بعد صولات وجولات تخطّت الشهر من الاجتماعات والمناقشات ال​مالي​ة المحلية والدولية، أعلن رئيس الحكومة ​حسان دياب​، أن لبنان قرّر تعليق سداد استحقاق 9 آذار من "اليوروبوند"، لضرورة استخدام هذه المبالغ في تأمين الحاجات الأساسية للشعب اللبناني.

ورغم التأكد المسبق من تخلف لبنان عن سداد ديونه، إلا أن وقع التداعيات على هذا القرار يثير كثيراً من المخاوف، خاصة في ظل المؤشرات حول أن "​صندوق النقد الدولي​" قد يكون المنقذ الوحيد للوضع الراهن، لكن الأثمان ستكون باهظة، ما يزيد من الصعوبات التي يواجهها اللبنانيون بالأساس.

وفي مقابلة مع "الاقتصاد"، عرض عضو هيئة مكتب ​المجلس الاقتصادي​ والاجتماعي والأستاذ الجامعي، د. أنيس بو دياب، التداعيات تعليق سداد استحقاق والخطوات الإصلاحية الواجب اتخاذها:

إلى أي مدى سيجد لبنان تفهّماً حقيقياً وجديّاً لقراره من الدائنين؟

"دون أدنى شك، إن التفاهم مع مجتمع الدّائنين لن يكون سهلاً؛ الدّائنون يعتقدون أنهم سيذهبون إلى الخسارة، حيث إن أي استثمار أو توظيف مالي، يتوقع صاحبه إما الأرباح أو الخسائر، وأعتقد أن الدائنين عندما اشتروا الأسهم، وضعوا خيارات الربح والخسارة، خاصة المؤسسات التي اشترت السندات بأسعار متدنّية مؤخّراً، وهي "Ashmore" و ."Fidelity"

ورغم أن ​الشركات العالمية​ تتوقع الخسارة، ولكنّها ستتفاوض من موقع القوّة، في الوقت الذي ستُفاوض فيه الحكومة اللبنانية من موقع ضعف، لأسباب عديدة، أهمّها أنها اتخذت القرار بالتخلف عن الدّفع قبل يومين فقط من موعد استحقاق الدّفع، دون البدء بالمفاوضات."

هل ستتمكن المفاوضات الشاقة بين لبنان ودائنيه متى انطلقت، من توفير مسار توافقي لإعادة هيكلة الدين وفق ما تطلب الحكومة؟

"لا توجد حلول أخرى غير التوافق بين لبنان والدّائنين، ولكنّ السؤال اليوم يكمن عن ثمن هذا التّوافق؛ فيما الخيار الآخر هو مقاضاة الدّائنين لبنان أمام المحاكم الدّولية.

لبنان هو الخاسر، لأنه يتخلّف للمرة الأولى عن دفع استحقاق يتعلق بالدّيون، وكان الأجدى بلبنان، تشكيل لجان لإعداد خطّة، حيث أنه لو ذهبنا بالتوازي مع تعليق الدّفع، مع خطة إصلاحية لكانت الظروف أسهل بكثير، وكان المجتمع الدّولي تقبّلنا كبلد لديه خطّة، ولكّنه متعثّر، وبالتالي كنّا سنتوجه إلى إعادة هيكلة بشروط أفضل.

والأمر الثاني الواجب إتخاذه قبل التمنع عن الدّفع، كان يستوجب تعيين نواب لحاكم ​مصرف لبنان​.

وهذه خطوات كانت ستعطي الثّقة للأسواق المحليّة، والأسواق الدّولية كذلك، حيث إن إجراء سلّة التعيينات المالية مسبقاً، كان سيكسب لبنان ثقة أعلى أمام المجتمع المالي الدّولي."

من خلال البرنامج الإصلاحي للحكومة.. وعدم النية لفرض ضرائب وتحرير سعر الصرف هل يمكن القول إن لبنان تجاهل مشورة صندوق النّقد؟

"إن صندوق النّقد الدّولي في مشورته الأخيرة، لم يطرح أي اقتراح، وكان مستمعاً في المطلق، على أن يقدم تقريره النهائي حول المشاورات التي أجراها مع المسؤولين اللبنانيين خلال هذا الأسبوع إلى رئيس الحكومة حسّان دياب، بعد أن يتم التداول بهذا التقرير في المجلس التنفيذي في الصندوق.

وللإشارة، فإن صندوق النّقد منذ العام 2014 ولغاية اليوم، أشارت كل التقارير التي أصدرها حول لبنان إلى الخلل الكبير في ميزان المدفوعات، وتفاقم العجز في ​الموازنة​، وكان يوصي الصّندوق بخفض النفقات وزيادة الإيرادات، وذلك من خلال زيادة الضريبة على القيمة المضافة، وفرض ضريبة على ​المحروقات​، إضافة إلى ​خفض الإنفاق​ العام."

ما الذي يمكن أن تقوم به الحكومة لمعالجة الأزمة المصرفية المالية في ظل تعهد دياب السعي لحماية الودائع؟

"نحن بحاجة إلى برنامج من صندوق النقّد الدّولي، رغم الإجراءات الموجعة لأسباب عدّة:

أولاً، عدم قدرة لبنان بعد اليوم على الحصول على قرض من المؤسسات المالية الدّولية، وذلك بعد إعلان الحكومة نيتها التخلّف عن سداد ديون، وهو يعني إستحالة حصول لبنان على أي قرض.

ثانياً، هناك تخاصم سياسي بين لبنان والمجتمع العربي، وذلك يعود إلى العام 2011، وهذه الدّول تعدُّ مصدراً تمويلياً أساسياً للبنان.

ثالثا، إن الولايات المتّحدة، تفرض خناقاً شديداً على ​المصارف اللبنانية​ منذ العام 2015.

وأذكر هنا، أن فرض أي ضريبة اليوم في لبنان سيكون في غير موضعه، لأن الضرائب هدفها زيادة الإيرادات، ولكن الوضع في لبنان منكمش ومائل إلى الكساد، وأي فرض ضريبة لا يعطي إطلاقاً التأثير المطلوب، ولكن الخطورة هي من أين سيحصل لبنان على تمويل للمشاريع."