للمرة الأولى في تاريخه الحديث، يتخلف لبنان عن الإيفاء بالتزاماته المالية الخارجية، وذلك بعد قرار الحكومة تعليق سداد استحقاقات ​الديون السيادية​، بدءا باستحقاق 9 آذار، وقد عزا رئيس الحكومة سبب هذا القرار، إلى تدني الاحتياطات بالعملة الأجنبية إلى مستوى حرج وخطير.

ولكن ما هي تداعيات هذا القرار على لبنان؟

تؤكد مصادر مالية لـ "الاقتصاد"، أن "قرار الحكومة سابقة خطيرة في تاريخنا المعاصر، خصوصاً وأن لبنان لم يتخلف يوماً عن التزاماته الخارجية"، وتقول: "نحن نتفهم دقة المرحلة وخطورتها، إلا أن رئيس الحكومة مع الأسف لم يشرح إلى أين سيتجه لبنان في المرحلة المقبلة، خصوصاً وأن قرار الحكومة بالتخلف لم يكن ضمن رؤية إصلاحية ستظهر ملامحها في الأشهر المقبلة وهنا تكمن المشكلة الأساسية".

بحسب المصادر "فإن وكالات التصنيف العالمية لن تتأخر بتخفيض تصنيف لبنان الائتماني مجدداً بعد قرار التخلف عن السداد الى مستوى التعثر، وهذا الأمر سيرتب على ​الاقتصاد اللبناني​ أعباءً إضافية بحيث لن يكون قادراً على الاقتراض من الخارج في هذه المرحلة الدقيقة".

ليبقى السؤال كيف سيتعاطى لبنان مع هذه المستجدات وما هي رؤية الحكومة للمرحلة المقبلة؟

نحاس: هل تستطيع الحكومة أن تأخذ من الفريق الذي أتى بها البراءة لتنفيذ الإصلاحات؟

يشير عضو كتلة "الوسط المستقل" النائب ​نقولا نحاس، إلى أن "قرار الحكومة بتعليق سداد استحقاق سندات "اليوروبوندز"، هو إعلان صريح بأن الدولة لم تعد قادرة في هذه المرحلة على تسديد مستحقاتها، لأن اقتصادنا لم يعد باستطاعته إنتاج القيمة المضافة الأساسية التي تسمح بزيادة النمو وبالتالي استعادة الثقة مجدداً، ويقول لـ "الاقتصاد": "الحكومة قالت مجاهرةً ما تعرفه الناس ضمناًـ ولكن السؤال الأساسي اليوم ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها بعد قرار تعليق سداد استحقاقات الديون السيادية؟".

ويضيف: "على الحكومة العمل أولاً على معالجة أسباب ​الأزمة المالية​ والاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ فترة، كي نستطيع إحياء اقتصادنا مجدداً و​إنماء​ قدراتنا واستعادة مكانتنا الحقيقية على الخريطة كقاعدة أساسية في الانتاج، لذلك المطلوب في هذه المرحلة، العمل على تنفيذ الخطة الاقتصادية الإنقاذية لاستعادة ثقة الخارج وثقة المستثمر بلبنان، هذا فضلاً عن استعادة ثقة المواطنيين بدولتهم كي تعود حركة الاقتصاد إلى طبيعتها، لأن التعثر المالي الذي نعيشه اليوم سببه التعثّر الاقتصادي، ومعالجة هذا التعثّر، لا تتم إلا بعودة ​النمو الاقتصادي​ مجدداً، وهذا التحدي الأهم بالنسبة للحكومة في هذه المرحلة الدقيقة".

ليس المهم بحسب نحاس، كيفية معالجة الدين أو استحقاق "اليوروبوند"، إنما المهم هو إعادة إطلاق حركة اقتصاد حقيقية، خصوصاً وـننا دخلنا في الشهر الثالث من العام والنتائج المتوقعة لـ 2020 لن تكون ايجابية.

ويقول: "الخطّة الإصلاحية الشاملة التي تعمل عليها الحكومة يجب أن تشمل المواضيع المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية وهيكلة الدولة، وبطبيعة الأحوال سيتم عرضها على المؤسّسات الدولية من أجل تقديم ​الدعم المالي​ للبنان، الذي يحتاج أقلّه إلى 15 مليار دولار كي يعود اقتصاده إلى حركته الطبيعية، فالاقتصاد الذي يعتمد على الصرافيين أو على الأوراق النقدية لا يسمى باقتصاد".

ويضيف نحّاس: "لقد قامت الحكومة بالخطوة الأولى بالنسبة لاستحقاق "اليوروبوند"، ولكن هذه الخطوة تبقى ناقصة إن لم تتبع بخطوات عملية، ولذلك يجب مراقبة الحكومة في كيفية تطبيقها لخطتها الإصلاحية التي وعدت بها والتي هي بالأصل عناوين بيانها الوزاري، وعلى النواب واجب مراقبة عمل الحكومة في كيفية تطبيق هذه الخطة، خصوصاً أنهم طالبوا بفترة 100 يوم، فلننتظر".

وعن إمكانية اللّجوء إلى "​صندوق النقد الدولي​" يختم نحاس: "لبنان لا يستطيع النهوض من أزمته بمفرده، خصوصاً وأنه بحاجة إلى نحو 15 مليار دولار، لذلك على الحكومة تحديد جهة التمويل والاستماع إلى الشروط وإلى الخيارات المطروحة، سواء من "صندوق النقد" أو من غيره من المؤسسات الدّولية، ولكن لا بد لنا أن نذكر بأن ما يطلبه "صندوق النقد" من لبنان هو مطلب كل المؤسسات الدولية، فكل المؤتمرات التي عقدت من أجل دعم لبنان وآخرها مؤتمر "سيدر"، كانت مطالبها واحدة لأن الأمور مترابطة ببعضها البعض، إلا أن المشكلة تكمن في عدم التنفيذ، لذلك الحكومة اليوم أمام امتحان جديد إما أن تنفذ ما سوف تعد به لناحية الإصلاحات وغيرها من الإجرءات التي ينتظرها المجتمع الدولي من لبنان، وإما أن نبقى حيث نحن، ولكن الأصعب بالنسبة لي هو كيفية عودة القطاع المصرفي الى حركته الطبيعية الداعمة للاقتصاد، وهذا ما على الحكومة تنفيذه أيضاً عبر خطوات إصلاحية تنفيذية حقيقية، ليبقى السؤال هل ستستطيع الحكومة أن تأخذ من الفريق الذي أتى بها البراءة كي تنفذ الإصلاحات المطلوبة بالعمق، خصوصاً وأنها ستصارع المصالح؟

باعتقادي هذا الأمر ليس سهلاً في لبنان ولكن فلننتظر..".