بدأت عملها الاجتماعي والإنساني أولا في منزلها، من خلال مساعدة ابنها المصاب بالتوحد، ودعم العائلة التي تأثرت بحالته. وجاء بالدرجة الثانية، نشاطها في الخارج، حيث بذلت جهدها لكي تقدم المساعدة للآخرين، من أجل رفع الوعي في المجتمع حول مرض التوحد، كما ركزت على قدراتها وخبراتها، كأم وكمهندسة كمبيوتر أيضا، من أجل مساندة محيطها، وإعطائه الدفع المعنوي الذي يحتاج اليه.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع رئيسة "جمعية الأهل لدعم التوحد"، "AAA"، للتعرف اليها عن كثب، والتطرق الى أهداف الجمعية ومشاريعها المستقبلية.

- من هي غادة حايك مخول؟ وكيف انتقلت من عالم الكمبيوتر الى العمل الإنساني؟

تخصصت في هندسة الكمبيوتر في "جامعة القديس يوسف"، "USJ"، كما شغلت وظيفة في مجال هندسة الكمبيوتر، في شركة عالمية.

ولطالما كنت الأولى في صفي، بسبب حبي للدراسة، وشغفي في زياد معرفتي. كما أن والديّ قدما لي كل التشجيع اللازم، من أجل المواظبة على التعلم.

وبعد الزواج والإنجاب، اكتشفت أن ابني مصاب بمرض التوحد، واضطررت حينها للاستقالة من وظيفتي، بسبب الصعوبات الكثيرة التي عانينا منها، عندما كان بعمر صغير؛ خاصة أننا لم نتمكن على الفور، من تشخيص حالته، والتعرف الى العوارض التي كان يظهرها. كما أن طبيب الأطفال كان يطمئننا دائما عن حالته، وللأسف كان مخطئا.

وبالتالي كنت أعاني من تعب جسدي ومعنوي؛ فالعائلات التي تضم مرضى التوحد، هي بحاجة دائما الى المساعدة، حيث أن الأهل قد يتعرضون الى ​الاكتئاب​، في حال كان الدعم غائبا. ومن هنا، جاء دور الجمعية!

تأسست جمعية "Autism Awareness Association AAA" (جمعية الأهل لدعم التوحد)، رسميا، عام 2015، مع العلم أنني بدأت بعملي التوعوي حول مرض التوحد منذ عام 2003. ومع دخول مواقع التواصل الاجتماعي الى حياتنا، عام 2007، أطلقت أول صفحة خاصة بالتوحد في الشرق الأوسط، على موقع "فيسبوك".

ولا بد من القول، أن الأشخاص المصابين بالتوحد، هم بالنسبة لي ملائكة مرفعين عن هذا العالم، ويتحلون بالبراءة؛ فلعلنا نتعلم قليلا من هذه البراءة، لكي نتخلى عن الأمور المادية في الحياة.

- ما هي أهداف هذه الجمعية؟

تسعى "جمعية الأهل لدعم التوحد"، الى دعم الأشخاص المصابين بالتوحد مع عائلاتهم، ودمجهم بالمجتمع، بالاضافة الى تنظيم حملات لنشر التوعية عن التوحد، وإقامة شبكة تواص بين الأهل والاختصاصيين في كل ​لبنان​، وإنشاء مركز متخصص يعنى بالأشخاص المصابين بالتوحد.

وبالتالي، فإن هدفنا الأساس يتمثل في دعم العائلات، وتوسيع نطاق عملنا، لكي نواصل متابعة الأطفال، بعد أن يتقدموا في السن. لكن هذا المشروع يتطلب كلفة مرتفعة جدا، وغائبة في الوقت الحاضر.

ولا بد من الاشارة الى أننا شاركنا في حملة "Light It Up Blue"، العالمية، والتي بدأت في ​الولايات المتحدة​، وباتت موجودة في أكثر من 150 بلدا من حول العالم. وعملنا على إضاءة قلعة ​صيدا​، قلعة ​جبيل​، قلعة طرابس، سيدة لبنان حريصا، باللون الأزرق. وبثت الحدث بعض وسائل الاعلام، م​​​​​​​باشرة على الهواء. وبالاضافة الى ذلك، ننظم كل عام، قداسا لدعم التوحد في حريصا.

- كيف تحصلون على التمويل للاستمرار؟

التمويل يأتي من ​التبرعات​ والمبادرات الشخصية. ونحن لا ننال أي دعم من الدولة. أضف الى ذلك، ننظم دوريا، ورشات عمل ومحاضرات، كما نتعاون في مشروع مع ​الإتحاد الأوروبي​، لتنظيم حملات التوعية، مع البلديات ومراكز إدارة الشؤون، في مختلف المناطق اللبنانية، بهدف الوصول الى الأشخاص الذين يفتقدون الى المعلومات حول التوحد؛ ولقد أجرينا المحاضرة الأولى، في 17 شباط الجاري، في مركز برج حمود.

- كم تبلغ نسبة الأشخاص الذين يفتقدون الى المعلومات والتوعية حول التوحد؟

النسبة ما زالت للأسف، مرتفعة! والأصعب من ذلك أيضا، أن هناك أشخاص يعتقدون أنهم على دراية كاملة بهذا الموضوع، لكنهم في الواقع، لا يعرفون المعلومات الصحيحة، أو حتى التحديات والصعوبات التي يعاني منها الأطفال والأهل أيضا. فكل حالة مختلفة عن غيرها، وهنا تكمن الصعوبة الأكبر.

ولا بد من الاشارة الى أن بعض وسائل الإعلام، تهتم بقصص النجاح لمرضى التوحد، وتضيء عليهم بشكل أساس، ولكن ماذا عن الأشخاص المتبقين؟ فالناس لا يعرفون تماما، مدى الصعوبات التي يفرضها التوحد، ومدى حاجة المرضى ومحيطهم أيضا، الى الدعم من المتخصصين.

​​​​​​​

- هل يشكل ابنك حافز بالنسبة لك من أجل مواصلة هذا النشاط الاجتماعي؟

لقد تحولت حياتي بشكل جذري بعد أن اكتشفت إصابة ابني بالتوحد. ومن هنا، استعنت بتخصصي الجامعي وخبرتي المهنية الطويلة في عالم الكمبيوتر، من أجل توفير التوعية، بأفضل طريقة ممكنة ومفيدة.

وبالتالي، أصبحت حياتي توعوية واجتماعية، ومختلفة تماما عن ما كانت عليه في السابق؛ ولكن من المؤكد أنها تحولت نحو الأفضل بطريقة أو بأخرى. فأنا أحاول دائما إحداث فرق في حياة الأشخاص، لأن هذا النوع من العطاء، يعود الي بشعور رائع، لا يوصف!

ولا بد من الاشارة الى أنه أتيحت لي الفرصة، للإدلاء بشهادة أمام ملكة السويد، خلال زيارتها إلى لبنان، في 16 تشرين الأول 2019.

- برأيك، ما هي المشاكل التي قد تعاني منها ​النساء​ بشكل عام في لبنان؟

هناك بعض العائلات، التي لا تسمح للفتيات بالحصول على مستوى التعليم ذاته كالفتيان. ولكن على الصعيد الشخصي، لم أواجه إطلاقا هذه المشكلة، بل على العكس، حصلت على التشجيع الأكبر من العائلة.

ولكن اليوم، تغيرت الأمور وتبدّل المشهد بشكل كامل، وأصبحت نسبة الفتيات في الجامعات أكبر بكثير من الفتيان. ولكن بالطبع ما زال التمييز موجودا في بعض الأماكن، مع العلم أن التعليم يدعم المرأة، ويقويها في مسيرتها الحياتية، كي تتحلى بوعي أكبر، ولا تقف أمام العوائق.

- الى أي مدى تساعدك وسائل التواصل الاجتماعي على نشر الوعي حول مرض التوحد؟

دور هذه الوسائل هو الأول والأساس، فمن خلالها، بات لدى الناس معلومات كثيرة ومفيدة عن التوحد، وخصوصا عبر صفحتي الخاصة، التي تلاقي تفاعلا واسعا.

ولكن للأسف، استغل البعض هذه المواقع للتنمر ونشر خطاب ​العنف​ والكراهية، في حين أن دورها الأهم، يتمثل في نشر التوعية وتوحيد الناس في خط واحد.

- ما هي طموحاتك؟

​​​​​​​

مع الوقت، من الممكن أن نتوسع أكثر فأكثر في مشاريعنا المختلفة، من أجل الوصول الى أهدافنا كافة؛ وخاصة في ما يتعلق بتطوير مركزنا، ليشمل عددا أكبر من الأشخاص، ويضم المزيد من الفئات العمرية. لكن هذا النوع من المشاريع بحاجة الى الدعم من جهات عدة، بسبب تكلفته المرتفعة.

كما لدينا هدف آخر في الجمعية، يتمثل في إنشاء قاعدة للبيانات، تربط كل الأشخاص في لبنان، وتقدم جميع المعلومات التي قد نحتاج اليها في موضوع التوحد (مدارس، أطباء، معالجين نفسيين،...). ونتمنى أن نتمكن من تحقيق هذا المشروع في القريب العاجل.

- الى أي مدى يساعدك العمل الحر على تحقيق التوازن في حياتك؟

لا أنكر أن الصعوبات موجودة، لكن أهمية هذا العمل تكمن في مردوده المعنوي. ومن المهم أيضا، ذكر دعم العائلة، الذي يؤمن التوازن بين المرأة والرجل في المنزل، ويفرض الاحترام بينهما.

- نصيحة الى المرأة.

أنصح المرأة أن تلاحق أحلامها، وتتبع حدسها وإلهامها. وأقول لها: "لا تتردي، ولا تخافي من الإقدام على المبادرات".