مع ارتفاع عدد الإصابات بفيروس "كورونا" المستجد في مختلف الدول وتجاوزها الـ700 ألف حالة، تزداد خسائر الاقتصاد العالمي نتيجة إغلاق المصانع والمؤسسات التجارية والسلاسل العملاقة و​شركات الطيران​ بالإضافة الى المطارات في معظم الدول، وذلك بالترافق مع الضغط الذي أدى إلى فقدان الكثيرين لوظائفهم، ودفع الحكومات و​البنوك المركزية​ للعمل على توفير حزم اقتصادية لمساعدة أصحاب الأعمال.

من جهتها، قدرت ​الأمم المتحدة​ أنه يمكن فقدان ما يصل إلى 25 مليون وظيفة في الاضطرابات الاقتصادية. في حين قال المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، روبيرتو أزيفيدو، إن التقديرات الحالية تشير إلى أن الخسائر الاقتصادية من جائحة فيروس "كورونا" المستجد ستكون أكبر من تبعات أزمة العام 2008.

وأبرز ما أظهره هذا الفيروس اقتصادياً هو هشاشة أغنى الدول وأعظمها. ففي الولايات المتّحدة، التي تم تسجيل أكبر عدد من الإصابات فيها، تدهورت الأوضاع لدرجة أن يرتدي الأطباء أكياس القمامة بدلاً من اللباس الوقائي الطبي لعدم توفره، وتم تسجيل اكثر من 3 مليون طلب لإعانات ​البطالة​ ، وهو اعلى بكثير من المستويات القياسية السابقة البالغة 695 الف طلب عام 1982. أما في ​أوروبا​، فقد ظهر الإنقسام العميق بين دول الإتحاد ، واعتبرت وزيرة الشؤون الأوروبية إميلي دو مونشالان ، إن كيفية تعامل الاتحاد مع تفشي ​فايروس​ كورونا ستحدد مصداقيته وجدواه، وذلك بعد الإخفاق في الاتفاق على إجراءات لتخفيف التداعيات على الاقتصاد.

ما هي أهم الثغرات التي ظهرت في مناعة النظام الإقتصادي العالمي أمام امتحان "كورونا"؟ وما الذي ينتظر هذا النظام في مرحلة "ما بعد الفيروس"؟ وهل يمكن ل​لبنان​ الإستفادة من هبوط الأسواق المالية العالمية في التفاوض مع صناديق الاستثمار الأجنبية بشأن إعادة جدولة ديون البلاد؟

يقول الخبير والمستشار الإقتصادي روي بدارو: "الركيزة الأولى لأي نظام إقتصادي هي الإنسان وأخلاقياته، وهذا ما افتقدناه بشكلٍ كبير في العشرين عام الماضية، حيث اتجهت الرأسمالية العالمية للتطرف ما أدى الى غياب المساواة".

ويضيف: "تطوّرت الإقتصادات لدرجة أنها لم تعد تهتم للمخاطر بالقدر المطلوب، وبات أهم أهدافها تحقيق الأرباح المادية"، لافتاً الى أن "​الإقتصاد العالمي​ يرتكز على الإقتصادات الكبرى أي ​الولايات المتحدة​ و​الصين​ تليها الدول الأوروبية ثم البرازيل...اليوم، نحن نشهد هبوط حرّ ب​الأسواق العالمية​، والدعم والتحفيز الذي قامت به الحكومات والبنوك المركزية في هذه الدول ليست الا جرعات لتأمين الصمود لفترة معيّنة، لكن السؤال: هل هناك ما يكفي من الدعم للفترة التي سيستغرقها تصنيع اللقاح، أي ما بين السنة والسنة والنصف؟ نحن في فترة جمود اقتصادي سيستمر أثره لسنوات (Depression) وليس لأشهر أو فصول أو أرباع (Recession)".

ولفت بدارو إلى ان الإنسان أيضاً "كفرد" نسي كم هو هش أمام الطبيعة، ويقول: "بات يستنزف الموارد، دون الأخذ بعين الإعتبار أي دراسات وأرقام يتم التنبيه اليها، تخلّى عن الأخلاقيات وبات كل همّه الربح المادي"، مضيفاً: "نحن اليوم نمر بمرحلة خطيرة تهدّد البشرية، ونتمنى أن يخلق نتيجتها انسان جديد، أكثر وعياً وبشكل خاص على صعيد أسلوب حياته من ناحية المحافظة على بيئته، وكيفية التعاطي مع غيره".

وعن استفادة لبنان من هبوط الأسواق العالمية في المفاوضات بشأن إعادة جدولة ​الديون​، يشير بدارو الى أنه لا يوافق على هذه النظرية، وقال: "في الوقت الذي تُمنى به هذه الصناديق بهذا الحجم من الخسائر ، هل ستلجأ الى تسهيل المفاوضات والشروط وتتخلّى عن جزء من مكاسبها أم أنها ستكون أكثر حزماً وتسعى لتحصيل أقصى ما يمكن تحصيله؟ هذه الأزمة منحتنا الوقت فقط".

وعن المرحلة المقبلة في لبنان، يرى بدارو أن لبنان "مقبل على أخطر مرحلة في تاريخه المعاصر والقديم"، موضحاً أن "أزمة كورونا كان لها تأثير كبير على كافة دول العالم التي كانت تنوي مساعدتنا وتقديم التمويل لنا، وتلك التي لم تتمكّن منها كورونا تأثرت من الإنخفاض الحاد بأسعار ​النفط​، ما سيؤدي ليس فقط الى التراجع عن مساعدتنا بل الى عودة عدد كبير من المغتربين اللبنانيين الى وطنهم، كما أن ​صندوق النقد​ لن يتمكّن من تقديم ​المساعدات​ لنا بالحجم المطلوب".