للمرة الأولى في تاريخها المعاصر تصمت بيروت ويصمت معها لبنان من أقصاه الى أقصاه، فالشوارع شبه خالية، والمتاجر بمعظمها مقفلة، اما المطاعم والمقاهي فقرروا بدورهم الاقفال، حتى المساجد والكنائس خلت من المصلين، وكذلك الأمربالنسبة للمرافق (البرية، البحرية والجوية)، التي توقفت حركتها بعد قرار التعبئة العامة الذي اتخذته ​الحكومة اللبنانية​ مؤخراً لمنع تفشي فيروس "كورونا" المستجد.

قرار الحكومة – وان أتى متأخراً – كان صائباً من أجل المحافظة على الأمن الوقائي تجاه وباء عالمي، استطاع حصد أرواح نحو 8 آلاف شخص واصابة أكثرمن 200 الف حالة في جميع أنحاء العالم، وبفترة وجيزة.

وعلى الرغم من وعي اللبنانيين لخطورة هذا الفيروس المستجد، والتزامهم منازلهم الا ان عدداً قليلاً منهم أصروا على المخاطرة بحياتهم وربما بحياة الآخرين وفتحوا متاجرهم.

كان لـ"الاقتصاد" جولة على بعض هذه المتاجر للاطلاع من أصحابها على الأسباب التي دفعتهم الى فتح متاجرهم، وقد أكد معظمهم ان غياب الدولة هو الذي دفعهم الى هذه المخاطرة، فصاحب الايجار لا ينتظر، والدولة لا تنتظر، و​المصارف​ لا تنتظر، وكذلك الأمر بالنسبة للمالية والبلدية وفواتير الهاتف والمستحقات الشهرية هذا فضلاً عن الضرائب والرسوم التابعة للدولة التي وحتى هذه اللحظة لم تتخذ اي خطوة او اجراء حقيقي تجاه شعبها - الذي أصبح بمعظمه يعيش تحت خط الفقر- اسوةً بما فعلته الدول الأخرى تجاه مواطنيها في ظلّ غلاء مستشري وازمة سيولة حادة.باختصار "اذا ما متنا بالكورونا رح نموت من الجوع".

ولكن اين الدولة اللبنانية من وجع الناس؟

منذ اللحظة الأولى لتفشي هذا الوباء، اتخذت معظم دول العالم حزمة إجراءات اقتصادية تجاه شعبها، فعلى سبيل المثال لا الحصر،قامت ​الأردن​ بتأجيل استحقاق ​ضريبة المبيعات​ لحين قبض المبالغ من ​القطاع الخاص​، وتعليق تنفيذ فصل التيار الكهربائي عن غير المسددين لمدة شهر، إلى جانب السماح بتقسيط فواتير ​الكهرباء​ للقطاعات المتضررة، هذا فضلاً عن ضخ سيولة بلغت نحو 550 مليون دينار، وسُمح للمصارف بإعادة هيكلة القروض وتأجيل أقساط التسهيلات الإئتمانية الممنوحة لعملاء القطاعات الإقتصادية المتأثرة. بدورها قدمت قطر تحفيزات مالية للقطاع الخاص قدرت بنحو 75 مليار ريال، كما قامت بتأجيل أقساطجميع المقترضين.أما ​حكومة دبي​ فقدمت العديد من الحوافز الاقتصادية والنقدية والتيقُدرت بمليارات الدراهم اضافةً الى ذلك، قامت بإجراءات تضمنت نحو 15 مبادرة لخدمة قطاعات ​التجزئة​ والتجارة و​السياحة​ و​الطاقة​، فضلاً عن قيامها بإجراء ​حسومات​ على فواتير ​المياه​ والكهرباء.

الاجرءات الاقتصادية طالت الدول الأوروبية ايضاً، حيث عمدت معظم حكومات هذه الدول الى ضخ مليارات الدولارات كحوافز من أجل تخفيف عبء الأضرارالإقتصادية والاجتماعيةعن المستثمرين والموظفين في القطاعات كافة.

اما في لبنان الذي يعيش أزمة اقتصادية حادة على الصعد كافة، فحتى الساعة لم يصدر عن الحكومة العتيدة اي قرارات او اجراءات استثنائية لحماية الشعب اللبناني من أسوأ ​ازمة اقتصادية​ واجتماعية في تاريخه الحديث،انما اكتفت الدولة بالطلب من الشعب اللبناني بالتبرع لها لمواجهة فيروس "كورونا" المستجد، ولهذه الغاية تقرر فتح حساب في ​مصرف لبنان​ لتلقي الهبات و​المساعدات​ النقدية!!!

جمالي: سأتقدم باقتراح قانون يقضي بوقف استيفاء الضرائب والرسوم العائدة للخزينة

وفي ظلّ الصمت الحكومي والسياسي عن اي خطو قد تساهم في تخفيف معاناة الناس الاقتصادية والاجتماعية، قررت عضو كتلة "المستقبل" النائب ديما جمالي التقدم باقتراح قانون يقضي بوقف استيفاء الضرائب والرسوم العائدة للخزينة والمؤسسات العامة عن اشهر اذار ونيسان وايار 2020،وقد أكدت في حديثها لـ"الاقتصاد"ان "فكرة هذا القانون إنطلقت من خلال وضع النّاس الذي لمسناه نتيجة التواصل معهم، اذ تبين ان الاقفال العام في البلاد اثر على الكثير منهم اذ باتوا غير قادرين على تأمين لقمة عيشهم، فكيف ب​دفع الضرائب​ والرسوم؟".

أضافت: "من هذا المنطلق قررت وبإسم كتلة "المستقبل النيابية"،التقدم باقتراح قانون يأخذ صفة معجل مكرر يتضمن تعليق مهل دفع الضرائب والرسوم - وليس الغاؤها - الى حين تجاوز هذه الفترة وعودة الأمور الى حالتها الطبيعية، وقد باشرنا بتحضير مسودّة اقتراح هذا القانون. واظنّ ان رئيس المجلس النيابي يعيش هموم الناس وهو متفهم لحاجاتهم وظروفهم المعيشية وبالتالي فانه لن يتردد بوضعه على جدول الأعمال في اسرع وقت ممكن".

جمالي التي "طالبت الحكومة بوضع خطة إنقاذية –إجتماعية فورية لمساعدة النّاس خصوصاً في هذه الظروف الاستثنائية، لفتت الى ان نواب "كتلة المستقبل" يقومون بما هو مطلوب منهم للتخفيف عن الناس مشيرةً الى اننا لا نستطيع القيام بدورالحكومة أو وزارة الشؤون الإجتماعية إنما وضعنا كل قدراتنا بتصرّف النّاس دون أي تقصير".

وفي ختام حديثها رفضت جمالي تقييمإجراءات الحكومة حالياً لافتةً الى انه في الأسبوع الأول من ظهور هذا الوباء كان هنالك نوعاً من الاستهتار الحكومي في طريقة التعاطيما مكّن الفيروس من الدخول إلى البلاد. أما اليوم، فإن الحكومة تتعاطى مع هذا الموضوع بشكل أفضل خصوصاً بعد إعلان حالة التعبئة العامة والتزام النّاس منازلهم. ولكن على رئيسيّ الجمهورية والحكومة وضع ​خطة طوارئ​ او خطة إجتماعية لتمكين العائلات التي تلتزم منازلها من المحافظة على عيشها الكريم وتأمين قوتها اليومي، والا ينعكس هذا الاقفال القسريعلى النّاس الذين يعتمدون على دخلهم اليومي".

خطوة جمالي على أهميتها تبقى خجولة مقارنةً بما يعانيه الشعب اللبناني خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة، فهل تعلن الحكومة حالة طوارىء اجتماعية واقتصادية قريباً؟