يتجه ​لبنان​ شيئا فشيئا نحو بناء الاقتصاد المنتج والمستدام، وذلك بعد أن كان يعتمد مبدأ الريعية، بسبب السياسات المالية والنقدية التي اتبعتها الحكومات بعد نهاية الحرب الأهلية. وفي ظل غياب آليات الإنتاج، أثبت هذا النظام فشله على الأصعدة كافة. وبالتالي، يتم التركيز في الوقت الحاضر، على إنشاء سياسة صناعية جديدة ومتطورة، لدعم الصناعات المحلية.

فبعد أن وافق ​مصرف لبنان، منذ حوالي أسبوعين،​ على تأمين سيولة بقيمة 100 مليون دولار، لشراء المواد الأولية الصناعية من الخارج، لزوم التصنيع والإنتاج، أعلن حاكم "مصرف لبنان" رياض سلامه، منذ يومين، عن إيجاد حل دائم للصناعيين الذين يبيعون منتجاتهم في السوق المحلية وأولئك الذين يقومون بتصديرها، ويتمثّل بإنشاء منصة، هي مزيج من صندوق مخصّص للتسهيلات الإئتمانية وشركة ​تكنولوجيا​ مالية "Fintech"، تعمل من مقرها في ​أوروبا. وتهدف هذه المنصة الى توفير تسهيلات قصيرة الأجل للمستوردين والمصدرين، بالشراكة مع ​​المصارف​ اللبنانية​ والمحلية، وبالتنسيق مع ​جمعية الصناعيين اللبنانيين​ و​وزارة الصناعة​.

وللوقوف على أوضاع القطاع، ومدى تأثر المصانع اللبنانية بهذه المنصة الجديدة، كان لموقع "الاقتصاد"، مقابلة خاصة مع رئيس جمعية الصناعيين ​فادي الجميل​، أشار خلالها الى أن القطاع الصناعي يعاني من مشاكل عدة، ويكمن أهمها في موضوع تأمين المواد الأولية، التي تتطلب تحويلات الى الخارج، والتي فرضت عليها المصارف قيود صعبة للغاية.

ولفت الى أن هذه المنصة الجديدة، هي الحل الدائم للقطاع، وقد جاءت بمثابة تكملة للإجراء الأول، الذي يقضي بتأمين سيولة بقيمة 100 مليون دولار، لشراء المواد الأولية الصناعية من الخارج، لزوم التصنيع والإنتاج، والذي ما زالوا بانتظار الإعلان عن إجراءات تطبيقه.

وتابع الجميل قائلا: "للصناعة دور أساسي في المجتمع، حيث أن ماكينزي يقول أن أكثر من 100 ألف عائلة تعيش من هذا القطاع، إضافة طبعا الى الأشخاص الذين يعملون فيه، بشكل غير مباشر. ونحن كصناعيين، نصنّع بـ13 مليار دولار سنويا. نصدر منها 3 مليار، في حين تبقى الـ10 مليار الإضافية للسوق المحلي. هذه الـ13 مليار هي بحاجة الى 3 مليار دولار مواد أولية، نستوردها من الخارج. أما الـ10 مليار، فيكمن دورها في تأمين الحركة اليومية. وبالتالي، اذا لم نحصل عليها من الداخل، سنكون بحاجة لاستيرادها من الخارج. وانطلاقا من هذا الواقع، ومن خلال صناعاتنا المحلية، سوف نسهم في التخفيف من خروج ​الدولار​ات من لبنان. والأهم من ذلك أيضا، أننا نساعد أيضا على إحضار الدولارات الى البلد، من خلال الـ3 مليار التي نصدّرها؛ بحيث أن أكبر المشاكل التي نعاني منها اليوم، تتمثل في شح الدولار".

وقال: "نحن لا نخرج العملة الصعبة، بل على العكس. فما ندفعه للحصول على المواد الأولية، نسترجعه من خلال التصدير. وبذلك، نكون قد ساعدنا على تشغيل عشرات آلاف المواطنين".

وأوضح الجميل أن قيمة صادرات لبنان بلغت 4.5 مليار دولار، في عام 2011، وبالتالي فإن القطاع الصناعي قادر حتما على رفع الصادرات. ولكن في ظل القيود التي وضعتها المصارف على التحويلات الى الخارج، لا يستطيع الصناعيون تحويل الأموال، إلا الـ"fresh money". وهذا القرار لا يشمل حتى الأشخاص الذين صدروا قبل تاريخ 2 تشرين الثاني. ومن هنا، فإن هذا التدبير قد خلق نوعا من الضغط على الصناعيين، الذين لا يصدرون، وعددهم كبير. أي أنه ليس بإمكان الجميع الحصول على "fresh money".

وشدد على أن جدارة المنصة الجديدة، تكمن في قدرتها على الربط بين الاثنين، والتواصل مع المؤسسات الإنمائية العالمية، وتأمين المواد الأولية للقطاع، نظرا لخصوصيته. وأضاف: "المنصة مهمة للغاية، وهي نتاج تعاون مع شركاء لبنانيين ودوليين، أثبتوا نجاحاتهم الباهرة حول العالم في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة في عالم الأموال".

أما بالنسبة الى أوضاع القطاع اليوم، فأكد الجميل أن الصناعة كانت في الماضي، غير قادرة على لعب دورها بالكامل، أي بقدر ما تستطيع. لكن الصناعيين أثبتوا، بعزيمتهم واندفاعهم وبالتزامهم، قدرتهم على مواصلة المسيرة رغم غياب البيئة الحاضنة.

وقال: "خلال الأشهر الأخيرة، أي مع الحكومة الماضية، بدأنا بالتماس بعض التغيير والتفهم تجاه القضية الصناعية، ولكن دور الصناعة بقي للأسف، دون مستوى القدرات الموجودة. ولطالما شددنا على أن الصناعة ليست لمصلحة بعض الصناعيين، بل هي لمصلحة لبنان ككل، وتهدف الى خلق فرص العمل لشباب لبنان، وخلق نمو مستدام. ولهذا السبب، طالبنا بدور أكبر لهذا القطاع".

وأكد الجميل لـ"الاقتصاد"، أن لبنان يضم طاقات مالية كبيرة (263 مليار دولار موجودات المصارف)، وطاقات بشرية وشبابية واقتصادية واغترابية بارعة، وبالتالي، من غير المقبول أن يكون حجم اقتصاده 56 مليار دولار فقط. وتابع: "لبنان لم يعد قادرا على الاستيراد بالكميات التي اعتاد عليها في الماضي. وبالتالي علينا التركيز اليوم على التصدير؛ فقد بلغت قيمة صادراتنا 2.6 مليار في 2018، ونحن قادرون على رفعها الى 4.5 مليار، ولدينا الطاقات اللازمة لتحقيق هذه الغاية. ولهذا السبب، نحن اليوم أمام مفترق طرق: إما ستغرق الصناعة بسبب غياب المواد الأولية، وإما سيتم تأمين هذه المواد، وفتح آفاق جديدة، لكي تتمكن من المساهمة بشكل كامل في الحركة الاقتصادية الجديدة".

وحول موضوع احتكار المصانع والشركات المحلية الأسواق اللبنانية، في ظل التراجع المستمر لقدرة لبنان على استيراد المنتجات من الخارج، وبالتالي إمكانية رفع الأسعار، أشار الجميل الى أن الوضع القائم في لبنان اليوم يحتم علينا المزيد من المسؤولية، ولكن في ظل الافتقاد الى المواد الأولية، يكون الصناعي مضطر أحيانا، للحصول على الدولار من السوق للاستيراد، وبالتالي، سوف ترتفع أسعار المنتجات بشكل طفيف. ولكن الزيادات ستكون مقبولة ومحدودة، نتيجة تأثير أسعار الصرف على المواد الأولية التي تدخل في صناعة أي منتج".