مع مواصلة عداد ​كورونا​ منحاه التصاعدي، وفرض الحجر الصحي في معظم دول العالم، وإغلاق العديد من المدن الكبرى، وازدياد المشاهد المؤلمة من ​أوروبا​، وخاصة من ​إيطاليا​، ينتابنا شعور بعدم الأمان، وبأن حياتنا باتت في حالة من الفوضى العارمة.

فمنذ فترة ليست بطويلة، لم يكن أحد يعلم أن "السارس CoV-2"، أو ما يعرف بفيروس كورونا المستجد، موجود حتى. واليوم، بات هذا الفيروس منتشرا في كل بلد تقريبًا، حيث أصاب نحو 473 ألف شخص على الأقل، ممن نعرفهم، ناهيك عن العدد الذي لا نعرفه بعد!

لقد تعطل المجتمع الحديث على نطاق غير مسبوق، واهتزت أكبر اقتصاديات العالم. لقد تزعزت أحوال جميع الشركات، وبمختلف أحجامها، كما امتلأت المستشفيات بالمرضى، وانهارت أنظمة ​الرعاية الصحية​. لقد ابتعد الناس عن أماكن عملهم، وأصدقائهم، وأُجبر الملايين على ملازمة منازلهم، الى أجل غير مسمى، وذلك للحد من انتشار العدوى.

توقفت عجلة الاقتصاد. نحن في أزمة حقيقية. نعيش في أسوأ الأوقات. ومع ذلك، الأمل موجود. وهذه المرحلة مؤقتة، وسوف تنتهي قريبا. لذا، إذا كنت تشعر بالإحباط و​اليأس​ فكر في أن الحياة في ​الصين​ و​كوريا الجنوبية​، بدأت بالعودة تدريجيا إلى طبيعتها!

وفي لبناننا، تبقى المواجهة متواصلة، قبل كورونا وبعده. ففي بلد يعاني بالأساس من مشاكل ومعضلات متنوعة على الصعيدين المالي والنقدي، ويمرّ بأسوأ أزمة في تاريخه الحديث، أصبح الاقتصاد أمام تحديات مصيرية. وللحديث عن آخر المستجدات حول تداعيات كورونا على الدولة والمؤسسات والأفراد، كان لـ"الاقتصاد" هذه المقابلة الحصرية مع ​الخبير الاقتصادي​ د. بلال علامة:

- ما أهمية ​المساعدات​ التي أقرتها الحكومة؟ هل ستستفيد منها فعلا الفئات الأكثر فقرا في ظل غياب الداتا والأرقام الدقيقة حول هذا الموضوع؟ والى متى ستبقى ​الدولة اللبنانية​ قادرة على تقديم هذه المساعدات؟

للأسف، إن المشكلة الموجودة في السياسات التي تتبعها الحكومة اللبنانية، أو كل من بيده السلطة في لبنان، تكمن في العمل على الصدمة؛ أي أن المقررات تكون عبارة عن ردة فعل، وليست بحد ذاتها فعل.

يجب أن تخضع عملية توزيع المساعدات في حالة الأزمات، لاعتبارات مدروسة جدا، وبالتالي اتباع سياسات عامة، تضمن تسير عملية توزيع هذه المساعدات بمسارها الطبيعي، لمعالجة آثار الأزمة على الشعب اللبناني ككل، وليس على الفئات الزبائنية أو المستفيدة.

فالتخوف اليوم يدور حول إمكانية ذهاب هذه المساعدات الى الأشخاص نفسهم الذين كانوا دائما موجودين في خانة الزبائنية أو المحسوبية، وبالتالي، لا يحصل الأشخاص الذي هم فعلا بحاجة الى المساعدة، على شيء!

لقد أقرت الحكومة مبلغ يقدر بـ180 ألف للعائلة، ومن المفترض أن تصل المساعدات الى حوالي 100 ألف عائلة؛ علما أن كل الحسابات والدراسات والاحصاءات الموجودة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، تشير الى أن عدد العائلات الأكثر فقرا يبلغ نحو 40 ألف.

أما بالنسبة الى الفترة الزمنية التي بإمكان الدولة خلالها تقديم المساعدات، فمن المؤكد أنها ليست بطويلة. ويبدو أن آثار الأزمة ستكون كبيرة جدا، وبالتالي، من المطلوب تحويل كل المساعدات التي كانت واردة الى الدولة اللبنانية، عبر "اليونيسف" والمنظمات الدولية و​البنك الدولي​ وغيرها، والتي كانت مخصصة لدعم قطاعات معينة كالتعليم وغيره، الى خانة المساعدة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي خلال هذه الأزمة.

- ما هو مصير المؤسسات الخاصة وأصحاب المهن الحرة بعد انتهاء أزمة كورونا؟ كيف ستتمكن من النهوض مجددا بعد فترة الإغلاق الطويلة؟

أعتقد أن الأزمة التي ستطال أصحاب المهن الحرة والحرفيين والمؤسسات الصغيرة التي توقف عملها اليوم، ستكون أخطر من أزمة الكورونا!

ونحن نعلم أن 80% من ​الاقتصاد اللبناني​ ومقومات المجتمع اللبناني، تقوم على هذه الفئة، ومن هنا، فإن نتائج هذه الأزمة ستكون كارثية، سواء لناحية الايجارات المتراكمة، أو الرواتب للموظفين، أو الأعباء الضريبية التي ستتحملها لاحقا، إضافة الى عدم القدرة على الاستمرار في ظل الإقفال.

وانطلاقا من هذا الواقع، على الحكومة تقديم مشروع لدعمهم أو لتأمين استمراريتهم. ولا شك أن قرار وزير المالية بتمديد المهل وإعطاء بعض التسهيلات، هو جيد، لكنه غير كاف.

- ما رأيك بالتعميم الذي أطلقه ​مصرف لبنان​، والذي يتيح للمصارف الاقتراض منه ب​الدولار​ وبفائدة صفر، مقابل استخدام المبالغ المقترضة لتأجيل قروض الزبائن، وتمكين المؤسسات من تسديد الأكلاف التشغيلية، ودفع أجور العاملين لديها، بقروض فائدتها 0% لمدة 5 سنوات؟ ومن هم أكبر المستفيدين؟

مبادرة مصرف لبنان هي الى حد ما، محاولة لتأمين أموال المصارف، ولإعادة تعويم الواقع المالي في المصارف، بسبب زيادة التعثر في عملية سداد القروض و​الديون​.

ولكن المشكلة لا تقف عند هذا الحد، لأن العقدة الفعلية ستبدأ بعد انتهاء أزمة الكورونا، حيث أن الحرفيين وأصحاب المهن الحرة و​المياومين​، لن يحصلوا على شيء، لأن شروط القرض لا تنطبق على المؤسسات الصغيرة ولا على أصحاب المهن الحرة.

- كيف تقيم المنحى التصاعدي الذي يسير به الدولار بعد أن لامس حدود الـ2800؟ هل سيواصل ارتفاعه في الأيام المقبلة؟

أعتقد جازما أن هناك استحالة لضبط السوق الموازي في ظل الوضع القائم حاليا في البلد، خاصة أن كل الأمور تقتصر على طلب الدولار، في ظل غياب شبه تام للعرض.

سيواجه مصرف لبنان صعوبة كبيرة في ضبط هذا الأمر، في ظل وجود سعرين؛ السعر الرسمي المتداول في المصارف، والسعر المتداول في السوق الموازي، الخاضع للعرض والطلب، ولمصلحة شركات أو أشخاص معينين يتحكمون بالسوق. حيث أن موازين العرض والطلب تختل، عادة، عند وجود قوى احتكارية، وفي لبنان، بات لدينا عددا من الرؤؤس الاحتكارية في موضوع الدولار.

وبالتالي سوف يستمر التصاعد في الأيام المقبلة، طالما أن المبادرات الجدية لكبح زمام السوق الموازي - أي تأمين عرض مقابل الطلب - غائبة.