أراح اتفاق كبار منتجي ​النفط​ في العالم الاحد الماضي لخفض الانتاج ​الاسواق المالية​، واعاد ​اسعار النفط​ الى الارتفاع الطفيف بانتظار البدء بالتنفيذ في الاول من ايار المقبل ، على ان يتم خفض الانتاج بنحو 10 ملايين برميل يوميا ، بعد ان قدمت ​السعودية​ و​روسيا​ بشكل رئيسي تنازلات لخفض انتاجهما مكنت من تحقيق التوافق داخل تحالف "​أوبك​+".

الاتفاق وضع حدا لحرب الاسعار التي دشنتها روسيا والسعودية قبل اربعين يوما ، الاولى من خلال رفض توقيع اتفاق جديد ، والثانية من خلال الاعلان عن زيادة انتاجها ليبلغ 12 برميل يوميا . ويتوقع ان تستمر مفاعيل هذا الاتفاق حتى نهاية العام . ولكن وعلى الرغم من الترحيب الدولي به فان شكوكا كبيرة تحوم حول امكانية صموده حتى هذا التاريخ لاسباب عدة ، ينبغي لفهمها شرح الدوافع خلف قبول الاطراف الرئيسية بالتنازل .

اتفاق الضرورة

فالاتفاق تم بين أضلاع مثلث منتجي النفط، الأول منتجو أوبك، والثاني منتجو النفط خارج أوبك، والثالث منتجو ​النفط الأميركي​ التقليدي والصخري. وقد تم التوصل اليه بدفع من ​مجموعة العشرين​، لإنقاذ ​أسعار النفط​ التي انحدرت بسبب انسحاب روسيا من الاتفاق السابق مع أوبك احتجاجا على الخطوة السعودية، فبلغ سعر البرميل 20 دولارا ، في انخفاض قياسي اضر بكل اقتصاديات الدول المنتجة ، ثم جاء انتشار فيروس كورونا الذي أدى إلى تراجع الطلب على النفط بما يزيد عن 25 مليون برميل يوميا.

ومن الجهة الاميركية واجهت شركات ​النفط الصخري​ سعرا تاريخيا، فوصل سعر ​برميل النفط​ الأميركي قبل هذا الاتفاق، في البيع الفوري إلى 4 ​دولارات​ للبرميل بسبب وفرة المعروض وشح إمكانية التخزين، ما دفع هذه الشركات لخفض الإنتاج بواقع 10 بالمئة. وانضمت ​الولايات المتحدة الاميركية​ الى المفاوضات ومارست ضغوطا على السعودية وروسيا من اجل التوصل الى اتفاق لخفض الإنتاج.

الجانب الروسي كان قد حذر من بلوغ برميل النفط اقل من 10 دولارات اذا استمرت المنافسة ، لانه بوجود الفائض من مخزون النفط العالمي، اتجه سعر "الذهب الأسود" إلى الصفر. فإذا لم يكن هناك استهلاك مرتفع بسبب ازمة كورونا وايضا بسبب عدم وجود مكان للتخزين، فلا معنى للاستخراج. لذلك، لو لم تتفق دول أوبك + الآن، لتطور وضع كارثي في سوق النفط .

يعتبر خبراء النفط ان الاتفاق هو مجرد هدنة ، فحرب الاسعار لم تكن بين أوبك وروسيا، بل كانت حربا سعرية ثلاثية الجبهات، بين أوبك وروسيا والنفط الأميركي، والاتفاق الجديد يمثل مرحلة موقتة اجبارية بين منتجي النفط في العالم، قد تطول نظرا لعدم وجود مؤشر على ذروة انتشار فيروس كورونا، ولا معلومات عن الفترة الزمنية اللازمة لانحسار الفيروس واختفائه ، ولكنها ايضا قد تقصر اذا انحسر انتشار الفيروس من جهة ، واذا عادت الدول المتنافسة الى سياساتها السابقة للاتفاق .

ويؤكد الخبراء ان هذا الخفض لن ينهي تخمة المعروض النفطي نظرا لانخفاض الطلب في ​الصين​ لنحو 25 بالمئة وانهيار الطلب في ​الهند​ بنحو 70 بالمئة، والسوق متخم بـ 20 مليون برميل وهناك تقديرات أميركية بـ 30 مليون برميل. لذلك من غير المستبعد ان نرى توترات جديدة خلال شهرين في صفوف أوبك التي تقودها السعودية وروسيا، وقد تشتعل حرب جديدة بين الطرفين.

العامل الحاسم في نجاح الاتفاق هو الاسعار فاذا استمرت على مستوياتها المنخفضة فهذا سيعني نهاية سريعة للاتفاق ، اما اذا استمر الارتفاع التدريجي للاسعار فان الاتفاق يحظى بفرصة البقاء.

انعدام الثقة

لا شك ان الالتزام بتطبيق اي اتفاق دولي يلزمه بالدرجة الاولى مناخ من الثقة بين الدول المعنية ، وهذا غير متوفر حاليا ، وقد سارعت روسيا الى اتهام السعودية بالاحتيال والتلاعب بالمعلومات عن حالة السوق ، فالرياض، من خلال إعلانها عن مستوى إنتاج يبلغ 12 مليون برميل، ستواصل الإصرار على هذا الرقم في الاتفاق الجديد، وستنطلق منه في تخفيض حصتها، فيما المستوى الحقيقي للإنتاج لديها هو 9 ملايين برميل في اليوم ، وهذا يعني انها لن تخفض شيئا ، وفقا للروس .

كذلك في الولايات المتحدة الاميركية هناك نقمة على السعودية بسبب شنها حرب اسعار النفط ، وقد حاول ابان الازمة وتحديدا في 11 نيسان الجاري ، اعضاء من ​مجلس الشيوخ الاميركي​ اجراء محادثات مع المسؤولين السعوديين لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية، ولكن من دون جدوى.

ويهدد ​الكونغرس الاميركي​ باتخاذ اجراءات ضد السعودية بسبب حرب النفط، بدفع من جماعات الضغط التي تم توظيفها من قبل شركات النفط الصخري الأميركي. فقد تحدثت صحيفة ​فاينانشال تايمز​ البريطانية عن بدء حملة ضغط قوية من قبل ممثلي هذا القطاع الذين يسعون لفرض عقوبات على كل من روسيا و​المملكة العربية السعودية​ المسؤولتين عن انهيار ​النفط الاميركي​ .

ومن بين الإجراءات المقترحة فرض رسوم على ​استيراد​ النفط السعودي وحظر توريد الخام إلى ​مصفاة​ ​موتيفا​ الكبيرة التي تمتلك ​أرامكو​ الحصة المقررة فيها. هذه الفكرة، وفقا للصحيفة البريطانية، تكتسب شعبية في الولايات المتحدة. لكن السؤال حتى الآن هو ما إذا كانت روسيا والمملكة العربية السعودية جادتين في تنفيذ الاتفاق الجديد ،وما إذا كان ذلك سيخدم المصالح الاميركية .

ومن الاتهامات الموجهة للمملكة العربية السعودية انها استغلت انهيار أسعار أصول شركات الطاقة، بسبب حرب الاسعار ، فاشترى صندوق الاستثمار السيادي السعودي أسهما بقيمة مليار دولار في أكبر أربع شركات نفطية في العالم القديم ، وهو الآن يشتري بنشاط أسهم شركات الطاقة الأوروبية.

ويذهب البعض الى اعتبار ان حرب الاسعار كانت خطة محكمة من قبل السعودية ، لان صندوق الاستثمار السيادي الذي يشتري الآن ​اسهم​ ​الشركات العالمية​ المنافسة يحتل دورا رئيسيا في خطط ولي العهد محمد بن سلمان الضخمة لتنويع وتقوية ​الاقتصاد السعودي​. وليس من قبيل الصدفة ان يكون رئيس صندوق الاستثمار السيادي، هو ايضا رئيس ​شركة أرامكو السعودية​ الأكبر على سطح الأرض. ، وهو مستشار نافذ لدى ولي العهد السعودي .