معروف عن ​لبنان​ أنه بلد سياحي بامتياز، كونه يتمتع بمقومات جذب متعددة، تؤهله ليكون في طليعة الوجهات السياحية في المنطقة؛ مثل الطبيعة والمناخ، التراث والثقافة، الضيافة والكرم، التنوع والفرادة،...

معروف عن لبنان أنه بلد السياحات المتنوعة؛ ​السياحة​ الموسمية، السياحة الدينية، السياحة الصحية، السياحة الثقافية والتراثية، السياحة الشاطئية، السياحة الجبلية، سياحة الأعمال،... هذا التنوع الواسع، يسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي، حيث وصل الدخل السنوي للبنان من السياحة، إلى 7 مليار دولار عام 2009، أي حوالي 20% من إجمالي الناتج المحلي. أما في عام 2010، فأصبح هذا القطاع وحده، يشكّل ربع الدخل القومي.

معروف عن لبنان أنه بلد سياحة الفصول الأربعة، ما يضمن قدرته على الحفاظ على استمرارية الإيرادات السياحية طوال السنة؛ ففي الصيف تستقبل ​المنتجعات​ آلاف الزوار والسياح، كما تستقطب المناطق الجبلية عددا كبيرا من المصطافين، ومحبي الطقس الجميل والمعتدل. أما في الشتاء، فيتوجه رواد التزلج والرياضات الشتوية، الى عناوين عدة، تنتظر هذا الموسم سنويا، لإنعاش حركتها الاقتصادية والمعيشية.

سياحتنا في خطر

ولكن للأسف أصبح معروف عن لبنان، أن سياحته تعاني من تدهور ملحوظ، كما أن أكثر من 150 ألف عائلة لبنانية، باتت مهددة بالوصول الى خط الفقر، في حال بقي وضع القطاع على ما هو عليه. فقد بدأ التراجع التدريجي، في الحركة السياحية، منذ عام 2011، أي مع بدء الأزمة في سوريا، وبقي على هذا الحال، حتى وصل الى العدم، خلال الأشهر القليلة الماضية. فالسياحة لامست مرحلة الخطر، وغالبية المؤسسات السياحية، تتجه اليوم نحو الإفلاس والهاوية؛ مع العلم أن فرصة النهوض ما زالت متاحة...

سياحة الشتاء أم شتاء السياحة؟

وكما اقتضت العادة في هذه الفترة من السنة، جاءت العواصف لتكلل القمم والجبال اللبنانية بثوبها الأبيض، ولكن، هذا العام يبدو في الواقع، أقل ازدحاما، من السنوات الماضية، والسكون يخيّم معظم الأوقات، على منحدرات التزلج، التي خلت من السياح والمواطنين. وبالتالي ضربت أزمة السيولة الداخلية، هذا النشاط، من جهة، كما أن الانخفاض الحاد في عدد السياح بسبب التقلبات المستمرة في لبنان، أدى الى غياب شبه تام للأجانب والعرب، والمغتربين أيضا.

والرهان حاليا على السياحة الشتوية، التي تقدم مزيجا من النشاطات التي ترضي مختلف الفئات العمرية، والتي ينتظرها بشكل خاص عشاق التزلج المحترفين والهواة أيضا. بالاضافة طبعا الى رياضات المشي والتسلق والـ"ski doux" وغيرها، التي تحفّز حركة المطاعم و​الفنادق​ الموجودة في تلك المناطق. فالطبيعة تكرّمت على بلدنا بخيراتها السخية، ولكن في المقابل، أفسد العامل البشري هذه النعم، وأوصلنا الى ما يمكن أن يسمى "أسوأ أزمة معيشية في تاريخ لبنان المعاصر".

كفرذبيان الأبية...

أشار مسؤول الإعلام والتسويق في بلدية كفرذبيان، وليد بعينو لموقع "الاقتصاد"، الى أن محطات التزلج، أقفلت هذه السنة، 50% من المصاعد الموجودة في المنطقة، كما أن الحركة خجولة الى حد كبير، بالمقارنة مع العام الماضي 2019.

وأوضح أن المنحدر الذي يستوعب 6000 متزلج يوميا، لا يستقطب حاليا، أكثر من 1500 أو 2000 متزلج، وبالتالي، يتم استخدام 10 مصاعد من أصل 23 مصعدا.

وأكد بعينو أن التراجع حاد هذا العام، بسبب غياب السياح العرب والأجانب، لتبقى معظم الحركة السياحية، داخلية. وقال: "الأشخاص الذين يمارسون رياضة التزلج هذا العام، هم بغالبيتهم من المحترفين أو من الهواة الشغوفين. والنسبة الأكبر منهم، من الطبقة الميسورة".

ولفت الى أنه بالنسبة الى الأشخاص الجدد الذين يتوجهون الى منطقة كفرذبيان هذا العام لتعلم التزلج، فحركتهم شبه معدومة.

كما أشار بعينو الى أن كمية الثلوج كانت كافية ونوعيتها ممتازة، حتى من قبل حلول ​عيد الميلاد​، وبالتالي كانت المدرجات جاهزة، ولكن بسبب الطقس السيء الذي مرّ على لبنان خلال عطلات نهاية الأسبوع، شهدنا على المزيد من التراجع في عدد الزوار.

أما بالنسبة الى الأسعار، فأكد أن التخفيض وصل الى حوالي 35%، بالمقارنة مع 2019؛ حيث أصبح سعر التذكرة 52 ألف ليرة في نهاية الأسبوع، و30 ألف ليرة في أيام الأسبوع العادية. ولفت الى أن نسبة إشغال الفنادق، تحركت بشكل طفيف، خلال ليلة رأس السنة، وعيد الحب، ووصلت كحد أقصى الى حوالي 70%. لكن هذه المؤسسات تعاني في الوقت الحاضر من تدهور كبير، كما أن المطاعم تعاني أيضا من مشكلة في الأسعار؛ فمن جهة، هي غير قادرة على رفعها، خوفا من فقدان الزبائن، ومن جهة أخرى، عليها مواجهة فرق ​الدولار​، والغلاء الذي يسيطر على ​السلع الغذائية​ وخاصة ​اللحوم​، التي وصلت أسعارها الى حدود خيالية".

وتابع قائلا: "لا أتوقع إغلاق العديد من الفنادق والمطاعم المعروفة في المنطقة، وذلك لأنها قادرة على تحمل صعوبات السنة بأكملها، كونها معتادة على العمل لموسم قصير. في حين أن المطاعم والفنادق الصغيرة تعاني الى حد كبير، مثل كل المؤسسات الموجودة في لبنان، خاصة بسبب مصاريفها المرتفعة (التدفئة، العمال وإقامتهم،...)".

وأضاف بعينو: "أعتقد أن المؤسسات قادرة على الصمود هذا العام، ولكن اذا بقي الوضع على ما هو عليه، واستمر الانعدام في الحركة السياحية، خلال فصلي الربيع والصيف القادمين، فمن المتوقع، للأسف، أن نشهد على إقفالات بالجملة".

وختم قائلا: "ندعو في هذه الفترة، الى الابتعاد عن التشاؤم، فالسياحة الداخلية قادرة، الى حد ما، على دعم هذا القطاع. كما أن الأسعار التي تقدمها المؤسسات، تراعي الأزمة الحاصلة، وتناسب عدد كبير من الميزانيات. علينا الاتكال حاليا على هذا النوع من السياحة، لكي نقف صفا واحدا، ونساند بعضنا البعض من أجل الخروج من هذه المرحلة الصعبة بأقل أضرار ممكنة".

تخفيض أسعار vs. سيولة مفقودة!

العروضات والحسومات هي سيدة الموقف، اذ عمدت بعض المناطق الى تخفيض أسعار الفنادق والمنتجعات، والنشاطات الشتوية المتنوعة، بنسبة تراوحت بين 25% الى 30%، عن العام الماضي، كما التزمت بسعر صرف الدولار 1500 ليرة لبنانية.

فرغم الغلاء المستشري الذي يطال مختلف السلع والمنتجات، والذي قد يفرض على المؤسسات رفع أسعار خدماتها لتتمكن من مواصلة أعمالها. فتجد نفسها في معضلة بين الأسوأ، والأسوأ من الأسوأ: فهل ترفع أسعارها وتخاطر بما تبقى من زبائنها؟ أم تحافظ على الأسعار القديمة التي لم تعد تتماشى مع ما يفرضه جشع الموردين و​التجار​؟

هل ستحمّس كل هذه التسهيلات المواطن اللبناني على زيادة تلك المناطق والمساهمة في إنعاش الحركة فيها، في ظل شبه انعدام السياح؟

"الاقتصاد" سألت بعض الأشخاص عن آرائهم، وعادت بهذه العينة:

ألين هي شابة لبنانية، عازبة، في العشرينيات من عمرها، أشارت الى أنه من الممكن أن تستفيد مع أصدقائها، من عروضات مراكز التزلج، وقد حبذت هذه الفكرة.

أما كريم، فهو رب عائلة، وأب لثلاثة أولاد، وقال: "نفكر اليوم بالأمور المعيشية الأساسية، لأن راتبي بالكاد أصبح يكفي المصاريف الشهرية. لم نعد قاردين على التنزه، حتى في بلدنا!".

الشاب مروان، من منطقة جونيه، أكد أنه ينتظر موسم التزلج من سنة الى سنة، وسوف يمارس هوايته المفضلة، مهما بلغت أسعارها؛ وقال: "يمكنني تخصيص مبلغ شهري لذلك، بكل سهولة، وخاصة الآن مع كل التخفيضات والعروضات الموجودة".

أما المواطن فريد، قال: "همومنا صارت غير محلّ! مش عارفين كيف بدنا نطعمي ولادنا، وكيف بدنا ندفع لنوصل على الشغل كل يوم، عم تسأليني اذا بدي أستفيد من تخفيضات مراكز التزلج؟".

في حين قالت لينا، المقيمة في برمانا، أن الأزمة المعيشية خانقة، وحتى أن الحالة النفسية العامة محبطة، وبالتالي، فإن الأولويات باتت مختلفة، ولم يعد معظم الشعب اللبناني قادرا على تحمل النفقات الترفيهية، خاصة من فقد وظيفته، أو جزء من راتبه؛ وتابعت: "بتخفيض أو بلا تخفيض، ما بعتقد أنو عدد كبير رح يتحمّس".

وأوضحت موريال أن الأسعار رائعة، ويمكن لكل ميزانية إيجاد ما يناسبها، وأضافت: "مش ضروري الكل يعمل "ski". المشوار على الثلج ممكن ما يكلّف كتير، وعلى كل واحد يختار النشاط اللي بيناسب ميزانيته". وأكدت أن المناطق كافة، مجهّزة لتلبية حاجات الجميع، كما أنها تراعي الأوضاع الصعبة التي يعيشها المواطنون، وتعوّل على السياحة الداخلية في ظل غياب السياح، ومن هنا، تقدم أسعارا وعروضات خيالية لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الأشخاص، من أجل الحفاظ على مؤسساتها وموظفيها.

بشرّي عروسة الموسم

أشار مدير مكتب الإرشاد السياحي في قضاء بشري، جوني نعمة، في اتصال مع موقع "الاقتصاد"، الى أن نسبة التراجع وصلت الى النصف، بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، لكن السبب لم يكن اقتصاديا بحتا، بل يتمثل مباشرة، في توقيت العواصف الثلجية والطقس السيء أو الموجات الثلجية البسيطة، التي جاءت بمعظمها في عطلات نهاية الأسبوع وخلال أيام الأعياد الرسمية، أي حين يعمد العدد الأكبر من الأشخاص الى ممارسة الرياضات الشتوية.

وأوضح أنه خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة، استقبلت بشري عددا كبيرا من الناس، رغم عدم قدرتهم على ممارسة رياضة التزلج، بسبب الطقس السيء والضباب الذي كان يسيطر على الأجواء، مؤكدا أن الحالة الاقتصادية لم تؤدِ الى تراجع أعداد رواد ​الأرز​، بل أسهمت في تقليل ساعات اللعب فقط؛ فمن كان يستعين بمدرب طوال النهار، بات يطلب خدماته لمدة ساعة أم ساعتين كحد أقصى.​​​​​​​

وقال نعمة: "قبل افتتاح موسم التزلج، نظمنا مؤتمرا ضخما في بشري، لدعم هذا الموسم والتذكرة السنوية، وبات الاشتراك للتزلج في كل قضاء بشري، 100 ألف ليرة بدلا من 400 دولار". وتابع: "هذا التخفيض شجع الناس على زيارتنا، كما استقطب بعض الزوار من الساحل اللبنانية، ومن بيروت تحديدا، خاصة الذين كانوا يفضلون التوجه الى منطقة فاريا، بسبب قرب المسافات".

أما بالنسبة الى المؤسسات الضيافة، فأكد أن قضاء بشري، لم يشهد على إقفال أي فنادق أو مطعم معروف، بسبب الأوضاع الصعبة، رغم أن عدد الزبائن قد انخفض الى أكثر من الثلث، موضحا أن العروضات والتخفيضات في الأسعار، طالت أيضا الفنادق والمطاعم في بشري، حيث وصلت الخصومات الى 30% في مدينة بشري. وتابع: "من هنا، تمنينا على بلديات قضاء بشري بكامله، أن تقوم أيضا بهذه المبادرة".

وفي النهاية، قال نعمة: "لا يوجد أي بلد في العالم، قادر على الاعتماد على السياحة الداخلية فحسب. فهذا النوع من السياحة هو بمثابة نهضة مساعِدة، وانتعاش مؤقت فقط، في حين أن العنصر الأساسي يتمثل في السياح القادمين من الخارج. ولهذا السبب، نتمنى أن تتحسن الأوضاع لكي يعود السياح الى بلدنا الجميل".