الصين​ هي أكبر مثال على أن الإجراءات الوقائية تؤتي بثمارها، اذ أغلقت جميع المستشفيات المنشأة مؤقتًا لمكافحة كورونا في ووهان، بعد انخفاض عدد الإصابات. لكن التحذيرات من هذا الفيروس لم تجد مكانها بعد في أسلوب حياة بعض اللبنانيين... فهل أن تسجيل أول حالة وفاة قد تغير وجهة نظرهم؟

لقد صادفتم حتما، في محيطكم، أشخاصا خرقوا مقررات لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا، وأهمها إغلاق مراكز الترفيه، وتفادي الأماكن المكتظة واللقاءات الاجتماعية الحاشدة. حيث تجمع عشرات اللبنانيين، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، في المحميات والأحراج وحلبات التزلج، كما رفض بعض المؤمنين، الامتثال إلى دعوات المناولة باليد وعدم نقل السلام بالأيدي في الكنيسة، وعدم تقبيل المقامات والأيقونات.

وبين مؤيد للإرشادات، يخشى الفيروس، ويطبق الإجراءات الوقائية حرفيا، وبين معارض لها، يصر على مواصلة حياته باستهتار، وكأن شيئاً لم يكن، لاقتناعه بأنه محصن من الإصابة ومن نقل العدوى، أصبح كورونا أمرا واقعا، وبات الوعي مطلوب أكثر. كما لم يعد للتراخي أي مجال!

ولعلّ المؤسسات ​السياح​ية والأسواق هي الأكثر تضررا من جراء الأزمات المتلاحقة التي تمر على لبنان. فهذا القطاع الذي كان يعاني بالأساس من ​الأزمة الاقتصادية​ الخانقة التي تسيطر على البلاد، بات اليوم، شأنه شأن معظم اللبنانيين، قلق حول ماله وصحته أيضا!

خالد نزهة

أشار نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في ​لبنان​ خالد نزهة، في حديث خاص لموقع "الاقتصاد"، الى أن التراجع في القطاع موجود وبكثرة، حتى قبل انتشار فيروس كورونا، حيث تم إقفال نحو 1000 مؤسسة منذ 17 تشرين الأول ولغاية نهاية شهر شباط، وذلك نتيجة ​الوضع الاقتصادي​ المتردي، وقيود ​المصارف​، وتراجع الليرة، وتدني القدرة الشرائية، والعامل النفسي،...

وقال: "هذه الأسباب وغيرها، أدت الى تدهور الوضع الداخلي من جهة، والى عدم قدوم السياح الأجانب والعرب من جهة ثانية".

وأكد نزهة أن الوضع قد تغير الى حد كبير بعد كورونا، خاصة بعد إقفال الملاهي والنوادي الليلية. فإجراءات وزارة ​السياحة​ كانت مشددة، لأن هذا الموضوع يعني كل الناس.

ولفت الى أن نقابة أصحاب المطاعم تلعب دورا أساسيا على هذا الصعيد، بهدف توسيع ثقافة المعرفة لدى الناس في موضوع الاحتكاك، النظافة، التعقيم،... وأضاف: "نحن نركز منذ فترة على موضوع النظافة و​سلامة الغذاء​، وذلك من خلال التعاون مع شركتي "Boecker" و"GWR". كما نهتم بشكل كبير، في تعقيم المطاعم، والمطابخ، والمستودعات،...".

"مطاعمنا نظيفة، والنقابة في حالة استنفار دائم"

وأوضح نزهة أن حركة المطاعم تراجعت بشكل كبير جدا، حيث وصل التراجع قبل كورونا الى حدود الـ70%. أما بعده، فنجد أن بعض المطاعم فارغة بالكامل.

وتابع قائلا: "أؤكد أن مطاعمنا نظيفة، والنقابة في حالة استنفار دائم على مدار الساعة، من أجل تنظيم حلقات التوعية وإصدار التعميمات. فاليوم عمّمت كل المطاعم تعميما، تطلب من خلاله من الزبائن عدم الدخول الى المكان، في حال كانت حرارتهم مرتفعة، أو لديهم عوارض معينة. وكذلك الأمر بالنسبة الى الموظفين، الذين طلبت منهم إداراتهم عدم القدوم الى العمل في حال ظهور علامات الرشح، تنظيف الأواني والصحون دائما، عدم لمس الوجه، تعقيم كل المواد التي تدخل الى المؤسسة،...". وقال: "أشدد على أن كل المؤسسات الرائدة في البلاد، تحافظ على مستوى عال من السلامة، للحد من انتشار هذا الفيروس بين الناس. ونحن نؤيد الإجراءات كافة لأنها تهدف الى حماية المواطنين وصحتهم".

أما في ما يتعلق بالنرجيلة، فأكد نزهة أن المطاعم تهتم بالنظافة الى أقصى الحدود، وتعمد الى تعقيمها بشكل دائم ومتواصل.

زياد خيرالله

أما مكاتب السفر، التي تعاني بالأساس من أزمة ​الدولار​ المستفحلة في الأسواق اللبنانية، فوقعت أيضا ضحية فيروس كورونا، حيث أكد صاحب شركة "فلاديمير للسياحة والسفر"، زياد خيرالله، لـ"الاقتصاد"، أن القطاع تأثر كثيرا من جراء انتشار كورونا في لبنان والعالم.

وقال: "لقد تجاوبت شركة "طيران الشرق الأوسط"، وبعض الشركات الأخرى، معنا الى حد ما، وحصرت بيع تذاكر السفر في مكاتب السياحة والسفر. ومن هنا، أتمنى أن تأتي القرارات بشكل يناسبنا، حيث طلبنا وتمنينا أن ندفع ل​شركات الطيران​ بالليرة اللبنانية، بسبب عدم قدرة الناس على التعامل بالدولار. وفي حين أن هذه الشركات بحاجة الى الدولار، فقد حصرت تعاملنا معها بالدولار، وبالتالي بات الزبون مضطرا للدفع بالدولار. ومن جهة أخرى، شددت المصارف القيود على ​بطاقات الائتمان​، ما أدى الى زيادة الأزمة أكثر فأكثر".

"كل حجوزات السفر الى لبنان توقفت بسبب انتشار كورونا"

وتابع خيرالله: "جاءت الكورونا اليوم، لتقضي على قطاعنا بشكل تام، فقد تأثرنا الى حد كبير، لأن العديد من شركات الطيران، أوقفت رحلاتها الى لبنان، كما منعت الرحلات من لبنان الى بلدان عدة، مثل ​السعودية​، ​الكويت​، قطر، ​إيران​، ​العراق​، إضافة الى الضغط الحاصل بسبب ​إيطاليا​... وعدد هذه البلدان يتزايد يوما بعد يوم، ما انعكس سلبا على حركة السفر من والى هذه البلدان". وأضاف: "إضافة الى أن هناك شركات طيران عدة، توقفت عن التعامل معنا، مثل "​اير فرانس​"، لأن ​مصرف لبنان​ لا يحول دولاراتها الى الخارج، وبالتالي تجبرنا على التعامل بالدولار نقدا، بدلا من الشيكات و​التحويلات​".​​​​​​​

وأكد أن كل الحجوزات الى لبنان توقفت، بسبب انتشار هذا الفيروس، كما أن الأشخاص الذين كانوا يرغبون بالسفر للمشاركة في المعارض والمؤتمرات الدولية، ألغوا الحجوزات، بسبب إلغاء كل التجعمات في العالم. والمجموعات التي كانت تتحضر للسفر من لبنان خلال عيد الفصح، ألغت رحلاتها أيضا.

وتابع: "نحاول إيجاد حل للمبالغ المدفوعة لشركات الطيران والفنادق في مختلف الدول، من أجل استرجاعها أو تغيير تاريخها. وبالتالي، فإن عملنا اليوم مقتصر على كيفية إلغاء تذاكر الزبائن أو تأجيلها أو تعديلها، أي أننا نعمل ونتعب، ولكن بدون إنتاج".

من جهة أخرى، لفت خيرالله الى أن أزمة كورونا العالمية انعكست سلبا على لبنان، لكنها جاءت بمثابة "شحمة عفطيرة" أو حلّ للدولة، لكي تصرف انتباه الناس عن هذه الأزمة الكبيرة التي نعيشها ونتخبط فيها.

وأكد أن مجموعة مكاتب السياحة والسفر، رفعت الصوت منذ فترة، وهي تعمل حاليا على مشروع لدعم للسياحة الداخلية، والمناطق والمطاعم والفنادق من لبنان الى لبنان، ومن الخارج الى لبنان أيضا، لكن العثرة الوحيدة في طريقنا هي كورونا. وتابع: "إن لبنان قادر على تقديم السياحة البيئية، الاستشفائية، الدينية، الثقافية،... وعلينا تشجيع العرب والأجانب على المجيء الى لبنان، لاستثمار أموالهم هنا، كوننا بحاجة ماسة اليوم الى إدخال العملة الصعبة".

كما قال خيرالله: "نتمنى أن تنتهي أزمة كورونا بالقريب العاجل، لكي نعود الى التكاتف، والعمل معا لإيجاد الحلول الهادفة الى تدعيم السياحة".

سمير شهيب

يحاول أصحاب المحلات التجارية في لبنان، بشتى الطرق، حماية متاجرهم والبضائع الموجودة داخلها، من أجل الحفاظ على الزبائن، في ظل انتشار فيروس كورونا، الذي هز مختلف القطاعات، وسط ذعر كبير لدى معظم اللبنانيين.

​​​​​​​

ومن هنا، أكد رئيس جمعية تجار عاليه، سمير شهيّب، الى أن الخوف موجود لكن أسواقنا ليست خالية من الزبائن. وأوضح أن الجمعية تسعى دائما الى تقديم الإرشادات والتوجيهات حول التعقيم والنظافة، كما أن البلدية تساعد كثيرا على هذا الصعيد، عبر تعقيم الأماكن العامة.

ولفت الى أن الحركة شبه غائبة حتى من قبل كورونا، والتراجع سجل أرقاما ضخمة، حيث تم إغلاق حوالي 25% من المحلات، وتراجعت الحركة الاقتصادية بأكثر من 50%.

محمد دقدوق

أما قطاع تأجير ​السيارات​، فيواجه أيضا تأثيرات الوضع الاقتصادي الحرج، وإجراءات كورونا. اذ أوضح رئيس نقابة تأجير ​​السيارات​​ محمد دقدوق، أن نسبة التشغيل لا تتجاوز الـ3%، منذ النصف الأخير من شهر تشرين الأول 2019، لافتا الى أن هذه النسبة تشمل خدمات الشركات بالأسعار المتدنية، وبحسب سعر الصرف الرسمي.

"نسبة تشغيل قطاع تأجير السيارات لا تتعدى الـ3%"

ولفت الى أن الشركات تعاني من تعثر مرتفع جدا في موضوع السندات، إضافة الى تعثر في تسديد سندات شراء السيارات، كما تواجه مشاكل كثيرة مع المصارف، التي أوقفت التسهيلات المصرفية، مكد أن موضوع كورونا "زاد الطين بلة".​​​​​​​

وشدد دقدوق على أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها القطاع، تكمن في مدة استعمال السيارة، المحددة عند ثلاث سنوات. وبالتالي، اذا لم يتم تعديل هذه المدة، فسوف نواجه مشكلة كبيرة، بسبب فقدان القدرة على جدولة السندات (لأن السيارة ستكون منتهية الصلاحية). وتابع: "انطلاقا من هذا الواقع، لقد تقدمنا بطلبين الى وزير السياحة: أولا، تعديل مدة استعمال السيارة، لتصبح خمس سنوات، وثانيا، تخفيض رسوم الميكانيك".

الوقاية ثم الوقاية ثم الوقاية!

المرحلة التي نمرّ بها تتطلب التحلي بالوعي والمسؤولية، من قبل كافة أطياف المجتمع، لأن الجميع سيدفع ثمن الإهمال، والندم لن ينفع حينها!

فلنتبع معايير الوقاية عبر بعض الإجراءات البسيطة والسهلة. ولا تستخفوا بهذا الموضوع، كي لا يتحول لبناننا الى بؤرة للمرض.

فليتقبّل الجميع وجود فيروس كورونا، وليقتنعوا بضرورة التزام الوقاية منه، كي لا يسهم صاحب المناعة القوية، بقتل غيره بسبب لا مبالاته!