"نحنا الدولة".. ليست عبارة قالها أحد المهووسين بالخارج عن القانون بابلو اسكوبار، أو أحد الحزبيين الطامحين بمنصب يصل اليه من خلال توزيع الخدمات هنا وهناك. "نحنا الدولة" هو مبدأ ترسّخ لدى ال​لبنان​يين ويلخّص فكرة أننا كأفراد في هذا المجتمع ليس لنا سوى بعضنا البعض، وعلينا دائماً أن نمسك "نحن" بزمام الأمور وإلا فإنها ستتحوّل من سيء الى أسوأ، تماماً كتجاربنا في "لبنان يحترق"، "لبنان يغرق"، وإلى الكثير غيرها...

وفي زمن الكورونا أيضاً، لم ينتظر اللبنانيون دولتهم لتنظر الى حال من تأثّر بتداعيات الأزمة وتبحث ما إذا كانت قادرة على المساعدة أم لا، وإن كانت ستجد من يثق بها ويتبرّع لصندوقها أم لا، فانطلقوا بمبادراتهم، كلٌّ من منطقته.

محمد علي بيطار، عبد بيطار، وسيم قشور، علي جرادي، وسمر أبو زيد، هم مجموعة أصدقاء في مدينة النبطية يتمتعون بسمعة جيدة في محيطهم، قرّروا إطلاق مبادرتهم من منطلق انساني وإحساس بالمسؤولية تجاه مجتمعهم. المجموعة التي تؤكد عدم انتمائها لأي حزب أو جمعية تتلقّى ​المساعدات​ المالية والعينية وتقوم بتوزيعها كحصص غذائية تتضمن المواد الأساسية على ما يتراوح بين 50 و70 عائلة يومياً. (يمكن التواصل مع محمد علي بيطار على الرقم التالي: 71703870)

يقول محمد: "كان من الضروري أن نقوم بأي خطوة خلال هذه الأزمة التي منعت من التجمعات وأدّت الى إقفال المحال التجارية والمقاهي، إضافةً إلى أزمة اقتصادية خانقة موجودة أصلاً".

ويطلب محمد علي في حديثه لـ"الإقتصاد" من الجميع عدم التردد في تقديم المساعدة ولو كانت بمبلغ صغير أو حتى ربطة خبز.

وفي النبطية أيضاً، علي فوز انطلق بشكل فردي في الحي الذي يسكنه بكفررمان، حيث قدّم المساعدة لعدد من الجيران الذي طلبوا مساعدات بسيطة في بداية الأزمة أو كان وسيطاً بين من يملك الشيء ومن يطلبه، إلى أن أصبحت الطلبات كثيرة ومن مناطق بعيدة (بيروت، الجبل، وحتى القبّة..) فانضم اليه عدد من الأصدقاء الذي يقدّمون مجهودهم وحتى سياراتهم، مشيراً إلى أن "المساعدات أيضاً بات يتم تحويلها من كافة مناطق لبنان عبر خدمة OMT".

ويقول علي أن الحصص بدأت بالحاجات الأساسية، ولم تتعدّى قيمتها الـ30 ألف ليرة، أما اليوم وبعد ارتفاع ​التبرعات​ باتت تصل قيمة الحصة الى 60 ألف، بحيث يمكن أن تؤمن حاجة العائلة لمدة تصل الى شهر.

المجموعة التي باتت تتألف من 15 شاباً، قامت حتى اليوم بتوزيع 500 حصة غذائية، وهي تلبّي كافة الطلبات، يقول علي: "منذ عدّة أيام، اتصلّت سيدة حامل على وشك الولادة وطلبت ​ملابس​ للجنين القادم، فاشترينا الملابس وقمنا بتعقيمها وتوصيلها الى منزلها في بيروت.. نقوم بكل ما يمكننا بما هو متوفر لدينا". (يمكن التواصل مع علي فوز على الرقم التالي: 03383817)

وفي زغرتا، تشير ورده بوضاهر، الناشطة على مواقع التواصل في مجال التوعية الإجتماعية والنفسية، الى أن المبادرة في منطقتها انطلقت مع ​فيديو​ توعوي نشرته عن الأوضاع التي نشهدها في ظل أزمة "كورونا". وتقول ورده: "شكل عدد من الشبان والشابات من المنطقة وأنا مجموعة واجتمعنا فيما بعد واتفقنا على وضع برنامج أسبوعي ترفيهي لسكان المنطقة".

وتوضح: "النشاطات سنقدمها عبر صفحاتنا على ​مواقع التواصل الإجتماعي​ طبعاً، وستشمل برامج رقص، و​رياضة​، وطبخ، وحلقات توعية من أشخاص متخصّصين ويعملون في هذه المجالات لكن أجبروا على البقاء في المنزل، بالإضافة الى جهوزيتنا لتقديم المساعدة للمستشفيات، في الوقت الذي يتم تجهيز مستشفى في المنطقة "، لافتةً الى أنه "فكرنا بالوصول لكبار السنّ أيضاً من خلال القناة المحلية في زغرتا "Zgharta Channel".

وأضافت: "كما نبحث فكرة تقديم خدمة توصيل الحاجيات للمنازل في فترة الحجر".

وعلى نطاقٍ أوسع، يشير علاء الصايغ، أحد منسقي خلية طوارئ محلية لإدارة الأزمات - تضامن الناس، وهي مجموعات ناشطة في العمل الإجتماعي من قبل أزمة "كورونا" وحّدت جهودها اليوم مع عدد من الأخصائيين/ات بالتنسيق مع الجهات الرسمية والمحلية.

ويضيف الصايغ: "تقوم الخلية بتجميع الجهود لتأمين دعم مادي ولوجستي لمجموعات محلية متطوعة في مختلف المناطق في لبنان. ستساهم هذه الجهود في مساندة الجهات المحلية في تأمين الاحتياجات الصحية، الاجتماعية والاقتصادية. تتضمن الجهود تأمين المنتوجات الغذائية للعائلات الأكثر حاجة حسب مسح الفرق التطوعية، بالإضافة الى نشر التوعية اللازمة للوقاية من خطر العدوى. وستقوم المجموعات الفاعلة بتأمين كافة سبل الوقاية للفرق التطوعية المحلية من حاجات أساسية (كمامات، مواد تعقيم، ملابس حماية) للحد من انتشار الفيروس"، لافتاً الى أن عدد المتطوعين وصل الى أكثر من 250 في كافة المناطق اللبنانية: بيروت، الضاحية الجنوبية، بعلبك، عاليه المدينة والجرد، زحلة والبقاع الغربي، النبطية، ​صور​، ​صيدا​، الشوف، حاصبيا، كسروان، و​طرابلس​". (يمكن إيجاد الخطة بالملف المرفق في نهاية المقال)

كما يشير الى وجود مجموعة من المغتربين الذين يعرضون خدماتهم التطوعية بالإضافة الى التبرعات عبر رابط مخصّص للحملة على "GoFundme". وللتبرّع يرجى الضغطهنا .

وبدورها، تؤكد الناشطة في "تضامن الناس" أيضاً، إيميه غانم، أن المبادرات مهمة جدًّا "الا أنها لن تحل محلّ الدولة طبعاً. في الوقت الحالي نجري مسحاً ميدانياً لحجم الإحتياجات، وسنقوم بأقسى ما يمكن من خلال الخلايا في كافة المناطق".

ومن جهته، يلخّص المهندس حسن صالح، المتطوع في "تضامن الناس" بطرابلس، ما يقوم به مع مجموعة كبيرة من المتطوعين بتأمين الحصص الغذائية بالإضافة للعمل بشكلٍ مكثف على موضوع التوعية بشأن الوقاية من الفيروس. ويقول: "كما نعمل مع المبادرات الأخرى لدعم خطط بعضنا البعض (، فمنذ فترة أطلقت إحدى المجموعات في المنطقة مبادرة لجمع المال لأشخاص يحتاجون لإجراء فحص "الكورونا" بعد أن أصيب أحد أقاربهم، فكما نعلم الفحص ليس مجاني. كان دورنا في تضامن الناس أن نُعلم محيطنا والأشخاص المقتدرين بهذه المبادرة، حتى تم جمع المبلغ وتبيّن إصابة شخصين من أصل 10 بالفيروس، مع الإشارة الى أن الفضل الكبير الذي يعود لمبادرة لجنة طوارئ جبل محسن هنا".

ويضيف: "يهمّنا أن نثني على دور مستوصف الزهراء الطبي الأساسي في التوعية من خلال الفيديوهات التي يعدّها".

ويضيف: "في الوقت الحالي، مصانع الثياب في طرابلس متوقّفة عن العمل، وكما نعلم هناك نقص في الكمامات بالسوق اللبناني، وانطلاقاً من ذلك راودتنا فكرة خلق خلية تنتج هذه السلعة، حيث يتم تأمين الكمامات للسوق وفي الوقت نفسه يجري تشغيل المصانع التي يعمل فيها من يؤمن لقمة عيشه "كل يوم بيومه". حالياً، ندرس الموضوع أكثر ونتمنى ان نقدر على اطلاق حملتنا على مستوى محلي و دولي اوسع لجمع التبرعات و البدء بالتوعية الحقيقية).

أما في حاصبيا، يقول باسل عامر، المتطوع في "تضامن الناس": "نحن مجموعة شبان مستقلّين من أبناء المنطقة، نعمل خلال هذه الأزمة على توصيل حاجيات الناس الى منازلهم في فترة الحجر كي لا يضطروا الى الخروج والتعرض لخطر الإصابة بالفيروس. كما نعمل حالياً، مع الصليب الأحمر اللبناني على حملات توعية على نطاق أوسع من الحملات المقتصرة على وسائل التواصل الإجتماعي".

ويضيف باسل: "كما نجري مناقشات مع أصحاب البيوت المؤجرة لعائلات خسرت مدخولها في هذه الفترة، للتساهل قدر الإمكان مع هذه العائلات بخصوص بدلات الإيجار"، مشيراً الى عمل مجموعتهم أيضاً مع البلديات على خطط ذات نطاق أوسع.