تستمر جائحة "كورونا"، مع دخولنا في الشهر الرابع من العام، بتحقيق الأرقام القياسية في خسائر العالم البشرية والإقصادية.

بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد المصابين بفيروس كورونا في العالم سيتجاوز المليون شخص، وأن عدد الوفيات سيصل إلى خمسين ألفا خلال أيام، توقع خبراء مؤسسة "آي إتش إس ​ماركيت​" أن ينكمش ​النمو العالمي​ بنسبة 2.8% هذا العام، مقارنة بانخفاض بلغ 1.7 % عام 2009.

وهنا لا بد من التساؤل، هل كان ​الإقتصاد العالمي​ بهذه الهشاشة حقًّا؟ وهل العالم ما قبل "كورونا" سيكون كما بعدها؟ لمزيد من التفاصيل، كان ل"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير والمستشار الإقتصادي د. سمير الضاهر:

- ما هي أهم الثغرات التي ظهرت في مناعة النظام الإقتصادي العالمي أمام امتحان "كورونا"؟

ما يشهده العالم اليوم نتيجة تفشّي هذا الوباء، وعجز جميع البلدان، المتطوّرة منها كما الفقيرة، على احتوائه، يُظهر أن أياً من المجتمعات لم يتَحَسّب ويأخذ بالاعتبار بالطريقة العلمية الصحيحة أسوأ السيناريوهات المحتملة (worst case scenario) — كما تُبْنى منشآت البنى التحتية كالسدودٍ والجسور مثلاّ لتمكينها من الصمود بِوَجه هزّات أرضية قويّة أو فيضانات قد تَحْدُث مرّةً كل خمسين سنة. فقد بات واضحاً مثلاً أن ​الولايات المتحدة​، القوة الاقتصادية الأولى في العالم، تفتقر إلى "​المخزونات الاستراتيجية​"، أي الكمّيات الكافية لمواجهة ومعالجة عدد الإصابات أو الحدّ من انتشارها. هذا يتعلّق بسلع ومعدّات مختلفة، من كمّامات وقائية، وأجهزة تَنَفُّس، وأسِرّة المستشفيات — في ​نيويورك​ مثلاً هنالك 50 ألف سرير فيما تفوق الحاجة حاليًا مئة وخمسون ألفاً.

الطريقة الوحيدة لحماية الاقتصاد في أي بلدٍ كان من الانهيار تكون في التغلّب بأسرع وقت ممكن على هذه الآفة أولاً بمنع انتشارها، الأمر الذي يتطلّب الحجر وعزل الناس في ​المنازل​ وإقفال المحال التجارية وأماكن العمل ما يعني انخفاض هائل بالإنتاج وتفاقم البطالة إن لم يؤل ذلك إلى وقف العجلة الاقتصادية كليّا.

- ما الذي ينتظر هذا النظام في مرحلة "ما بعد الفيروس"؟

أولاً هناك ضرورة لأخذ العبرة من الدرس الناتج عن هذه التجربة المؤلمة نتيجة أكلافها الباهظة بالأرواح ووقعها الاقتصادي، وذلك بإعادة النظر بمفهوم وأهمية المخزونات الاستراتيجية، بالتحسب لأسوأ السيناريوهات وأخذها على محمل الجدّ. كما أن هذه الأزمة أظهرت حدود التعاون بين الدول وتلاشي مفهوم العولمة إذ لجأت جميع الدول دون استثناء إلى التقوقع على نفسها والاهتمام حصرياً برعاياها وإقفال حدودها البرية والجوية والبحرية. وفي هذا الإطار تفاقمت العلاقات بين القوتَين الاقتصاديتين الأولى في العالم، الولايات المتحدة و​الصين​، اللتين تراشقتا الاتهامات بإحداث الأزمة، من إنتاج الوباء مختبريًا في أميركا إلى العمل على تصديره وانتشاره خارج الصين. ومن الأرجح ان تشهد المرحلة المقبلة صراع حاد بين هذين الطرفين حيث ستعمل الصين على "احتلال" الصدارة في الإقتصاد العالمي بعد الضربة الموجعة التي تلقّاها ​الاقتصاد الاميركي​ جرّاء الأزمة.

- هل يمكن للبنان الإستفادة من هبوط الأسواق المالية العالمية في التفاوض مع صناديق الاستثمار الأجنبية بشأن إعادة جدولة ​ديون​ البلاد؟

لبنان في حالة صعبة للغاية جرّاء هذا الوباء الفتاك الذي يطرأ، ولبنان في خضمّ أزمة مالية واقتصادية قاتلة، لا طاقة للخزينة على توفير أي مساعدة للأُسر أو مرافق الإنتاج، وفي غياب أو ندرة ​المساعدات​ الخارجية (إذ ان كل بلد لا يأبه سوى بشؤونه وشجونه اليوم)، وهو إضافةً يعاني من كثافة وضغط سكاني هائل نتيجة النزوح السوري،...

وحتى في ظل هبوط الأسواق المالية العالمية، لن يكون للبنان فرصة حقيقية للاستفادة، نظراً إلى أن 16 مليار دولار فقط من ​الدين العام​ البالغ 90 مليار ، هو في حوزة صناديق استثمار خارجية، إضافة إلى أن إنهيار الأسواق طال بشكل أساسي أسهم الشركات (البورصة) وليس ​السندات السيادية​، التي على العكس، شهد البعض منها ارتفاعاً في قيمتها نتيجة خفض أسعار الفائدة التي قررتها ​المصارف المركزية​، كما في الولايات المتحدة.