"الليرة بخير"، "ما خلّونا نشتغل" و"لا داعي للهلع"...هي عبارات تختصر "إنجازات" الدولة اللبنانية على مدار سنوات طويلة، فبات المواطن يستخدمها اليوم، بشكلٍ تهكّمي طبعاً، كمقياس لثقته بمن يديرون شؤونه المالية والصحية والغذائية التربوية والأمنية، وغيرها.

منذ أشهر، يستمع المواطن الى خبراء بآراء متناقضة حول موضوع "اليوروبوند"، تارةً يطلّ عليه خبير عبر وسائل الإعلام ليقدّم شرحه عن التداعيات السلبية لدفع استحقاق شهر آذار، ليعود ويطلّ عليه خبير آخر في اليوم التالي ويشرح له عن التداعيات السلبية لعدم دفع الإستحقاق. أما حكومة "الإختصاصيين لمواجهة التحدّيات" فهي أيضاً، لم تتمكّن من اتخاذ قرار بعد، مع العلم أنها استشارت العديد من الجهات والشركات الدولية بخصوص هذا الموضوع.

من جهته، يقول الخبير الإقتصادي والمستشار السابق في "​البنك الدولي​" د. سمير الضاهر: "البيان الوزاري نصّ على المعالجة الجذرية لآفة ​الدين العام​ والقيام بما يتطلبه ذلك من تخفيف للعبء عبر إصلاح المالية العامة. برأيي أن هذا السّجال حول موضوع اليوروبوند وتسريب المعلومات حول إمكانية عدم سداد الإستحقاق، دفع بعدد من حاملي السندات المحليين الى بيعها لجهات خارجية. بذلك، لم تعد الجهات اللبنانية تمتلك 70% من مجمل حجم السندات (كما كان الحال)، ما سيعرقل التفاوض والإتفاق على الإحتمالات الأخرى". وأضاف: "هل من المنطقي أن يعلم الطرف الآخر في المفاوضات بنواياك؟".

وتابع الضاهر: "برأيي أن ​الشائعات​ والتحليلات من ذوي الخبرة وغير ذوي الخبرة حول فوائد الدفع وأضرارها أظهرت أن هذا الملف أسيئت إدارته بشكلٍ رهيب. مع العلم أن هذا الإستحقاق هو نقطة في خط طويل جدًّا للإصلاح الذي يجب العمل عليه وفقاً لخطّة واضحة".

وأعرب عن أمله بأن يترافق إعلان الحكومة عن موقفها فيما يتعلٌّق باستحقاق اليوروبوند بالإعلان عن خطّة واضحة تتناول وضع المالية العامّة، إعادة الزخم للقطاعات الإقتصادية، والحلول لأزمة ​المصارف​، وهبوط ​الليرة اللبنانية​، حجم الإقتصاد، والأزمة الإجتماعية والأمنية.

وفي التفاصيل حول ​القطاع المصرفي​، أوضح الضاهر أنه "في المقارنة بين حجم الدين وقدرة خزينة الدولة وواقع القطاع المصرفي (حامل الجزء الأكبر من عبء الدّين)، نرى أنه لا بد من الإقتطاع من الرساميل المجمّعة للمصارف (حوالي 22 مليار دولار) أي ما يُعرف بالـHaircut".

وعن قرار النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، بإصدار إشارة "منع تصرف" على أصول 20 مصرفاً لبنانياً ومنع التصرف بأملاك رؤساء ومجالس إدارة هذه المصارف، رأى الضاهر أن "القرار جاء متأخراً، مع الأسف".

وأشار الضاهر الى أن "هذا الإجراء يتعلّق بالموضوع غير الدقيق أبداً والذي يتم تناوله تحت مسمّى واسع هو "​تهريب الأموال​". ما هو تهريب الأموال في لبنان؟ النظام الإقتصادي في لبنان حرّ، أي أنه يحقّ لأيٍّ كان تحويل أموال من الداخل الى الخارج، والعكس أيضاً. المودع اللبناني أو الأجنبي إن شعر بأي خطر على وديعته، له كامل الحق بالحصول على أمواله وتحويلها أينما وحينما يريد، إلا أصحاب المصارف والمديرين المسؤولين إذا قاموا بذلك على أساس معلومات داخلية توفّرت لهم ولم يعلنوها لباقي المودعين، وهذا ما يُسمّى بالـ"Insider Trading"، هذا يُعتبر جرم نعم. وهنا يجب مساءلة هيئة الرقابة على المصارف حول مسؤولياتها، هذه الهيئة تتحمّل كامل مسؤولية ما يحصل اليوم في هذا القطاع".

وأضاف: "على رأس الأمور التي أخفقت بها هيئة الرقابة هو عدم منعها للمصارف من إدانة ما يقارب الـ70% من موجوداتها الى مقترض واحد هو الدولة اللبنانية...هذا سوء ائتمان من قبل المصارف أيضاً، التي تصرّفت بأموال الناس في مجال يتّسم بدرجة عالية من الخطورة".

وأوضح أن "​السرية المصرفية​ لا تنطبق على هيئة الرقابة على المصارف، لذلك بإمكانها أن تعلم من قام بتحويل الأموال بعد الإطلاع على معلومات معيّنة عن الحالة الإئتمانية للمصرف".

وبخصوص تشريع "الكابيتال كونترول"، أكد الضاهر على أهمية هذا التشريع "لكن بشروط عادلة، يضعها المصرف المركزي، وذلك لمنع التصرف باستنسابية مع المودعين الكبار"، مشيراً إلى ان "تحديد معايير السحوبات والتحويلات من قبل ​مصرف لبنان​ ضروري جدًّا، وذلك لأن "المراسيم والقوانين وكافّة الهيئات الرقابية في كافة القطاعات لديها هدف واحد هو حماية ​المستثمر​ الصغير.. ولكن ذلك سيحصل طبعاً بعد الإطلاع بشكلٍ معمّق وشفاف على واقع القطاع المصرفي اليوم".

وختم بالقول: "كل ما نعيشه ناتج عن واقع لا يمكن نكرانه: الأموال الموجودة ليست كافية. الأموال تبخّرت نتيجة ​إقراض​ الخزينة، خدمة الدين، ​الإنفاق​ العشوائي، النفقات الجارية و​التوظيف​ الإعتباطي، ودعم الكهرباء غير المتوفرة أصلاً، ودعم سعر صرف الليرة لسنوات والفوائد الخيالية التي دفعها مصرف لبنان للدائنين".