امام هول الفاجعة التي تحل بالانسان اليوم قد يكون من السخافة التحدث عن الخسائر الاقتصادية التي يخلفها فيروس ​كورونا​ . الا ان الأمل الذي يتمسك به الانسان يضعه دائما في خانة البحث عن الغد الافضل ، الذي يسمح له بوضع خيباته وخوفه ومآسيه وراءه ، في سجل التاريخ الحزين المليء بالنكبات والويلات والاوبئة.

والمراقب اليوم لسير التطوّرات في العالم ، يلاحظ كيف ان رؤساء الدول يتسابقون في اكتشاف العلاج الشافي وابتكار اللقاح الفعّال للفيروس المتوّحش والكاسح للبشرية ، ولكن في المقابل يشّرعون دفاتر حسابتهم لتسجيل الخسائر الاقتصادية والتجارية المتصاعدة التي يخلّفها الفيروس .

كل الحركة التجارية في قبضة كورونا .

حالة عدم اليقين المضافة ستؤدي إلى تقييد الاستثمار والإنتاجية، التي بدت بالفعل هزيلة في جميع الاقتصادات الكبرى.

كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن إدارة الرئيس ​دونالد ترامب​، ستطلب نحو 850 مليار دولار لحماية الاقتصاد من التبعات الاقتصادية لفيروس كورونا.وخصصت ​نيوزيلندا​ حزمة اقتصادية بقيمة 12.1 مليار دولار نيوزيلندي (7.3 مليار دولار أميركي)، لمواجهة التداعيات السلبية لانتشار وباء كورونا.

من ناحيتها ، حذرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، من التداعيات الكبيرة لتفشّي فيروس كورونا المستجد على ​الاقتصاد العالمي​ الذي توقعت ألّا تتخطى نسبة نموه 2،4% هذا العام، فيما ستتحرك ​مجموعة السبع​ ومنطقة الأورو لإيجاد سبل للتنسيق لمواجهة الأزمة.

يواجه الاقتصاد العالمي في الأساس خطر الانكماش في الربع الأول من العام، بحسب المنظمة.

كما صرح رئيس اتحاد ​النقل الجوي​ الدولي "​إياتا​" ألكسندر دي جونياك باحتمالية انهيار المزيد من ​​شركات الطيران​​ في حالة استمرار انتشار فيروس "كورونا" لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر أخرى. وقال دي جونياك "من المتوّقع أن تخسر شركات الطيران العالمية 113 مليار دولار دون أخذ قرار الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بتقييد السفر بين ​​أوروبا​​ والولايات المتحدة في الاعتبار".

و توّقع أن تصل خسائرها من إجمالي الإيرادات المفقودة الى 29.8 مليار دولار في العام 2020.

والحال في ​قطاع النقل​ البحري ليس افضل بتاتا. والفاتورة ضخمة بدورها .

الصين​ مصدر تجاري مهّم للمنطقة وللعالم . مع نكبة الصين اولا وبعدها نكبة جميع الدول بالفيروس ، ما هي تداعيات الفيروس على الحركة التجارية ؟ وبالتالي على حركة ​الملاحة البحرية​ في العالم وخصوصا في لبنان؟

هل هناك من تدابير احترازية تم اللجوء اليها للوقاية من الفيروس في مرفأ بيروس ؟

زخور

النائب الاول لرئيس الاتحاد العربي لغرف الملاحة البحرية رئيس الغرفة الدولية للملاحة في بيروت ايلي زخور يقول " للاقتصاد " : الانتشار الواسع للفيروس في الصين شلّ عجلة الانتاج وحركة التصدير والاستيراد عبر عدد كبير من المرافئ، مما أدى الى إجبار أهم وأكبر خطوط الملاحة البحرية العالمية كـ “Maersk” الدانمركية، “MSC” السويسرية، “CMA CGM” الفرنسية وغيرها ... الى تعليق رحلات بواخرها الى المرافئ الصينية وتغيير مسار إبحارها الى مرافئ البلدان المجاورة لتفريغ البضائع المستوردة الى الصين. وقد تراجعت صادرات الصين في الشهرين الأولين من العام الحالي بنسبة 17.2 بالمئة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، كما انخفضت وارداتها بنسبة 4 بالمئة.

وأدى إغلاق المصانع والمعامل في الصين الى تراجع حاد بأسعار ​النفط​ الذي تدنى لأقل من 30 دولارا للبرميل الواحد، كما تدهورت أجور استئجار ​ناقلات​ النفط بنسبة 70 بالمئة. ورافق هذا التراجع هبوط حاد بأسعار ​الفحم​ و​الحديد​ اللذين يعتبران من أهم المواد المستوردة الى الصين مع النفط لتشغيل مصانعها ومعاملها.

كما سجّلت السعة الاجمالية للبواخر التي وضعت خارج الخدمة (Idled vessels) بسبب تراجع حركة التجارة البحرية العالمية رقما قياسيا فبلغ أكثر من مليوني حاوية نمطية، أي ما نسبته أكثر من 8 بالمئة من السعة الاجمالية للاسطول التجاري العالمي البالغة أكثر من 23 مليون حاوية نمطية.

ومن المتوقع أن تتراجع حركة الحاويات التي تؤمن شحنها خطوط الملاحة البحرية في العام الحالي أكثر من 17 مليون حاوية نمطية، ومحطات الحاويات العالمية انخفاضا بحركتها يتجاوز الـ50 مليون حاوية نمطية.

خطوط الملاحة البحرية والجوية

ويتابع زخور : لقد ضرب الفيروس كورونا أيضا قطاعي السفر و​السياحة​ البحرية والجوية، فأعلن المجلس العالمي للسفر والسياحة أن هذا الوباء أصبح يشكل تهديدا خطيرا للسياحة البحرية والجوية ويمكن أن يؤدي الى إلغاء أكثر من 25 مليون وظيفة، مع إلغاء الآلاف من ​الرحلات​ بعد فرض العديد من الدول قيودا على السفر بحرا وجوا في محاولة لاحتواء تفشي هذا الوباء. وقدر المجلس أن تتجاوز خسائر هذا القطاع الـ 90 مليار دولار في العام 2020.

وكان اتحاد النقل الجوي الدولي قد قال أن شركات الطيران العالمية باتت تحتاج لمساعدات مباشرة بقيمة تتخطى الـ200 مليار دولار لمواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا، بعد إغلاق معظم الدول مطاراتها وإيقاف الرحلات الجوية.

واستبشر قطاع ​النقل البحري​ والجوي خيرا بعد إعلان الصين أنها تمكنت من احتواء الفيروس واستيعابه والبدء في استعادة عافيتها والعودة التدريجية لعجلة العمل في مصانعها ومعاملها واستئناف النشاط شبه الطبيعي في مرافئها ومطاراتها.

لكن هذه البشائر الايجابية التي لاحت في الساحة الصينية ولاقت ترحيبا من قبل الخطوط البحرية والجوية العالمية ذهبت أدراج ​الرياح​ مع الاعلان المفاجئ لمنظمة ​الصحة العالمية​ أن "القارة الاوروبية تحولت الآن الى بؤرة لتفشي فيروس كورونا عبر العالم"، داعية "دول العالم للتعاون في جهود مكافحته، مقترحة "الاستفادة من تجارب كل من الصين و​كوريا الجنوبية​ واليابان في التصدي له".

إن هذا الاعلان الخطير والزيادة الكبيرة بتفشي هذا الوباء وانتشاره في ​الولايات المتحدة الاميركية​ ودول أخرى في أنحاء العالم، دفعا معظم الدول الى إعلان حالة طوارئ صحية ففرضت شبه منع تجول في مدنها، فأغلقت المدارس والمقاهي والمطاعم والمتاجر ودور اللهو وحتى المصانع، فشلّت الحركة الاقتصادية والتجارية في البلاد، كما عمدت دول أخرى الى إغلاق مطاراتها ومرافئها.

أسوأ أزمة مالية واقتصادية

ويعتبر زخور ان تفشي وباء كورونا وانتشاره في معظم بلدان العالم سيؤدي حتما الى فرملة عجلة الانتاج في الصين وحركة التصدير والاستيراد في مرافئها والمزيد من التراجع في قطاع النقل البحري العالمي ويكبد الخطوط البحرية العالمية خسائر فادحة.

ومن المنتظر في حال عدم إيجاد لقاح أو علاج لفيروس كورونا في المستقبل القريب، أن يشهد العالم أسوأ أزمة مالية واقتصادية منذ العام 2009. فرئيسة ​البنك المركزي الاوروبي​ ​كريستين لاجارد​ حذرت من تعرض أوروبا لصدمة اقتصادية موجعة مماثلة للأزمة المالية العالمية التي اندلعت في العام 2008، كما أن ​المستشارة الالمانية​ ​أنجيلا ميركل​ أكدت أن الفيروس كورونا ستكون له عواقب وخيمة على النظام الاقتصادي "وهذا تحد غير معروف بالنسبة لنا"، مضيفة أن الوضع الحالي هو أشد خطرا من الأزمة المالية العالمية في 2008-2009.

وأفادت ​منظمة التعاون الاقتصادي​ والتنمية أن النمو الاقتصادي العالمي قد ينخفض الى 1.5 بالمئة في العالم بسبب الفيروس كورونا، أي الى نصف المعدل الذي كانت تتوقعه البالغ 2.9 بالمئة، الذي سيؤدي الى ركود اقتصادي عالمي غير مسبوق.

النقل البحري اللبناني في العناية الفائقة

أما بالنسبة الى تأثير هذا الوباء على قطاع النقل البحري في لبنان، فيشير زخور الى أن قطاع النقل البحري كان في العناية الفائقة قبل وصول كورونا الى لبنان بسبب الاوضاع الاقتصادية والمالية المتدهورة في البلاد واجراءات ​المصارف​ الجائرة. وأول اختبار تعرّض له قطاع النقل البحري اللبناني مع هذا الفيروس، كان مع وصول باخرة تابعة لمجموعة “CMA CGM” الفرنسية الى ​مرفأ بيروت​ في 4 شباط الماضي، قادمة من المرافئ الصينية والشرق الاقصى حيث رست في المرفأ بعدما أثارت جدلا واسعا من مخاوف احتمال إصابة أحد أفراد طاقمها بفيروس كورونا ونقل العدوى الى الداخل اللبناني ، فقد كشف فريق الحجر الصحي في مرفأ بيروت والتابع لوزارة الصحة على طاقم الباخرة قبل دخولها الى المرفأ . واكد الكشفأن ان أفراد طاقم الباخرة بصحة جيدة، كما خضعت الباخرة مجددا وهي راسية في المرفأ للتفتيش من قبل ​الامن العام​ الذي تبين أنها تعتمد المعايير الصحية العالمية.

اجراءات صحية على البواخر

كما فرضت وزارة الصحة على كافة البواخر التي تؤم المرافئ اللبنانية تزويد فريق الحجر الصحي في الميناء ورئاسة الميناء لائحة بأسماء المرافئ العشرة الاخيرة التي أمتها الباخرة قبل وصولها الى مرفأ بيروت، مع شهادة صحية صادرة عن جهة صحية معترف بها دوليا، تفيد أن الباخرة خضعت لفحص طبي مع أفراد طاقمها. كما فرضت على كافة البواخر القادمة الى مرفأ بيروت من المرافئ الصينية أن تخضع لكشف صحي ميداني من قبل فريق الحجر الصحي للتأكد من أن أفراد طاقمها يتمتعون بصحة جيدة قبل السماح لها بالرسو في المرافئ اللبنانية.

ولا بد من التوضيح أن الفيروس كورونا لا ينتقل عن طريق البضائع أو السلع المستوردة من الصين وغيرها من البلدان، كما أكدت المختبرات بعلم الفيروسات في العالم، علما أن الصين صدرت الى لبنان في العام 2019 سلعا بلغت قيمتها الاجمالية 1.627 مليار دولار أميركي، في حين لم تستورد من لبنان بأكثر من 14 مليون دولار.

اجراءات المصارف الجائرة

ويلفت زخور مجددا الى معاناة قطاع النقل البحري اللبناني مع اجراءات ​المصارف اللبنانية​ الجائرة المتمثلة بوقف فتح الاعتمادات المستندية للتجار لاستيراد السلع والبضائع وللصناعيين لاستيراد المواد الأولية لمصانعهم، بالاضافة الى منع التحويل الى الخارج للاموال وأجور الشحن لصالح الخطوط البحرية العالمية. إن هذه الاجراءات أمعنت في ضرب حركة مرفأ بيروت الاجمالية ومجموع ​الواردات​ المرفئية ونشاط النقل البحري اللبناني والقطاع الاقتصادي والتجاري في البلاد.

تراجع كبير في حركة مرفأ بيروت

من جهة اخرى ، يفنّد زخور ما سجلته ​احصاءات​ مرفأ بيروت لشهر كانون الثاني من العام الحالي وفق التالي : انخفاض غير مسبوق بالوزن الاجمالي للبضائع الذي بلغ 363 ألف طن مقابل 532 ألف طن للشهر نفسه من العام الماضي، أي بتراجع دراماتيكي قدره 169 ألف طن ونسبته 32 بالمئة. كما انخفض مجموع الحاويات الى 81 ألف حاوية نمطية مقابل 91 ألف حاوية، أي بتراجع قدره 10 آلاف حاوية نمطية ونسبته 11 بالمئة. كما أظهرت الاحصاءات تدهورا كبيرا بحركة الحاويات المستوردة برسم الاستهلاك المحلي حيث تراجعت الى 14 ألف حاوية نمطية مقابل 30 ألف حاوية، أي بانخفاض قدره 16 ألف حاوية نمطية ونسبته 53 بالمئة. بينما ارتفعت حركة الحاويات برسم المسافنة الى 46 ألف حاوية نمطية مقابل 32 ألف حاوية، أي بزيادة قدرها 14 ألف حاوية نمطية ونسبتها 44 بالمئة. وقد أدى انخفاض الحركة الاجمالية في مرفأ بيروت الى تراجع كبير بمجموع الواردات المرفئية الى 12.374 مليون دولار مقابل 17.756 مليون دولار، أي بانخفاض قدره 5.382 ملايين دولار ونسبته 30 بالمئة.

ومن المنتظر أن يسجل قطاع النقل البحري اللبناني المزيد من التدهور مع استمرار تفشي هذا الوباء ومواصلة المصارف في اجراءاتها التي ما تزال تشلّ أيضا الحركة الاقتصادية والتجارية في البلاد.

من المؤسف رسو الأمور على هذا الواقع السيء . ولكن هذا لا يعني بقاء الرياح المعادية للسفن ، اذ هناك اصرار من قبل الجميع على تجاوز هذه المرحلة الصعبة والوصول الى شاطىء الآمان .