موقع "الاقتصاد":

- ما هي الأسباب والتداعيات المتأتية عن انهيار أسعار النفط؟ وكيف يمكن للبنان الاستفادة من هذا الأمر؟

لقد تُرجمت الضبابية في الرؤية، في ​العقود الآجلة للنفط​، حيث أن انهيار أسعار النفط بهذه الطريقة، مرتبط بالتأكيد بانتشار فيروس كورونا في العالم من جهة، وبغياب تاريخ محدد لنهاية هذه الأزمة، من جهة أخرى.

وفي ظل الافتقاد الى الرؤية الواضحة، حول توقيت عودة الأمور الى طبيعتها، وعدم التماس أي فرق على مستوى العلاج الطبي والبحوث في المخبرات، يبقى المستقبل غامض؛ مع العلم أن التقدم في الأبحاث موجود حتما، لكن تاريخ انتهاء الأزمة، وانكماش هذه الموجة، ما زال مجهولا الى حد الآن.

وبالتالي، لا نعرف بعد، متى ستعود الحياة الى طبيعتها، لكي يبني الاقتصاد والشركات والمؤسسات، الرؤية المستقبلية، على هذا الأساس.

لم يكن الاقتصاد العالمي يوما، مرتبطا بشكل عضوي لهذه الدرجة، بالموضوع الصحي، وبالمختبرات الطبية، ومن هنا، اذا تم اكتشاف أي لقاح فعال ضد الفيروس، على سبيل المثال، ستتغير الأمور كافة، رأسا على عقب.

ولا بد من الاشارة الى أنه في الأساسيات الاقتصادية، انخفضت أسعار النفط خلال السنوات الخمس الماضية، بسبب ​الغاز الصخري​، والتراجع العالمي للطلب، والعقوبات على ​إيران​، والفائض الإيراني والليبي، والتقدم الحاصل على مستوى كفاءة ​الطاقة​ و إدارة ​استهلاك الطاقة​، والذكاء الاصطناعي، ...

هذه العوامل أدت الى انخفاض أسعار النفط، وتطور الأسواق البديلة في المقابل.

ولكن مع تدهور أسعار النفط، ووصولها الى ما تحت الصفر، باتت شركات التخزين الكبرى، تفضل التخلص منه عبر دفع المال، بدلا من إبقائه، وتكبد المزيد من التكاليف.

أما بالنسبة الى لبنان، فهو يدفع فاتورة ​مازوت​ هائلة، تفوق المليار دولار في السنة، على قطاع الكهرباء. ومع الأسف الشديد، في ظل تراجع أسعار النفط، تم اتباع سياسة الـ"capping"، أو تحديد سقف، التي جاءت بمثابة "تربيح جميلة" حول عدم زيادة سعر ​البنزين​.

وبالتالي، هذا الوفر الذي قدمته الأسواق، كان من الممكن أن يستعين به المستهلك: أولا، للخروج من أزمته الاجتماعية، وثانيا، لتعزيز الاستهللاك الداخلي.

وشخصيا، لست متأكدا من أن هذه السياسة سوف تسهم في تخفيف العجز، بسبب وجود مئات الطرق، التي من شأنها زيادة مداخيل الدولة.

- على الساحة الداخلية، ما هي توقعاتك بعد انتهاء كورونا، وخاصة مع عودة التحركات الشعبية الى الشارع؟

هناك من وضع الـ"Haircut"، وهناك من سحبها لاحقا. هناك من وضع قانون الـ"Capital control"، وهناك سحبه. تم وضع التعيينات القضائية، ثم سحبها، ثم ردها، ثم فصلها. كما أن الحكومة اختلفت على الخطة الاقتصادية الموضوعة ...

وبالتالي، بعد كورونا، ستكون الأمور أسوأ بكثير من ما كانت عليه قبل كورونا، كما ستكون أيامنا أصعب، مع الأسف !

فقد توقع ​صندوق النقد الدولي​، أن تصل نسبة الانكماش في الناتج المحلي الاجمالي في لبنان، الى 17%، ليسجل بذلك التراجع الأكبر على صعيد ​الدول العربية​.

- ماذا تعني تعميمات ​مصرف لبنان​ الأخيرة؟ هل يعيش المواطن بالفعل "hairtcut" مقنع؟ ما هو مصير الليرة؟

مصرف لبنان "مستميت" للإبقاء على ​الدولار​ات، حيث أنه يسعى للحصول حتى على ​التحويلات​ الخجولة، اذا صح التعبير، أي التي لا تتعدى قيمتها بعض المئات أو الآلاف، والتي يستفيد منها المواطن الفقير؛ مع العلم أنه سيتم صرفها في لبنان.

وتجدر الاشارة الى أن مجمل قيمة هذه التحويلات، لا تتجاوز المليار دولار سنويا، وبالتالي، فإن وضع اليد عليها بهذه الطريقة من قبل المركزي، تدل على مدى "الاستماتة" على كل دولار.

أما بالنسبة الى الـ"haircut"، فيمكن مصادفته في المتاجر والسوبرماركت، وذلك في ظل انحسار القدرة الشرائية و​الثروات​، وإفقار الناس. فالمواطن ما زال يحصل على الراتب ذاته، في حين أن الأسعار ترتفع شيئا فشيئا مع مرور الأيام. وانطلاقا من هذا الواقع، سوف يخسر 60% من راتبه، فور حصوله عليه، بسبب الأسعار المرتفعة.

وفي موضوع سعر الصرف، سوف نشهد على استمرار غياب سقف للدولار مقابل الليرة، في حال عدم إيجاد العلاج المناسب لهذه المشكلة. وفي ظل غياب الحلول، سيبقى لبنان يعاني من نزف في الدولار، حتى يصل الى التفكك الكامل.